لا تزال ازمة النفايات المستفحلة في قضاءي عاليه والشوف، تتفاعل على أكثر من صعيد، وتحديداً في بلدة الناعمة حيث تفاقمت واتخذت منحاً فضائحياً، خصوصا لجهة طريقة تعاطي بلدية الناعمة – حارة الناعمة مع هذه الأزمة، لكن الفضيحة الأكبر تبقى حكومية وتتحمل مسؤوليتها مختلف القوى السياسية المكونة لها، وتحديداً النائب وليد جنبلاط، لجهة ترك قضاءي الشوف وعاليه منذ آذار (مارس) الماضي ٢٠١٦ رهينة التوافق السياسي – البلدي على موقع لطمر النفايات، وإخراجهما قسراً من كوتا الطمر في برج حمود والكوستابرافا التي شملت بقضية الاقضية في جبل لبنان والعاصمة بيروت. (راجع https://greenarea.com.lb/ar/180697).
صباح يوم الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) أقدم مجهولون على إضرام النار في مكب عشوائي كبير للنفايات، اعتمدته وكرسته بلدية الناعمة، ويقع على الحدود بين النطاق العقاري لبلدية الناعمة ومنطقة القبة (دوحة الحص) التابعة لبلدية الشويفات. وأدى تصاعد سحب الدخان السامة والقاتلة الى حالة هلع لدى سكان المنطقة، وإعلان حالة طوارئ في مدرسة الدوحة والمدرسة الالمانية الدولية التي بعثت برسالة عاجلة عبر الهاتف الى ذوي الطلاب تعلمهم بإمكانية عودة الطلاب الى منازلهم قبل انتهاء الدوام الرسمي، بسبب استفحال تصاعد الدخان وتهديده السلامة العامة للمدرسة.
ومعلوم ان حرق النفايات يسبب ارتفاعاً خطيراً في نسبة تركز مادة الديوكسين المسرطنة في الهواء الذي نتنشقه، حيث ارتفعت هذه النسبة 416 مرة اكثر من القياسات التي كانت قد حددتها الجامعة الاميركية في بيروت في فترات سابقة، ابان استفحال أزمة حرق النفايات في تموز (يوليو) ٢٠١٥ في العاصمة بيروت.
ولا يقتصر ضرر حرق النفايات على مادة الديوكسين فحسب، حيث يزداد ايضاً تركز مادة الـ Dibenzanthracene في الهواء، وهي عبارة عن مجموعة من الهيدروكربونات العطرية المسرطنة التي تتكون من خمس حلقات من البنزين، تنتج من الاحتراق غير الكامل للمواد العضوية. وعلمياً، لا تستخدم هذه المادة إلا للأغراض البحثية وللحث على تكوّن الأورام!
وفي حين انخفضت انبعاثات الديوكسين في العديد من الدول، بنسبة 99 بالمئة على مدى السنوات العشرين الماضية، يبدو ان لبنان يسير بالاتجاه المعاكس، خصوصاً مع استمرار حرق النفايات في الهواء الطلق الذي يصدر منتجات ناجمة عن عمليّة إحتراق غير مكتملة، مثل أوّل أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت والهيدروكربون وجسيمات PM وغيرها من المواد الخطيرة التي تتضمّن الديوكسينات والفوران، وهي ملوّثات عضويّة ثابتة.
واعتراضاً على حرق النفايات في الناعمة، اعتصم مساء امس، سكان المنطقة عند مدخل منطقة دوحة الحص، وتلا ناصر زيدان بياناً شن فيه هجوماً لاذعاً على رئيس بلدية الناعمة شربل مطمر، واتهمه بأنه سهل عملية تهريب شاحنات نفايات من خارج الناعمة ورميها عشوائياً في المكب المستحدثة قرب أتوستراد الجنوب ومن ثم حرقها.
تصريح زيدان الذي يقطن بالقرب من المكب العشوائي المستحدث، حمل ايضاً بعداً سياسياً كونه احد ابرز المعاونين الساسيين للنائب جنبلاط، وهو اكد لـ grenarea.me انه كان يسعى الى حل الازمة في الناعمة، عن طريق إعادة إدخال النفايات الناتجة عنها ضمن كوتا الطمر في مطمر الكوستابرافا، لكن “اداء رئيس بلدية الناعمة شربل مطر وطريقة تعاطيه مع الملف يشوبها الكثير من علامات الاستفهام، لجهة استغلاله الازمة وتحويل الناعمة الى مكب عشوائي لنفايات من خارجها” بحسب زيدان.
ماذا عن مواقف باقي القوى السياسية؟ تؤكد معلومات لـ grenarea.me ان المسؤولين المحليين في في حزب الله الذين يتابعون الأمور في منطقة ساحل الناعمة تلقوا مراجعات من عشرات السكان المقيمين طالبين التدخل لحل الازمة، خصوصاً وأن اتحاد بلديات الضاحية، هو من يعترض على إدخال كمية تتجاوز ٢٠٠ طنا من النفايات من قضاء عاليه الى مطمر الكوستابرافا. اما الحزب الديموقراطي اللبناني، فتؤكد مصادر لـ grenarea.me ان موقفه تدرج من رفض الاعتراف بمطمر الكوستابرافا والتدخل بمسار انشائه الى حد الدخول في تفاصيل عمليات الطمر من خلال رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر المحسوب على النائب طلال ارسلان. وبحسب المعلومات المتداولة، فإن حيدر يصر على ان كوتا الطمر في الكوستابرافا يجب ألا تجاوز بلديات الضاحية الجنوبية الاربع، اضافة الى اربع بلديات من قضاء عاليه، وهي: الشويفات، بشامون عرمون وديرقوبل! وأبلغ حيدر في وقت لاحق ان قرار مجلس الوزراء واضح لجهة إدخال جميع قرى وبلدات قضاء بعبدا ضمن كوتا الطمر في الكوستابرافا، وبدل ان يتم الاتفاق على شمول جميع بلدات ساحل عاليه ضمن هذه الكوت ، اكتفى الديموقراطي اللبناني بالقبول بالأمر الواقع، فكانت النتيجة ان مكب النفايات العشوائي الذي حرق امس لا يبعد عن قصر خلدة مكان اقامة النائب طلال ارسلان عشرات الامتار!
وفي حين يعقد الوزير اكرم شهيب اجتماعاً في مكتبه الثلاثاء لبحث أزمة النفايات في قضاءي عاليه والشوف، أكدت معلومات لـ grenarea.me ان تيمور جنبلاط نجل النائب وليد جنبلاط دخل على خط الحل، وكلف عددا من معاونيه دراسة عروض اسعار من شركات اجنبية، والبحث عن مواقع لاقامة معمل للنفايات في الشوف الاعلى أو في جرد عاليه، بعد ان تلقى جنبلاط الاب رسائل اعتراض واضحة من بلديات اقليم الخروب لجهة إمكانية انشاء المعمل “الموعود” ضمن النطاق البلدي لمنطقة اقليم الخروب.
والى حين بلورة الحل المقترح لقضاءي الشوف وعاليه، والاتفاق على تفاصيله وبدء العمل على تنفيذه، فإن الازمة المفتوحة في هذه المنطقة مرشحة الى التصاعد لفترة قد تزيد عن ١٨ شهراً، والى حينه ستبقى اخبار حرق النفايات ورميها عشوائياً وطمرها بما يخالف الشروط الصحية، اكثر الاخبار شيوعاً، وسط تململ شعبي كبير، على قاعدة ان جنبلاط توصل عبر وزرائه ومعاونيه الى ترتيب ملف النفايات في مختلف المناطق وترك منطقته غارقة بنفاياتها.