لم يصدق المزارع سامي أبو سعيد أن تحمل شجرة “خرما” أمام دارته في بلدة شويت – قضاء بعبدا، ثمارا من نوع مختلف عن ثمارها المعهودة، فقبل نحو عشر سنوات زرع شجرة “خرما” من النوع العادي المعروف، وثمارها لا يمكن تناولها إلا بعد أن تنضج تماما، لكنه فوجئ قبل أيام أن بعض الصبية يتناولون الثمار من الشجرة عينها ويأكلونها وهي لم تنضج بعد، فتأكد أن الثمار من نوع “خرما الشوكولا” التي تتميز بهذه الخاصية وقد شاعت زراعتها لهذا السبب منذ سنوات عدة.
المعروف أن زراعة الـ “خرما” انتشرت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، يوم اضطر مزارعو التفاح في لبنان الى تنويع زراعاتهم بعد كساد مواسمهم وتدني الاسعار، إلا أنه في تلك الفترة شاعت زراعة النوع المعروف ومنشأه الصين ويعرف باسم Persimmon، أما الاسم العلمي فهو Diospyrod Kaki ومن هنا تعرف الـ “خرما” أيضا باسم الـ “كاكي”، وهذا النوع لا يمكن تناوله الا بعد نضوجه، بحيث يعمد المزارعون الى قطف الموسم ما ان تأخذ الثمار لونها، لكنها تكون صلبة وطعمها غير مستستاغ، فضلا عن أنه لا يمكن ابتلاعها وقد تسبب الاختناق، وفي العادة يقوم المواطنون بوضع الثمار في مكان دافئ الى أن تنضج تماماً.
إلا أن هذه الخاصية حالت دون إمكانية تسويق الثمار، ومن هنا شاع قبل سنوات عدة زراعة نوع آخر من الـ “خرما” موطنه الاصلي اليابان يعرف باسم مارو Maruاو Tsurunoko or Chocolate persimmon او كاكي الشوكولا، وهذا النوع يمكن تناوله والتلذذ بطعمه ما ان تبدأ الثمار بأخذ لونها البرتقالي، ويمكن تسويقها دون مشكلات.
أما أن تنتج شجرة ثماراً من نوع مختلف، فهذا أمر أثار فضول المواطنين، إذ أن النوعين مختلفان بخصائصهما وان كانا ينتميان الى الفصيلة عينها.
تفسير علمي وتقني
وبحسب الخبيرة في المحاصيل الزاعية الدكتورة ديانا مروش، فإن “مثل هذا الأمر مستحيل”، وترى تفسيرا واحدا لهذه الظاهرة، وهو أن “تكون غرسة الخرما العادية (مطعمة) ايضا بخرما الشوكولا”، لافتة إلى أنه “ليس من الضروري أن يظهر نوع الثمار في سنوات عدة، وما حصل هو تحرك (المطعوم) الموجود في الشجرة وهو الذي أنتج خرما الشوكولا لأنه في الاساس موجود في الغرسة”.
ورأت مروش أن “هذا هو التفسير العلمي والتقني الوحيد لانه من غير المعقول أن تنتج شجرة من نوع معين نوعا آخر من الثمار”.
ويُطلق على الـ “خرما تسميات عدة منها: الكاكي، ثمرة الآلهة، التين الكاكي، الخرما، البرسيمون”، وهي تعيش في بيئات متعددة، ولا سيما المعتدلة والمائلة إلى البرودة.
ألذ نكهة وطعما
المهندسة الزراعية سارة منذر، أشارت إلى أن “ثمار الخرما غنية بفيتامينات A /B/ C/ B 6، وغنية ايضا بالبروتينات، الكربوهيدرات، سكر الفركتوز والغلوكوز، اليود، المغنيسيوم، البوتاسيوم، الحديد، النحاس، الرصاص، الكالسيوم، حمض البيتولنيك، البيتاكاروتين، الليكوبين وحمض الفوليك وغيرها”.
أما عن خاصية خرما الشوكولا، فتقول: “سبب حصولنا على هذا النوع من الثمار هو ان الزهرة في هذه الحالة تتلقح عن طريق زهرة اخرى بواسطة النحل، وحين تبدأ بمراحل النضوج الاولى تقوم البذور بإنتاج مادة كحولية، وهذا ما يساهم في تحول مادة (التانين) داخل الثمرة الى اللون البني المميز والذي يعطيها خواصها اللذيذة”، لكنها أشارت إلى أنه “بسبب اللون وصغر الحجم فهي غير مرغوبة تجاريا ولكنها ألذ نكهة وطعما”.
ويشير أبو سعيد إلى أنه “في البداية لفتني وفرة الثمار المتدلية وكأنها عناقيد تدلت من الأغصان لكنني لم أعر الامر اهتماما”، وأشار إلى أن “هناك شيئا آخر لفت انتباهي وهو أن الثمار صغيرة ومتوسطة الحجم خلافا لنوعها الأساسي بحيث كانت تتميز بحجم ثمارها الكبيرة”.
وأضاف أبو سعيد: “اكتشفت الأمر بالصدفة عندما رأيت أطفالا يقطفون الثمار ويأكلونها، عندها تأكدت أنها من نوع الشوكولا، لأنه يستحيل أكلها إن لم تكن من هذه النوعية، وسأنتظر الموسم العام المقبل لأرى ما إذا كانت ستعطي النوعية ذاتها من الثمار”.
