نحاول في موقعنا greenarea.info الابتعاد عن الشخصانية، وهذا دأبنا منذ انطلاقة الموقع قبل نحو سنتين، يوم آثرنا الوقوف على ضفة محايدة وأعلنا انحيازا للبيئة وحدها، البيئة بما تمثل من فضاء يطاول كافة جوانب الحياة، البيئة كقضية كونية لا تعترف بحدود جغرافية وسياسية، وهذا ما رسخ الثقة بيننا وبين القارىء، في لبنان والدول العربية والعالم، لكن عندما تمسنا الأمور مباشرة، خصوصا في لقمة عيشنا، فالسكوت يغدو جريمة، مثل تشريع القتل للقاتل ومحاسبة الضحية!
قبل يومين أحضرت عبوة بسكويت خاصة بمرضى السكري لوالدتي، ومن نوعية جيدة، وعلى الرغم من أن تاريخ انتهائها محدد في أيار (مايو) 2017، إلا أنه عند وضعها في وعاء زجاجي بدأت الديدان تدب فيه، على الفور اتصلت بالخط الساخن الخاص بوزارة الإقتصاد والتجارة رقم 1739، ليتم تسجيل المكالمة والشكوى، وأرفقتها برسالة على البريد الالكتروني مع الصور، ونوع البسكويت ورقم الطبخة وتاريخ الإنتهاء، وسألتني الموظفة المسؤولة عن مكان شرائها، وقالت أن المشكلة قد تكون في التخزين لا بالعبوة نفسها!
المعروف أن هذا النوع من الأطعمة الخاص بمرضى السكري أسعاره أعلى من البسكويت العادي، ولكن القضية ليست عبوة بسكويت فحسب، لأن هذه المادة الاستهلاكية، يتناولها البعض كوجبة سريعة Snack، والكثير يتناولها دون أن يضعها في وعاء للتدقيق فيها، ومعرفة ما إذا كانت تحتوي على شوائب أو غيرها، مثل الديدان!
يشعر المواطن بالأمان حيال المواد الغذائية المعلبة، كونها مغلفة بإحكام وبغطاء عازل، ومصدرها بلاد أجنبية، لكن من يراقب المواد الاستهلاكية على رفوف المتاجر؟ ومن يدقق في محتوياتها، حتى وصولها للمستهلك، لجهة الجودة والنوعية والأسعار، فضلا عن بقائها على حالتها الأصلية؟
وعلى الرغم من حملة زارة الصحة الأخيرة، لا نظن أن هذه الحملة شملت المواد المعلبة من بسكويت وغيره، ولا بد من لفت النظر إلى ضرورة أن ينتبه المواطن لما يتناوله من مواد غذائية معلبة، وكأن اللبنانيين لا يكفيهم ما يعانون من أزمات معيشية واقتصادية، لتتفاقم الأزمات الآنية من نفايات وكهرباء ومياه وصرف صحي، وأخيرا وليس آخرا الحشرات كالديدان.
لكن ما يؤرقنا، هو هذا الاستهتار من أي جهة أتى، وما يزيد هواجسنا أن تكون “الفورة” الاعلامية لوزارة الصحة قد أدت وظيفتها السياسية! في بلد محكوم بالفوضى، حتى أن أحدهم نصحنا بعدم تكبد عناء الاتصال بأي جهة رسمية، لافتا في سخرية لاذعة “لو أرسلتم علبة البسكويت إلى مختبرات الدولة، سيأتيكم الجوب بأن الديدان مطابقة للمواصفات!”.
