كانت وما تزال مشكلة الطاقة أحد أبرز التحديات أمام الأردن، الذي غالبا ما يواجه خيارات طاقوية صعبة في هذا المجال، أحلاها مرّ، بدءا من توقيع اتفاق لبناء وتشغيل أول محطة للطاقة النووية للأغراض السلمية العام الماضي 2015، والذي أثار جدلا في الداخل الأردني حيال الآثار المترتبة على إنشائه والتكاليف التي ستتحملها خزينة الدولة، وصولا إلى احتجاج مئات المتظاهرين قبل أيام (الجمعة 30 أيلول/سبتمبر) في العاصمة عمان على اتفاق عقده الأردن مع إسرائيل لاستيراد الغاز الطبيعي، من نقابات وأحزاب معارضة لاتفاق السلام المبرم في 1994 بين إسرائيل والأردن، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “لا لتمويل الكيان الصهيوني من جيب المواطن الأردني”، و”لا لاستيراد الغاز من العدو الصهيوني”.
وفي مقاربة لهذه المسألة، يفترض أن يبتعد الأردن عن هذين الخيارين، فالتجربة منذ ستينيات القرن الماضي أكدت أن لا طاقة نووية آمنة، فيما استجرار الغاز من إسرائيل يمثل فضيحة عبّر الأردنيون عن رفضها جهارا، ولا حل في المدى المنظور لمشكلة الطاقة في الأردن، إلا من خلال رفده بمساعدات أكبر من دول مجلس التعاون الخليجي، مع استغلال كل الطاقات لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، خصوصا وأن الأردن يملك وفرا في مساحات الأراضي، ويملك خبرات مهمة تمكنه من بناء مزارع الرياح والحقول الشمسية، فضلا عن موارد أخرى متجددة.
مؤتمر الطاقة المستدامة
وسط هذا الجو المشحون في المملكة، انطلقت في “الجامعة الاردنية” الثلاثاء 4 تشرين الأول (أكتوبر)، فعاليات مؤتمر “توليد الطاقة الكهربائية المستدامة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: الفرص والتحديات” نظمه قسم الهندسة الميكانيكية، بالتعاون مع جامعة هامبورغ الألمانية والجامعة الألمانية الأردنية والاتحاد العربي للكهرباء، بدعم من الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي.
وبحسب نائب رئيس الجامعة لشؤون الكليات العلمية الدكتور عمر كفاوين، فإن المؤتمر يشكل فضاءً للحوار، وفرصة لتبادل التجارب والاستراتيجيات المرتبطة بالطاقة من قبل نخبة من المتخصصين في هذا المجال من الأردن والدول المشاركة، خصوصا وأنها تضطلع بدور مهم في تحقيق الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتعلقة بالتنمية المستدامة إلى جانب دورها في تلبية جميع الاحتياجات الإنسانية.
فيما أشار عميد كلية الهندسة الدكتور غالب عباسي في جلسة الافتتاح، إلى حصول أقسام الهندسة (الكيميائية والكهربائية والميكانيكية) على شهادة الاعتمادية العالمية من مجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا الأميركي (ABET) حتى عام 2022، مستعرضا نشاط الكلية والبرامج في مجال الطاقة ومصادرها، نظرا لتنامي الطلب على الطاقة في الدول العربية وحتمية الانتقال للطاقة النظيفة والمتجددة.
وقال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدكتور أحمد السلايمة إن هذا المؤتمر سيكون سبيلا لرسم سياسات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة وخصوصا الطاقة المتجددة، ووضع استراتيجية طويلة الأمد وواضحة المعالم وقابلة للتنفيذ، وذلك من خلال الاطلاع على تجارب دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا وألمانيا.
وأضاف أن المؤتمر الذي بدأ التحضير له قبل أكثر من عام يهدف إلى تحسين تبادل المعلومات المتعلقة بالتعليم والتدريب والبحوث في مجال الطاقة الكهربائية المستدامة، إلى جانب التركيز على أهمية المحافظة على استمرارية تزويد الكهرباء لمناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فضلا عن كونه فرصة لإنشاء وتوطيد العلاقات مع الجامعات الألمانية والعربية وبدء مشاريع التعاون على المدى الطويل.
الحلول المبتكرة والاستراتيجيات الحديثة
وأشار السلايمة إلى التعاون القائم بين الجامعة الأردنية وجامعة هامبورغ الألمانية، التي كانت شريكة معها في مشاريع الاتحاد الأوروبي المتعلقة بإنشاء برامج ماجستير الطاقة المتجددة والبيئة، إضافة إلى المشروع المشترك الذي يربطهما حاليا، والذي يتيح الفرصة لطلبة ماجستير الطاقة المتجددة لدراسة فصل دراسي في ألمانيا والاستفادة من أحدث تقنيات الطاقة هناك.
من جانبه، أكد رئيس معهد تكنولوجيا البيئة والطاقة الألماني في جامعة هامبورغ التقنية الدكتور مارتن كالشميت أن “قطاع الطاقة يلعب دورا محوريا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان العربية، كما يبقى أحد محركات التكامل الإقليمي، نظرًا لوفرة مصادر الطاقة (النفط والطاقة الشمسية وطاقة الرياح) من جهة، والاعتماد الشديد لتلك البلدان على تبادل الطاقة من جهة أخرى، الأمر الذي يحتّم وجود رؤية طويلة المدى أساسها مزيد من التنويع في مصادر الطاقة، عبر الاستفادة من التقدم التكنولوجي في مجال توليد الكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة”.
وركز عميد كلية الموارد الطبيعية وإدارة الهندسة في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور منجد شريف على ضرورة توسيع المشاريع الاستثمارية للطاقة المتجدّدة التي تتبناها بعض الدول العربية، والبدء بمشاريع مماثلة في الدول الأخرى مع الحرص على رسم أبعاد سياسات هذه المشاريع، والعمل على تطويرها وتنميتها.
وأشار مدير وحدة الشؤون الثقافية في السفارة الألمانية في عمّان الدكتور جيمي سبيربيرغ إلى ضرورة “وجود منبر لمناقشة الحلول المبتكرة والاستراتيجيات الحديثة المستخدمة في أنظمة الطاقة، للوصول إلى توازن في مصادر الطاقة التقليدية والجديدة والمتجددة في تلك الأنظمة”.
محاور مختلفة
وناقش المؤتمر في اليوم الأول جملة من الموضوعات المتعلقة بالوضع الحالي والمستقبلي لقطاع الكهرباء في الدول العربية، وتقارير عن وضع الطاقة في الأردن ومشاريع طاقة الرياح والخلايا الكهروضوئية في المناطق الحضرية، إضافة إلى أهمية تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية، ودور الجامعات الأردنية في دعم مشاريع الطاقة المتجددة، إلى جانب عرض تفصيلي عن وضع الطاقة في البلدان المشاركة لكل دولة على حدة.
ومن المتوقع أن تتناول الأوراق البحثية محاور مختلفة حول التحليل الاقتصادي والفني لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، ومستقبل الطاقة في البلدان المشاركة، وأنظمة تزويد الطاقة المختلفة، بالإضافة إلى ضرورة تبني الطاقة المتجددة وكفاءتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وغيرها من المحاور في ذات الصدد.
ويشارك في المؤتمر الذي يستمر يومين متتاليين ثماني دول، هي: ألمانيا، المغرب، تونس، ليبيا، مصر، فلسطين، الإمارات والأردن.