• هلا ناصر الدين – البلد
لم يعد خافياً على أحد أن أزمة النفايات عرّت السلطة اللبنانية وسلطت الضوء على عجزها عن حل بديهيات الأزمات، في وطن أضاع أصحاب قراره خريطة الطريق إلا إلى مصالحهم الشخصية… وبينما ما زالت أكياس النفايات عالقة في أطراف بعض الشوارع اللبنانية وفي صلب ذاكرتنا التي عايشت عهد النفايات المشوب بروائح الفساد المحليّ الصنع، تسعى الجامعة الأميركية في بيروت لوضع خريطة طريق لإدارة النفايات المنزلية الصلبة لتكون أداةً طيعة بيد جميع الأطراف لمساعدتهم في تحقيق إدارة مستدامة للنفايات.

نظم مركز حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) بالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة مؤتمراً بعنوان “حلول عملية لأزمة النفايات”. وتخلل المؤتمر إطلاق النسخة العربية من دليل إدارة النفايات الصلبة على مستوى البلديات وهو من إعداد مركز حماية الطبيعة في الجامعة بالتعاون مع معهد عصام فارس لمساعدة البلديات في اعتماد خارطة طريق لمعالجة نفاياتها عبر لا مركزية الحل.

مخاطر الكب والحرق
وقبل الدخول بتفاصيل خريطة الطريق ذكّرت مديرة مركز حماية الطبيعة وأستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية الدكتورة نجاة صليبا بمخاطر الكب العشوائي للنفايات والتي تتلخص بـ:
1-امتصاص التربة للسموم.
2-انبعاث الروائح الكريهة والغازات الدفينة.
3-خطر تلوث المياه السطحية والجوفية بسبب المادة الراشحة.
4-خسارة المواد الممكن إعادة تدويرها أو استخدامها في إنتاج الطاقة.
5-انتشار القوارض بسبب مصادر الغذاء المتاحة لها، وتحمل بعض القوارض البرية مجموعة من الميكروبات والطفيليات التي قد تسبّب أمراضا معدية للبشر والحيوانات الأليفة.
6-تكاثر ناقلات الأمراض الأخرى وأهمها الحشرات كالبعوض والبراغيث والصراصير بالإضافة إلى الفطريات والقراد.
7-مخاطر الحرائق والسلامة الشخصية المتعلقة بالالتماس المباشر والإصابات الجسدية التي قد تسبب حساسيات وأمراضًا جلدية أو حتى أمراضًا سرطانية مختلفة.
8-زيادة التهديدات الميكروبية بما في ذلك “البكتيريا (السلمونيلا، البكتيريا القولونية، الكوليرا…الخ) التي تنتشر عن طريق الطعام، الالتماس المباشر مع الحيوانات، الحشرات، القوارض، وموارد المياه. الفطريات التي تنتشر عن طريق الهواء والمياه الملوثة، وتسبب مضاعفات في الجهاز التنفسي كالربو وحساسيات في الشعب الهوائية. الطفيليات التي تنتشر عبر المياه الملوثة والطعام والحشرات والكلاب وغيرها.والفيروسات (الالتهاب الكبدي، داء الكلب…الخ) التي تنتشر عن طريق الحشرات والفئران والدجاج والخفافيش والكلاب.
أما مخاطر الحرق العشوائي فتكون في:
1-انتاج الرواسب والغازات السامة التي قد تسبب مضاعفات في الجهاز التنفسي.
2-خطر الانفجارات أو انتشار الحرائق.
3-انبعاث مواد ضارة مثل الغازات الدفيئة والأسبستوس والبنزين والغازات الحمضية، والمعادن والهيدروكربونات الأروماتيّة متعددة الحلقات والأسوأ من ذلك كله الديوكسين.
4-ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان في المجتمعات المجاورة وخاصة بسبب الديوكسينات التي تعتبر من أكثر المواد خطرا على الانسان وذلك لأنها مواد مسرطنة كما تسبب اختلالا في الهورمونات وتورث إلى الأطفال، وأظهرت دراسة أجريت بعد الأزمة ارتفاعا هائلا لخطر الإصابة بالسرطان في المناطق المجاورة لمواقع الحرق، حيث أن خطر الإصابة بالسرطان عند الأطفال ارتفع من طفل واحد في المليون إلى 172 طفلًا في المليون.

خريطة الطريق
وانطلاقا من كون المخاطر الصحية والبيئية للكب والحرق العشوائيين “مقلقة” وتحمل مخاطر جسيمة على البشر والبيئة على حد سواء، كان من الضروري البدء برسم تفاصيل خطة مستدامة لإدارة النفايات الصلبة من أجل منع وقوع هذه المخاطر أو معالجتها للوصول إلى إدارة متكاملة للنفايات. حيث توجد حالياً عدة بدائل للكب العشوائي قيد الاستخدام يمكن إدراجها ضمن هذه الخطة وأهمها كما أشار مدير دائرة الصحة البيئية، السلامة، ومعالجة المخاطر في الجامعة الأميركية في بيروت فاروق مرعبي “تخفيف الإنتاج وإعادة الاستعمال، جمع النفايات، إعادة التدوير، التسبيخ، استرداد الطاقة، والطمر الصحي”.

وقد لجأ العديد من السلطات المعنية بإدارة النفايات الصلبة منذ أشهر إلى استعمال التسلسل الهرمي لإدارة النفايات كمرجع عام، يشجع على تخفيف النفايات من المصدر ، إعادة استعمالها، إعادة تدويرها، أو تسبيخها عوضا عن مجرد طمرها.
وتتكون خريطة الطريق من عدد من العناصر المهمة التي تساهم بتكامل واستدامة الخريطة، من أجل إعطاء فكرة أفضل عن المعدات، اليد العاملة، الآلات، المساحات، وأعمال البناء الضرورية لعمل هذه العناصر، كما وتتوزع على سيناريوهات أربعة لمناطق تتميز بمعدلات متفاوتة من إنتاج النفايات. (تجمعات صغيرة وتقسم إلى سيناريو أول وثانٍ، تجمعات متوسطة، وتجمعات كبيرة).

1-السيناريو الأول على نطاق صغير جدا (حوالى 1 طن يومياً):
ويتطلب السيناريو الأول من الآلات والمعدات الضرورية “آلة فرم، آلة كبس، رفش- بوبكات، أربع حاويات وأربعة عمال” أما أعمال البناء الضرورية فتشمل “منطقة استقبال، منطقة فرز، منطقة تخزين، ومنطقة تسبيخ وإنضاج” على مساحة كلية تتراوح بين الـ 500 والـ1000 م2.
2-السيناريو الثاني على نطاق صغير (حوالى 10 اطنان يومياً):
ويتطلب معدات وآلات هي “مولد كهربائي، خط فرز وتحويل المواد العضوية لمعمل التسبيخ، مغناطيس فوق خط الفرز، آلة الكبس للمواد القابلة لإعادة التدوير، آلة فرم للبلاستيك، غربال للسباخ، آلة فرم للمواد العضوية بوبكات،آلة صغيرة لتقليب السباخ أو براميل للتسبيخ” مع عدد عمال يتراوح بين الـ6 و8 عمال. أما أعمال البناء الضرورية في السيناريو الثاني فهي “هنغار، منطقة تسبيخ وإنضاج، منطقة تخزين، منطقة استقبال، خزان لتخزين الراشح ومنطقة فرز وتعبئة” على مساحة كلية بين 1500 و2000 م2.
3-السيناريو الثالث على نطاق متوسط (حوالى 30 طنا يومياً):
ومن المعدات المطلوبة في هذا السيناريو “قبان لتخزين الأوزان، بوبكات عدد 2، (ترومل) وخطوط تحويل المواد العضوية إلى منطقة التسبيخ، منصة للفرز مع فتحات، مغناطيس فوق الخطوط، فرامة للمواد العضوية، مكبس للمواد الممكن تدويرها وفرامة بلاستيك، آلة لتقليب السباخ أو براميل التخمير، غربال لتنقية السباخ، بيوفيلتر لمعالجة العصارة ومولد كهربائي” وعدد من العمال بين 12 و14 عاملا. والإنشاءات الهندسية المطلوبة “منطقة استقبال، منطقة فرز وتوضيب، منطقة التسبيخ والإنضاج، منطقة تكديس المواد، هنغار معدني، خزان لتجميع ومعالجة العصارة، منطقة البيوفيلتر، وطرقات داخلية” على مساحة تتراوح بين 2500 و 4000 م2. وبكلفة إجمالية تتراوح بين مليون و200 ألف دولار ومليون 400 ألف دولار أميركي.
4-السيناريو الرابع على نطاق كبير (حوالى 100 طن يومياً):
ويحتاج لعدد عمال يتراوح بين 26 و 30 عاملا، ولـ”قبان (جسر ميزان)، مولد كهربائي كبير،آلة لفتح الأكياس،منصة متطورة للفرز تتضمن غربالا وتنقل المواد العضوية لمعمل التسبيخ، مغناطيس فوق خط الفرز، آلة الكبس للمواد القابلة لإعادة التدوير،آلة فرم للبلاستيك، آلات لإنتاج الوقود المشتق من النفايات، جرافة كبيرة وبوبكات عدد 2، غربال للسباخ آلة لتقليب السباخ أو براميل للتسبيخ، آلة فرم للمواد العضوية،
وبيوفلتر لمعالجة الراشح والروائح”. أما اعمال البناء الضرورية لهذا السينايو فهي مطابقة للسيناريو السابق ولكن على مساحة كلية تتراوح بين 7500 و10000 م2.

توصيات
وبعد توضيح الخيارات المختلفة لإدارة النفايات وعرض خريطة الطريق المقترحة من قبل فريق العمل في الجامعة الاميركية في بيروت يقع على عاتق أصحاب الشأن وخاصة السلطات البلدية والأفراد المعنيين اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لتطبيقها. ومن الضروري أن تؤسس البلديات شراكات مع بعضها من أجل تخفيف الأعباء المادية والإدارية لهكذا خطة. ويساعد هذا التعاون على تقليص التكاليف الاقتصادية في عملية إدارة النفايات، ما يؤدي الى تسهيل تنفيذ الإدارة المستدامة لها من قبل البلديات أو حتى الأقضية. بالإضافة إلى أهمية مشاركة الأفراد أنفسهم على نحو فعال، مع ضرورة تقييم الأثر البيئي لأي مشروع يعنى بملف إدارة النفايات المنزلية الصلبة قبل الشروع بتنفيذه لما قد يساعد هذا التقييم صانعي القرارات من خلال دراسة جميع العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على المشروع والمجتمع ككل.
وبالتالي تتطلب الإدارة المستدامة للنفايات المنزلية الصلبة جهداً من أصحاب الشأن، ولكنها ليست عملية بالغة التعقيد أو مستحيلة.

تحديات
وعن التحديات التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار بتنفيذ مركز فرز ومعالجة للنفايات، تحدثت
الاستاذة المشاركة في دائرة الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت مي مسعود. فمن تحديات إدارة النفايات الصلبة نرى القانون التشريعي والاستراتيجيات الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، السلطات المسؤولة عن هذه المسألة، التمويل واسترداد الكلفة، تخصيص الموارد (المالية والبشرية المؤهلة)، شراكة القطاعين العام والخاص، التوعية العامة والمشاركة، واستدامة نظام إدارة النفايات الصلبة.
أما مشاكل التخطيط لإدارة النفايات الصلبة، فهناك عوامل يجب أخذها بالاعتبار عند تطوير خطة لإدارة النفايات الصلبة، وهي أنه لا يوجد حل وحيد يحل مشكلة إدارة النفايات كليا، علماً أن كل مجتمع أو منطقة لها احتياجاتها الخاصة وملفها الخاص في ما يخص إدارة النفايات.
وفي انتاج النفايات يجب الأخذ بالاعتبار الميزات المحلية والتفكير بالاختلافات الموسمية في إنتاج النفايات ومساهمة المنشآت التجارية والمؤسسات فيها. وفي التخفيف وإعادة الاستخدام يجب التركيز على
التعليم ، الحوافز والروادع الاقتصادية والتقدير والبرامج التوعوية.
وخلال التسبيخ فالعوامل التي يجب أخذها بالاعتبار تشمل ولكن لا تقتصر على المساحة المتوفرة، المواد المتوفرة، الخطط الموجودة لاستخدام السباخ، مدة الوقت المتوفرة وكمية الاهتمام بشكل التسبيخ.
ومن المعايير الضرورية لإمكانية اعتماد المحارق: وجود نظام فعال يعمل منذ عدة سنوات في مجال إدارة النفايات، التخلص من رواسب الحرق في مطامر صحية منظمة تعمل بشكل جيد، ثبات كمية النفايات الواردة لحرقها، استعداد المجتمع لتحمل كلفة المعالجة المرتفعة المتأتية عن الرسوم الإدارية والرسوم على طن النفايات والمساعدات المالية الضريبية، إمكانية توظيف عمال ذوي كفاءة عالية، ووجود بيئة مستقرة تسمح بالتخطي لمدة 15 سنة أو أكثر.
وبعض المسائل البيئية التي يتعين النظر فيها خلال الطمر الصحي: مراعاة المعايير المحلية لتقسيم المناطق واستخدام الأراضي بما في ذلك القيود الموضوعة على أوزان الطرقات المحلية وغيرها، إمكانية الوصول إلى هذه المناطق والأراضي بسهولة عبر الشاحنات التي تنقل النفايات وذلك في كافة الأحوال الجوية، حماية المياه السطحية والجوفية بشكل آمن، التحكم بالغازات التي يصدرها المطمر، إمكانية الوصول إلى مادة يمكن استعمالها كغطاء أرضي وضغطها والتعامل معها بسهولة، الحرص على تواجد المطمر في مكان لا يؤثر على مناطق حساسة بيئيا، وجود مساحة كافية تتضمن وسعة داخلية لتأمين منطقة عازلة وقدرة على التوسيع،
ويجب ان يكون الموقع المختار هو الموقع الأفضل اقتصاديا، حيث تؤخذ بالاعتبار مسافات الشحن بالإضافة إلى اعتبارات اقتصادية أخرى.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This