تهاجر الطيور مرتين سنوياً ما بين أوروبا وأفريقيا، وتمر خلال هجرتها فوق دول غرب آسيا وحوض البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويعتبر لبنان واحداً من أهم ممرات هجرتها، وتبقى بعض مناطقه موئلا لها، لفترات قصيرة من الزمن ضمن مساحات محددة، ولا سيما منها الطيور المحلقة، مثل: العقبان، النسور، اللقلق والبجع، فضلا عن أن بعض مناطقه مصنفة على أنها من أهم المسارات العالمية، وفي لبنان ثاني أهم ممر للطيور المهاجرة في العالم، بعد كوبا التي تقع بين الأميركيتين، لكن في الوقت عينه تؤكد تقارير علمية ان لبنان ما زال يتصدّر الدول التي تمثّل الخطر الاكبر على الطيور المهاجرة.
سجل في لبنان وجود 374 نوعاً من الطيور، 134 منها تتوالد في لبنان بينما 56 منها ثبت بقاؤها الدائم فيه، اذ تشمل لائحة الطيور المهاجرة والطيور الشتوية حوالى 246 نوعاً. وتتمثل أهمية لبنان عالمياً بالنسبة للطيور كون هناك العديد من أنواعها مهددة بالانقراض على المستوى العالمي فيه، فهناك 1186 نوعاً مهدداً بالانقراض أي 12 بالمئة من أنواع الطيور على مستوى العالم، بمعنى آخر، فإن واحدا من كل ثمانية أنواع من الطيور يواجه خطر الانقراض، وهناك 182 نوعاً منها تعتبر مهددة بدرجة حرجة للغاية، وتواجه بذلك أخطاراً مرتفعة جداً بالانقراض نهائياً في المستقبل القريب من أصل 24 نوعاً من الطيور المهددة عالمياً، والتي تتواجد على مستوى الشرق الأوسط، هناك 14 نوعاً منها في لبنان.
المخاطر والتهديدات
تواجه الطيور المهاجرة مخاطر كثيرة وكبيرة خلال عبورها فوق لبنان، وهي ناجمة ممارسات الانسان، ولا سيما منها: فقدان الموائل، التوسع العمراني على حساب الاراضي الخضراء، التوسع بالحقول الزراعية على حساب الاراضي الطبيعية، استعامل فيها الاسمدة الكيميائية السامة دون مراقبة، المكبات المكشوفة، خصوصا تلك التي انتشرت بعد أزمة النفايات منذ العام الماضي 2015، وهذه المكبات تعتبر عامل جذب لهذه الطيور، فضلا عن مستنقعات المياه الآسنة الملوثة وبرك معالجة النفايات السائلة، بالاضافة الى عامل تغير المناخ الذي يهدد بعض الانواع، لكن يبقى الخطر الأكبر متمثلا بالصيد العشوائي، وانتشار هواة القتل في بعض المناطق الذين لا يتورعون عن صيد أكبر الاعداد دون مراعاة للشروط التي نظمها قانون الصيد، الذي ما يزال حبرا على ورق!
في الآونة الاخيرة بدأنا نشهد مجازر لهذه الطيور تنتشر صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما ينذر بخطر داهم وانخفاض أكيد للأعداد التي تمر فوق لبنان في طريق عودتها لمواطنها، هذا القتل غير المبرر بسبب جشع الانسان وإشباع رغباته المريضة لم يردعه قانون ولا أي خوف من محاسبة، بسبب غياب الجهات المسؤولة عن تطبيقه، وبالتالي عدم المتابعة من قبل الوزارات المعنية.
القتل بدافع التسلية
الخبير في مجال الطيور الدكتور روجيه سعد قال لـ greenarea.info أن “الطيور على امتداد مساحة الوطن من الشمال الى الجنوب فالبقاع تتعرض للإبادة ولقتل ممنهج، آخرها ما تم توثيقه بالصور في (منطقة عياشة) في الضنية، وهي منطقة تعبر فوقها الطيور الحوامة، وقد تعرضت لمجزرة طاولت طيور اللقلق والبواشق وأنواعا من العصافير، ولم يسلم منها حتى البوم الابيض الجميل”.
ولفت سعد إلى أن “عملية الابادة ارتكبها صيادون وهواة بداعي التسلية، وهي مستمرة بشكل شبه يومي وعلني، دون مراعاة لأي اعتبارات بيئية أو خوف من ملاحقة قانونية، بحيث انهم ما تمادوا ليس بالقتل فحسب، بل لم يتوانوا عن التباهي بعرض صورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، وأعرب عن أسفه “لأننا نعثر على طيور مرمية في مكبات النفايات، ومنها طيور جميلة ونادرة، ما يؤكد أن قتلها لم يكن بغير دافع التسلية والتباهي بالتسابق في القتل”.
وأضاف سعد: “في الوقت الذي يقطع فيه الاوروبيين وبعض الشعوب الغربية مسافات طويلة، ويتحملون أعباء وتكاليف السفر لزيارة البلدان التي تمر بها الطيور من أجل مشاهدتها، فهناك من يعمدون إلى قتلها دون أدنى إحساس بالمسؤولية، علما ان هذه الطيور محمية بقانون محلي وعالمي، ومدرجة على القائمة الحمراء من قبل “الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة” International Union for Conservation of Nature الـ IUCN و الاتفاقية بشأن حفظ المهاجرة الأفريقية الأوروبية الآسيوية AEWA.
صديقة للبيئة
إن رصد وتوثيق هذا القتل الموصوف، ينذر بأخطار محدقة تهدد هذه الطيور، وتهدد معا التوازن البيئي، وأشار سعد الى “صورة البوم الابيض المقتول”، قائلا ان “كان هناك ثلاثة منها البوم تعود لشخص كان قد اشتراها وعالجها ثم أطلقها ليعثر عليهم مقتولة بعد يومين من اطلاقها”، لافتا إلى أن “هذا النوع (البوم الأبيض) قليلة أعداده ويعمل على تنظيف الطبيعة من القوارض ليلا، على عكس البجع والنسور التي تعمل على تنظيفها نهارا”.
وأكد سعد أن مرور هذه الطيور في مناطقنا هو نعمة من الله خصوصا في هذه الفترة مع إنتشار أزمة النفايات في لبنان”، لافتا إلى أن “الطيور التي تباد كاللقلق الأبيض، البواشق، النسر وغيرها تعتبر صديقة للبيئة، تخلص المناطق التي تمر بها من القوارض كالجرذان والفئران والزواحف كالأفاعي وأيضا الحشرات، بالاضافة الى أنها تساعد في نقل الحبوب في الطبيعة وتساهم في عملية التشجير”.
وختم مشددا على “ضرورة تدخل الوزارات المعنية واتخاذ الاجراءات اللازمة بحق المعتدين المعروفين بالاسماء والصور في هذه المنطقة، تحسبا لما ستؤول اليه الامور في حال استمرار هذه التعديات وفقدان هذه الثروة التي أنعم الله علينا بها”.