دائما تكون الحياة محكومةً بمعادلتيْ الخير والشر، في صراعٍ أزلي كان وما زال مستمرا وسيبقى، وفيما نشهد من وقتٍ لآخر تعديات تطاول السلاحف البحرية المعمرة، نجد أيضاً يداً تحمي وترعى، وتبعد عن هذه الكائنات البحرية ما نسببه لها نحن البشر من معاناة، غالباً ما يهدد حياتها ويؤدي إلى نفوقها، وتلفظها المياه إلى الشاطىء.
وفي هذا السياق، لا نعلم أن ما نلقيه من نفايات وما نخلفه وراءنا على الشواطىء التي نرتادها، قد يكون كفيلاً بالتسبب بنفوق سلحفاة تلتهم يوميا عشرات قناديل البحر، وتحمينا من لسعاتها، فضلا عما تسديه هذه الكائنات الرائعة من خدمات على مستوى النظم الإيكولوجية البحرية، علماً أن خسارتها تترتب عليها نتائج كارثية، كونها تمثل حلقة مهمة في منظومة بيئية متكاملة.
ماركوس هادو
استوقفنا خلال الأيام الماضية فيديو وصلنا مع بعض الفيديوهات التي تردنا يوميا إلى موقعنا، يظهر مواطنين لحظوا أن سلحفاة تعاني مشكلة تعيقها عن السباحة بشكل طبيعي، فما كان منهم إلا أن اقتربوا منها، ورفعوها إلى المركب، وعاينوها وعرفوا أنها تعاني من مشكلة في فمها، وقاموا بمساعدتها وأعادوا إطلاقها في المياه.
هذا الفيديو الذي يستحق جائزة تقدير في ما لو كانت الدولة ساهرة وراعية حقيقة للحياة البحرية، أثار فضولنا كموقع greenarea.info، وتمكنا بعد السؤال عن هوية ناشطين كانوا على متن هذا المركب، عرفنا هوية أحدهم، وتواصلنا معه، بغية الإطلال على ما هو إيجابي في علاقتنا مع البحر، وبعض كائناته المعرضة للإنقراض، بعد أن تناولنا كل السلبيات التي طالعتنا طوال الصيف الماضي.
وتبين لنا أن من قام بإنقاذ السلحفاة، هو عالم البحار ماركوس هادو، وهو خبير بيولوجي في مجال الحياة البحرية.
وأشار هادو بدايةُ، إلى “اننا كنا في رحلة صيد الصيد في قارب مع بعض الاصدقاء حين صادفنا هذه السلحفاة في المنطقة المجاورة لشاطىء الدامور”، وقال: “ما لفت انتباهنا انها كانت تواجه مشكلة ما، وعرفنا ذلك من طريقة سباحتها، إذ كان تسبح بصعوبة، وبدا ذلك مع انخفاض الجزء الخلفي من جسدها تحت الماء، فيما راحت ترفع يديها فوق الماء مع تحريكهما بطريقة عشوائية، وهذه الحالة أو المشاهدة للسلاحف وهي تسبح بهذه الطريقة تؤكد أنها تتعرض لمشكلة”.
ثقافة الحفاظ على الطبيعة
وأضاف هادو: “توجهنا بالمركب مباشرة نحوها لتفقدها، وظننا في بادىء الأمر انها قد تكون ابتلعت كيس بلاستيك، ولكن بعد ان رفعتها الى المركب وتفقدتها، وجدت عودا بلاستيكيا لنوع من السكاكر (سوسيت) يرغبه الاطفال عالقا في فمها عرضيا، فقمت مع صديقي بانتزاعه ومن ثم أعدناها الى الماء”.
وأشار إلى ان هذا الفيديو “هو مجرد مثال عن مشاهداتنا وما تتعرض له السلاحف”، لافتا إلى “اننا غالبا ما ننقذها من الاختناق عندما ابتلاعها أكياس بلاستيكية، او عندما تكون عالقة بشباك الصيد”.
وعرض هادو للمشاكل التي “تتعرض لها السلاحف في لبنان نتيجة التلوث والممارسات اللااخلاقية التي يقوم بها بعض الناس نتيجة التربية الخاطئة وعدم الوعي”، وقال: “لا بد من تعميم ثقافة الحفاظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي على مستوى المدارس والتركيز مع الجيل الجديد لنزرع فيه حب الطبيعة واحترامها”، وإذ رأى أن “الطريق ستكون طويلة”، أكد أن “الوضع لا بد وان يتغيير مع الوقت، ومن المهم جدا اننا بدأنا نتلمس اهتماما تجاوبا من الناس من الناحية البيئية”.
عود “سوسيت”
وتبقى العبرة في هذه الواقعة، أن عود “سوسيت” رماه أحد الأطفال على الشاطىء – وهو إلى صغره – كاد يتسبب بنفوق سلحفاة لا يقل عمرها عن مئة سنة، وربما التهمته طمعا بما بقي عليه من مادة سكرية، فكم بالحري ما تسحبه الأمواج إلى البحر، من مخلفات مرتادي البحر؟
وكم من السلاحف والكائنات البحرية تلقى حتفها نتيجة لممارسات لا تراعي حرمة الشاطىء والبحر، ولا تجد يدا تمتد لمساعدتها… وإنقاذها!