يبدو ان ضراوة “شيطان تسمانيا” وشناعة شكله ساهما في توفير الحلول الطبية التي كان الجسم الطبي بأمس الحاجة اليها، فهو حيوان قاهر لمرض السرطان الذي هدده بالموت والانقراض لسنوات عديدة، قبل ان ينتصر عليه ويفتح المجال امام العلماء للاستفادة من تجربته في اتجاهات عديدة قد تفيد البشرية على الامد البعيد. وها هو اليوم يزرع الأمل لمحاربة البكتيريا الخارقة الـ MRSA المقاومة لكافة المضادات الحيوية والمسؤولة عن أكثر من 700 الف وفاة سنوياً.
فبعد ان تراجعت أعداد هذا الحيوان بنحو 85 بالمئة، بسبب السرطان الذي فتك به، كشفت إحدى الدراسات أن الحيوان تطور بسرعة لمقاومة هذا المرض لإنقاذ ذاته من الموت، ونجح العلماء في السنوات الاخيرة برصد خريطة الطاقم الوراثي “الجينوم” له. وتوصّلوا الى أن الاورام التي تظهر على وجهه وتفتك بنسبة عشرة بالمئة من تعداده تنشأ ببطء شديد، ما يتيح الاستفادة من هذا الاكتشاف في الحيلولة دون اندثار هذا الجنس الى الابد.
في هذا الاكتشاف يكمن السرّ، وفضلاً عن ان هذا الامر يعطي أملاً جديدًا في إمكانية إنقاذ هذه الأنواع من الانقراض، الا انه يمكن في المقابل أن يساعد أيضا في تقديم رؤى جديدة بشأن السرطانات البشرية وكيفية انتشارها.
في هذا السياق، قالت الباحثة جانين ديكن في دورية بلوس جينيتكس plosgenetics ان عملية رصد المادة الوراثية بالكامل لحيوان شيطان تسمانيا أسهم في التوصل الى ان تلك الاورام تنشأ ببطء شديد – على المستوى الجيني – ما يجعل من الممكن دراسة هذه الحقيقة ثم محاولة التحايل عليها، الامر الذي يوفّر بدوره فرصة استثنائية لدراسة كيفية نشوء الاورام لدى البشر.
وأضافت ديكن “نظرا لاكتشاف ان اورام شيطان تسمانيا تنشأ ببطء شديد، فيمكننا استغلال ذلك كنموذج لدراسة داء السرطان عند البشر. الامر يشبه تقريبا كيفية الابطاء من عملية ظهور الاورام عند الانسان.”
وتابعت انه “في أورام الانسان يحدث التغير بسرعة كبيرة لدرجة تنعدم عندها فرصة رصد تلك الآلية. لكن يمكننا ان ننجح في ذلك في حالة شيطان تسمانيا”.
لم تنته الدراسات عند هذا الحد، بل يبدو ان قساوة الشكل الذي يتّمتّع بها شيطان تسمانيا وضراوة الطباع التي يتّسم بها، تحمل خلفها الكثير من الفوائد الصحية.
فقد أظهرت دراسات جديدة أعدها علماء أستراليون، أن حليب أنثى “شيطان تسمانيا”، يحتوي على مكونات بروتينية قادرة على ما يبدو على قتل العدوى التي يصعُب علاجها، من بينها بكتيريا الميكروبات العنقودية (MRSA)، ويمكن أن تكون فاعلة في التوصل إلى تركيبة علاج يقضي على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. ويعتقد الخبراء أن هذا المزيج من الحليب يتكون داخل حيوان شيطان تسمانيا للمساعدة في تأمين نموّ أقوى لصغاره.
وقالت طالبة الدكتوراه ايما بيل التي شاركت في البحث الذي تنشره دورية “نايتشر” العلمية، إن الباحثين اكتشفوا وجود ستة من أنواع البيتيدات المهمة في حليب شيطان تسمانيا.
وتشبه هذه المركبات على ما يبدو البيتيدات الموجودة في حليب حيوانات أخرى من الجرابيات، وهو ما يعني أن هذه الحيوانات جديرة بالدراسة أيضا.
لا يختلف هذا الاكتشاف عما سبقه، فطبيعة المناعة القوية التي يتمتّع بها هذا الحيوان هي التي تجعله يقاوم السرطان من جهة، والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من جهة أخرى، الامر الذي جعل العلماء يسعون الى تصنيع علاجات جديدة تحاكي البيتيدات (البروتينات).
في هذا الاطار، لا بد من الاشارة الى ان بكتيريا MRSA لا تتجاوب مع المضاد الحيوي التقليد، ويوجد هناك نوعان من هذه البكتيريا، منها ذلك النوع الخطير الذي يصاب به الشخص داخل القطاع الصحي أو المستشفيات، والنوع الآخر الذي يصاب به الشخص خارج قطاع الصحة، أي أنّه ينتقل إليه من خلال المجتمع المحيط. كما قد يحتوي الجلد على هذه البكتيريا بشكل كامن في عدد قليل من الناس، وخصوصا في مناطق ما حول فتحة الأنف أو ما تحت الإبط أو مناطق ما بين الفخذين، وهذه البكتيريا تنتقل من الشخص المصاب إلى المحيطين به.
وبينما تشير تقديرات طبية إلى أن البكتيريا مسؤولة عن 700 ألف وفاة في العالم سنوياً، منها 23 ألفاً في الولايات المتحدة، و13 ألفاً في فرنسا، يتخوف الخبراء من أن تقضي هذه الظاهرة على 10 ملايين شخص سنوياً بحلول العام 2050، فيما يؤدي الإفراط في تناول المضادات الحيوية إلى ظهور تلك البكتيريا، ما أكسبها مناعةً ضدها مع الوقت.
وحذرت دراسة صدرت مؤخرا من أنه بحلول عام 2050، فإن هذه البكتريا قد تقتل شخصا كل ثلاث ثوان في أنحاء العالم إذا لم يكن هناك تحرك عاجل لعلاج هذه المشكلة.