لم يعد الحديث عن بيئة حاضنة لانتشار الفيروسات أمرا أساسيا في اكتشاف أيّ وباء في مختلف بقاع الأرض، فبينما ارتبط انتشار فيروس “زيكا” بشكل كبير بـ “البعوضة النمر” المتواجدة في اماكن محددة من العالم، تجاوز تفشّي هذا الفيروس كل الحدود، الى درجة تخطّت فيها قدرة المسبّب الاساسي على نشره. وشدد كبير الباحثين أميلكار تانوري العامل في مختبر علم الفيروسات الجزيئية في الجامعة الفيديرالية في ريو دي جانيرو على أنه يجب اعتبار زيكا مرضاً فيروسياً خلقياً مثل الحصبة الألمانية أو الفيروس المسبب لتضخم الخلايا.
تعدّدت الاسباب والنتيجة واحدة، من البرازيل الى كافة دول اميركا اللاتينية، ومنها الى أميركا الشمالية، ووصل فيروس زيكا الى اوروبا وبريطانيا، وهو اليوم يهددّ 5 دول عربية! ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وجرى الإبلاغ عن تفشي فيروس زيكا في 59 دولة ومنطقة منذ ظهوره أول مرة العام الماضي في البرازيل، وفي الولايات المتحدة أكثر من 25 ألف إصابة بالفيروس، بما في ذلك أكثر من 2300 حالة تشمل حوامل.
ولا يخفى على احد ان الدمار الذي تعيشه بعض الدول العربية ورائحة القتل من هنا والنفايات على الطرقات من هناك، تشكّل دون أدنى شك بيئة حاضنة لنموّ كافة أنواع البعوض ومنها البعوضة النمر، وانتقال مختلف أنواع الفيروسات. هذا ان سلّمنا جدلاً بأن تلك البيئة الحاضنة للبعوضة النمر هي المسبّب الرئيسي في انتقال العدوى، ففي أمر تفشّي “زيكا”، حالة طارئة استدعت اطلاق نفير الخطر من جهات عديدة واولها منظمة الصحة العالمية. وتجنّد رؤساء اعظم الدول في العالم لدعم ايجاد اللقاحات اللازمة للحد من انتقال هذا الفيروس، مادياً ولوجستياً.
“زيكا” في الدول العربية… هل يصل الى لبنان؟
وأكدت منظمة الصحة العالمية على لسان رنا صيداني، المتحدثة الرسمية باسم المنظمة في الشرق الأوسط في حديث لموقع DW الالماني أنه “إلى الآن لم تسجّل أي حالة إصابة بالفيروس في الدول العربية. إلا أن “البعوض الزاعج”، وهو المتسبب في ظهور الفيروس والناقل له، منتشر في عدة دول في الشرق الأوسط.” واكدت على ان “هناك سبع دول في الشرق الأوسط، وهي مصر، السعودية، السودان، اليمن، الصومال، باكستان وجيبوتي ينتشر فيها هذا النوع من البعوض”.
في ما يخصّ لبنان، كان سبق للاخصائي في الامراض الجرثومية الدكتور بيار ابي حنا ان أكّد في حديث لموقعنا انه “لا وجود في لبنان للبعوض الناقل للمرض، الا ان هناك ما يشبهه يخشى ان يكون حامل الفيروس لكن الأمر ليس محسوما حتى الآن، لان لا اصابات في لبنان، انما نخشى مع تغيير الطقس وانتشار المستنقعات الراكدة وتكدّس النفايات من ان تشكل البيئة الحاضنة لتكاثر هذا النوع من البعوض”.
نبذة سريعة
في السنتين الماضيتين، انتشرت المعلومات حول زيكا وعوارضه على كافة وسائل الاعلام المرئية، المكتوبة والمسموعة، فضلاً عن كافة وسائل التواصل الاجتماعي. وللتذكير، فإن منظمة الصحة العالمية اشارت الى ان مرض زيكا ينتج عن فيروس ينقله البعوض الزاعج، ويشكو الأشخاص المصابون به من الحمى الخفيفة والطفح الجلدي والتهاب الملتحمة. وعادة ما تستمر هذه الأعراض لمدة تتراوح بين يومين و7 أيام. ولا يوجد حالياً أي علاج محدد لهذا المرض أو لقاح مضاد له. بل تتمثل أفضل طريقة للوقاية منه في الحماية من لسع البعوض، ومن المعروف أن الفيروس يسري في كل من أفريقيا والأميركتين وآسيا والمحيط الهادئ.
إلا ان المشكلة الاكبر منه تطاول الحوامل اللواتي ان تعرّضن لهذا الفيروس يعرّضن اطفالهنّ لتشوهات خلقية تؤدي الى ولادتهم مع صغر في جمجمة الرأس. وقد خلصت دراسة برازيلية إلى أن فيروس زيكا يمكن أن يسبب عيوباً خَلقية أكثر من مرض صغر حجم الرأس. ودرس باحثون 11 رضيعاً شخصوا بالإصابة بزيكا ووجدوا أنهم مصابون بعدد من الإعاقات العصبية، بما في ذلك صغر حجم الجماجم والأدمغة، إضافة إلى عدم اكتمال المخيخ، وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن المهارات الحركية. واكتشفوا أيضاً عدم وجود طيات طبيعية في القشرة الدماغية والمادة الرمادية المسؤولة عن الذاكرة واللغة والمهارات الاجتماعية وحل المشكلات.
انتقال العدوى بالدموع والجنس والبعوض!
لا يقتصر الامر على الانتشار السريع لهذا الفيروس فحسب، بل على اختلاف طرق العدوى، فبعد ان كانت البعوضة النمر او الزاعجة هي المسؤولة الاولى، أثبتت دراسة حديثة، وجود أدلة متزايدة تثبت قدرة فيروس “زيكا” على عبور المشيمة والوصول إلى الجنين، كما أنه ينتقل عن طريق اللعاب والبول وحليب الأم.
وقالت الدراسة التي أجراها معهد اوزفالدو كروز في البرازيل، ونشرتها صحيفة الموندو: “على الرغم من أن العلم لا يزال غير قادر على إثبات وجود علاقة سببية مباشرة بين الإصابة بالفيروس وظهور الآلاف من حالات تلف الدماغ في البرازيل، إلا أنه عند تحليل اثنتين من النساء الحوامل، وتحليل السائل المحيط بالجنين تم العثور على بقايا فيروس زيكا، ولكنه لم يتم العثور عليه في البول أو الدم”.
وقال علماء أميركيون للبيولوجيا الجزئية في مقال نشر في مجلة Cell Reports ان فيروس “زيكا” يمكن أن يصيب أنسجة العين ويسبب بها اضطرابات خطيرة، وهو ينتقل عن طريق الدموع. وقال “مايكل دايموند” من جامعة واشنطن في سانت لويس الأميركية: “أظهرت أبحاثنا أن العيون يمكن أن تكون مكانا لاختباء فيروس زيكا، ونحن بحاجة لفهم ما إذا كانت هناك صيغة أو نسخة هجومية للفيروس في عيون الناس الحاملين لهذا المرض، وكم من الوقت تبقى تلك العدوى داخل العين”.
وأفاد بحث جديد عن مرض زيكا أن الفيروس قد ينتقل عبر الاتصال الجنسي من رجل لامرأة حتى وإن لم تظهر أعراض الإصابة على المريض.
إعلان حالة الطوارىء
حذرت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان من أن وباء “زيكا” “يمكن أن يتفاقم قبل أن ينحسر لاحقاً”. وقالت تشان أن مكافحة “زيكا” تمثل “تحدياً ضخماً”، واصفة الفيروس بأنه لا يزال “غامضاً”. وأضافت “نحن نواجه فيروساً معقداً، مليئاً بالأمور غير المؤكدة، وبالتالي علينا أن نكون مستعدين لمفاجآت”.
في ظل هذا الواقع، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على المستوى الدولي، بعد أن أوصى بذلك فريق من الخبراء من مختلف أنحاء العالم. وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بتركيز الجهود على إيجاد لقاح فعال ضد الفيروس.
وقالت رئيس المنظمة الدولية مارغريت كان إن على “دول العالم أن تركز جل أبحاثها على إنتاج مادة لقاح للفيروس”، واعتبرته “حالة صحية طارئة على المستوى العالمي”. وفي أحدث تقاريرها، قالت منظمة الصحة العالمية إنه “من المرجح إنه سيستمر الإعلان عن حالات جديدة ومناطق جديدة لانتشار زيكا”.
وفي شباط (فبراير) 2016، قالت منظمة الصحة العالمية، إن توفر لقاح شاف لفيروس زيكا على نطاق واسع في العالم، قد يستغرق عاما ونصف العام. وأوضحت مساعدة المديرة للمنظمة، ماري بول كيني في جنيف، أن جهود المنظمة الدولية لانتاج اللقاح تسير بسرعة كبيرة، لافته إلى أن نحو 15 شركة مختصة ستساهم في البحث عن اللقاحات.
دول تقدم الملايين لايجاد العلاج المناسب
أوضح وزير الصحة البرازيلي أن بلاده ستستثمر 2 مليون دولار في البحوث المعنية بالتوصل للقاح لفيروس زيكا خلال السنوات الخمس القادمة، في المقابل، صوّت مجلس الشيوخ الاميركي على تخصيص مبلغ 1,1 مليار دولار للغاية نفسها.
سرعة انتشار هذا الفيروس جغرافياً، فضلاً عن اعلان حالة الطوارىء لاكثر من مرة وتجنيد كافة الدول لايجاد اللقاح المناسب، كلها عوامل تجعل من فيروس زيكا، مرض العصر. وبين النفايات المكدّسة في لبنان من جهة والاحتباس الحراري الذي يلقي بظلاله على كافة الدول، وفي سياق التحذيرات من وصول الفيروس الى بعض الدول العربية من جهة أخرى، هل تدقّ البلديات او وزارة الصحة اللبنانية ناقوس الخطر وتبدأ بالعمل للوقاية من تداعيات هذا الفيروس؟