لا تنهتي مواسم البركة والعطاء في منطقة حاصبيا (جنوب لبنان)، فالبيئة المميّزة والمناخ الملائم للعديد من أنواع المزروعات، تفيض خيراً مع بداية كل موسم جديد، فتغدق الأرض ثماراً ذات قيمة غذائية عالية، وتشتمل على فوائد صحيّة كثيرة بعيدا من المواد المصنعة والمعلبة، فضلا عما تؤمنه من وفر اقتصادي للمزارعين وهم يكدون في سبيل لقمة عيش كريمة، مغمسة بعرقِ العافية.
ينهمك سكان وأهالي منطقة حاصبيا، على مدار أيام السنة، في التحضير لمونتهم المنزلية، ولكل شهر موسم محدّد، فمع بداية فصل الخريف وقبل موسم الزيتون، الذي يعتبر أطول المواسم نسبياً، ينشغل الناس، ولا سيما ربات البيوت على إكمال مونتهن، وفي هذه الفترة يتركز الاهتمام على صناعة دبس الرّمان الذي يعتبر من أساسيات المونة الحاصبانية، نظراً لقيمته الغذائية، فضلا عن أنه يشكل مورد رزقٍ أساسيا لبعض العائلات التي تسوق بعضا من إنتاجها، خصوصا وأن الطلب يتزايد على دبس الرمان في المطاعم ومن قبل المواطنين الحريصين على تناول غذاء طبيعي.
نادين شرّوف
والمونة بحسب المعاجم اللغوية، هي “ما يُدخر من المواد الغذائية”، كأن يقال أن مواطنين احتاطوا للشتاء بتوفير المونة، وتشمل المونة كافة أنواع المربيات الحلوة والمالحة، إلى الزعتر والزيتون والخضار المخللة و”رب البندورة” والبقوليات من العدس والبرغل والفاصولياء، إلى أنواع الشراب كشراب الورد والتوت وماء الزهر، من غير أن ننسى الكشك والقاورما، ما نشتهيه من وصفات ومأكولات يمكن أن نحفظها مدة من الزمن من دون أن تفقد نكهتها الأصلية.
ويستخدم دبس الرّمان في الأطعمة (كالفتوش والكبّة)، مضفياً إليها نكهة خاصة ولذيذة، كذلك له العديد من الفوائد الصحيّة، فهو يساعد على الهضم، ومعالجة إلتهابات الفم، وله أصوله وطريقته الخاصة لصنعه.
الرّمان ثلاثة أنواع
وفق ربّة المنزل أم هيثم، فإن موسم الرّمان، يبدأ في بداية شهر أيلول (سبتمبر) ويستمر حتى أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، ويوجد ثلاثة أنواع من الرّمان:
1- اللّفاني، وهو أغلى الأنواع من ناحية السعر.
2- الحلو، وهو أرخص الأنواع.
3- الحامض وهو الذي يستخدم في صناعة الدبس، يتراوح سعر الكيلو منه بين الـ 1000 والـ 1500 ليرة لبنانية.
كيفية صنع دبس الرّمان
تحتاج عملية صنع دبس الرّمان، الى الكثير من الجهد والصبر، بدءا من عملية قطفه، الى فرط حبّاته، وحتى طبخه.
تتابع أم هيثم، في البداية يتم قطف الرّمان الحامض وفرط حبيباته، ثم تعصر الحبيبات وتصفى لتستخرج منها البذور، بعد ذلك توضع على النار، ويضاف إليها السكر و”حامض الليمون”، بمعدل ثلثي كوب من السكر، وثلث كوب من حامض الليمون، مقابل أربعة أكواب من الرّمان، ولمدة تتراوح بين الساعة والساعة والربع، مع القيام بتحريكه حتى يصبح المزيج لزجاً.
يعبأ المزيج في زجاجات مخصصة له، هذه الزجاجات تكون بعدّة أحجام وعدّة أسعار، فالزجاجة بحجم 30 ملليليتر، سعرها 12000 ليرة لبنانية، والزجاجة بحجم 60 ملليليتر، سعرها 25000 ليرة لبنانية.
وهناك نوع آخر من دبس الرّمان، يصنّع في معامل خاصة به، يكون سعره أقل، بحدود الـ 4000 ليرة لبنانية، إذ تكون نسبة حامض الليمون فيه كبيرة. وبالنسبة الى الموسم هذا العام، تؤكد أم هيثم، أنّه “جيّد، وقد ازداد الطلب عليه لفوائده الصحية، لذلك العرض كبير، وبالتالي الأسعار مقبولة”.
الرّمان مقاوم للشيخوخة وأمراض القلب
لا تقتصر أهمية دبس الرّمان على النكهة المميزة التي يضفيها على الطعام فحسب، بل له العديد من الفوائد الطبيّة، وفق ما أثبتت الدراسات العلمية الموثقة، فقد اكتشف علماء سويسريون، مادة مستخلصة من ثمار الرّمان، وفيها مكونات محتملة مقاومة للشيخوخة.
وذكر باحثون في معهد “إيكول بوليتيكنيك فيدرال دي لوزان” أن إعطاء مادة (يورولايثين إيه) – وهي مادة حمضية تفرزها بكتيريا – لفئران متقدمة في السن قد أسهم في تحسين قدرتها على الركض بنسبة 42 بالمئة. وينتج الجسم هذا النوع من الأحماض، حين تقوم البكتيريا في القناة الهضمية بتحليل مكوّنات موجودة في الرّمان، تعرف باسم (إيلاجيتانينس). من ناحية أخرى، وجد باحثون في م”عهد كاتالينا لعلوم القلب والشرايين” في إسبانيا، أن الرّمان قد يقضي على بعض الضرر الذي تخلّفه المأكولات السريعة، فيحمي الأوعية الدموية، ويقي من الأزمات القلبية والسكتات الدماغية. بحيث درس العلماء تأثير حبة دواء تحوي موادا كيميائية، مأخوذة من الرّمان تدعى “بوليفينول” في الدورة الدموية عند الخنازير.
وقالت الباحثة لينا باديمون إن “دعم النظام الغذائي بالبوليفينول المستخرج من الرّمان، يمكن أن يساعد في الحماية من مشكلات البطانة التي تشكل أول المؤشرات لتصلب الشرايين وسكتات الدماغ”.
والجدير بالذكر أيضاً، أن للرّمان قيمة غذائية كبيرة، فهو يحتوي على نسبة جيّدة من الماء تُقدر بـ 84 بالمئة، وهي نسبة عالية للغاية، كما يحتوي الرّمان أيضا على البروتين بنسبة 3 بالمئة، وهي نسبة جيّدة، و10 بالمئة مواد سكرية، و1 بالمئة حامض الليمون ، و2 بالمئة من الألياف الغذائية.