فيما يحتدم النقاش حول تمرير صفقات المحارق، من بيروت إلى الجنوب والبقاع، وقبلها في ضهور الشوير، تتهاوى معامل فرز النفايات تباعا، حرقا وتخريبا وإهمالا وتقصيرا، في مصادفة تستدعي وضع علامات استفهام كبيرة، وإذا تبين أن ثمة رابطا بين ما تواجه هذه المعامل التي تمثل واحدا من الخيارات الأقل كلفة على الدولة وصحة المواطن، فذلك يؤشر إلى أننا ولجنا مرحلة في مشروع خطير، وكي لا نستبق التحقيقات، وإن كنا نعلم أنها لن تفضي إلى ما يطمئن هواجسنا، ستبقى الكثير من الأمثلة ماثلة، إلى أن تتضح الصورة في المستقبل القريب، خصوصا وأن ثمة محارق وصلت إلى لبنان، وتنتظر فرصة تشغيلها!
ما يهمنا في هذا المجال، ما توالى من حوادث تبدو إلى الآن غير منفصلة، والقاسم المشترك بينها أنها طاولت معامل فرز النفايات، فبتاريخ 23 أيلول (سبتمبر)، احترق معمل فرز النفايات في بعلبك، وبشكل مفاجئ بعد منتصف الليل، وبفعل شخص ملثم شوهد على كاميرات المراقبة، وابتدأ من مكان تجميع البلاستيك لضمان سرعة انتشار الحريق، ولا زال التحقيق جاريا، وأتى الحريق على تجهيزات كبيرة من المعمل قدرت بمليون دولار ما أدى إلى توقفه عن العمل.
وفي جبل لبنان الجنوبي، تعرض معمل النفايات التابع لاتحاد بلديات الشوف الاعلى، الواقع في بلدة بعذران، لحريق كبير تسبب بوقف أعمال الفرز تماما وعدم القدرة على استقبال النفايات، فبتاريخ السابع من تشرين الأول (اكتوبر) الجاري، نشب الحريق أيضا في بورة البلاستيك في المعمل، واتى على معظم التجهيزات، وقُدرت الخسائر بحسب ما أشار لـ greenarea.info رئيس “اتحاد الشوف الأعلى” ورئيس بلدية المختارة روجيه العشي بـــ 150 ألف دولار.
هاشتاغ “لا_تلعبوا_بالنار”!
أما الحريق الثالث فجاء بعد حريق معمل بعذران في عروس الجنوب صيدا، وفي مشروع المعمل الذي تطلب أربعة عقود لإنشائه، إنما لحسن الحظ كان بعيدا عنه، وتكبدت فرق الدفاع المدني التي استقدمت من مناطق عدة مجاورة لصيدا جهودا مضنية لمنع توسعه، وامتداده، وتطلب إخماده وقتا ومتابعة حثيثة ومستمرة على مدى الأيام الماضية، مع العلم أن هذا المعمل بالذات يخضع لمراقبة أمنية صارمة، وتزامنا اطلق عضو المجلس البلدي لمدينة صيدا كامل كزبر على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ تحت عنوان: “معمل فرز النفايات لن توقفه حرائق ولا محارق #لا_تلعبوا_بالنار” في إشارة لاحتمال أن يكون هذا الحريق مفتعلا.
ومع مسلسل الحرائق يأتي تعطيل معامل الكفور وحبالين وعين بعال وأنصار، ووجود معامل تعمل بالحدود الدنيا والمتوسطة، مثل معمل الكحلونية في الشوف، وثمة من يعتبر أن ما هو حاصل تقف وراءه “مافيا” تقوم بعمل ممنهج لنسف إمكانية تنفيذ معامل تدوير وفرز وخلافه، بمبادرات لامركزية في البلديات واتحادات البلديات هدفها تمرير صفقات حرائق ابتداء بضهور الشوير، وصولا إلى مدينتي صور وبيروت.
وتابعنا في greenarea.info الحادثة الأخيرة في بعذران، في محاولة للوقوف على ملابسات الحادث، وتواصلنا مع بعض العاملين في هذه المنشأة، رفضوا ذكر أسمائهم “لدواعي التحقيق الذي خضعوا له”، فأفادوا بأنه بعد ربع ساعة من مغادرة العمال المعمل، قرابة الثالثة بعد الظهر، شب حريق مفاجئ في بورة لتجميع المواد المفرزة من البلاستيك، وتقع هذه البورة بين الهنغار المُخصص للفرز والهنغار المعتمد للتجميع، ونتيجة احتراق البلاستيك السريع إمتد الحريق الى الداخل وأتى على محتويات الهنغارين، ومنها ماكينة الفرز وآلية نقل النفايات المفرزة، وآلة عبارة عن مغناطيس لرفع الحديد سعره 18 ألف دولار، وتم الإتصال برئيس الإتحاد روجيه العشي الذي بادر بدوره للإتصال بالدفاع المدني، لكن الحريق كان أسرع من الجميع وأتى على معظم آليات ومحتويات المعمل.
وحضرت القوى الأمنية فضلا عن عناصر الأدلة الجنائية لتحديد أسباب الحريق، وخضع العمال بعدها لتحقيقات دامت أكثر من 12 ساعة مع الجهات الأمنية.
وما يثير الريبة في هذه الحوادث المتسلسلة خصوصا الحادثتين الأخيرتين في صيدا وبعذران، كون الطقس بات معتدلا، وقال رئيس الاتحاد ورئيس بلدية المختارة روجيه العشي لموقعنا greenarea.info “كانت الحرارة تصل في أوقات سابقة إلى درجة 40 دون أن يحصل أي حريق”، وإن كان قد أكد أن “التحقيق لا زال مستمرا في هذا الموضوع لمعرفة ما إذا كان حادثا تلقائيا أم مفتعلا”.
عشي: نفكر بالأسوأ
وقال عشي “يخدم هذا المعمل حوالي 15 قرية ومنها قرى الإتحاد، ومنها: بعذران، نيحا، باتر، جباع، مرستي، المختارة، بطمة، معاصر الشوف، عين قني، حارة جندل والخريبة”، وأضاف: “ننتظر نتيجة التحقيقات وهناك عدة جهات معنية تتابع الموضوع، ولا نتائج حتى الأن، وقد تابعت الجهات الأمنية التحقيق مع جميع العمال”، وأضاف: “في ظل أحداث حرائق المعامل نطرح أسئلة عن أسبابها وتزامنها، وعسى أن يتم القبض على المرتكبين إن كان الأمر مفتعلا”،
وعما إذا كان الأمر محاولة لتمرير صفقات المحارق، أجاب عشي “لا يمكنني استنتاج أي شيء قبل انتهاء التحقيق، خصوصا وأن الأمر طاول معامل عدة، ولكنه أمر يشغل البال، وأصبحنا نفكر بالأسوأ، كنا نظن بالبداية أنه قضاء وقدر، ولكن أصبحنا نشك بعد سلسلة الحوادث والحرائق هذه”.
وعن إمكانية إعادة تشغيل المعمل، أكد عشي أنه “بإذن الله خلال ثلاثة أسابيع أو بالأكثر شهر كامل، ونحن مصرون على هذا الأمر”، أما عن التعامل مع النفايات في الوقت الحاضر، فأشار العشي إلى “اننا قمنا بتأمين قطعة أرض بحيث تجمع النفايات فيها بشكل مؤقت، حتى انتهاء العمل في إعادة تأهيل المعمل”.
وقال عشي أن النائب وليد جنبلاط “مستاء للغاية من هذا الموضوع، وأعطى توجيهاته لمعرفة الفاعلين والاقتصاص منهم إن كان مفتعلا، وأنه مصر على معرفة الحقيقة وعلى إعادة العمل في المنشأة وبأسرع وقت ممكن”.
وحيال واقع الصفقات والتلزيمات في هذا القطاع، والمجيرة لجهات معروفة وإن اختلفت أسماء المتعهدين، نجد أن البلاد تغرق في الفساد والنفايات أكثر فأكثر، فضلا عن احتكار زمرة لمقدرات وقطاعات البلاد الإنتاجية من زراعة وصناعة وخدمات، وليس ذلك فحسب، بل المتاجرة بنفايات البلاد، بهدف الربح الأسرع عبر بدعة المحارق، ضاربين عرض الحائط صحة الناس واستدامة الموارد للأجيال القادمة.