اختتمت حكومة “المصلحة الوطنية” سلسلة مخالفاتها بصدور مرسوم “توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل لعام 2015″، المرسوم المذكور والذي حمل الرقم 4352 تاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 2016، والمفترض ان ينشر في الجريدة الرسمية الاسبوع المقبل، يشوبه، كما اسلافه، عدداً كبيراً من المخالفات الادارية والقانونية.
وفي حين يسجل انها المرة الأولى التي يصدر فيها هذا المرسوم متأخراً اسبوعين فقط عن موعد صدوره في شهر ايلول (سبتمبر) من كل عام، وفقاً للصيغة المحددة في المرسوم 1917 للعام 1979 وتعديلاته، والذي يحدد اصول وقواعد توزيع أموال الصندوق البلدي المستقل، نرى ان المرسوم يتكتم عن العديد من القضايا الجوهرية المتعلقة باحتساب اموال البلديات، لا سيما نسبة اقتطاع الاموال لصالح خدمات النظافة، خصوصاً ان المرسوم كما بقية المراسيم، لا يزال يستند في الى المادة 64 (الشهيرة) من القانون رقم 326 تاريخ 28 /6 /2001 (قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2001)، التي نصت على ما يلي:
“خلافاً لأي نص آخر يتحمل الصندوق البلدي المستقل نفقات النظافة وجمع النفايات ومعالجتها وطمرها وتنظيف وصيانة المجاري والأقنية. تقتطع هذه النفقات من حصة البلديات المستفيدة من هذه الخدمات والتي سبق واستفادت منها، وفقاً لنسبة استفادتها منها، ولا يقتطع أي مبلغ من حصة البلديات غير المستفيدة من هذه الخدمات”.
واعلنت وزارة المالية في العام الماضي، انها لم تقتطع خدمات النظافة من اموال البلديات حين وزعت عائدات العام 2014، وذلك تماشياً مع المطالبة الحثيثة بضرورة ان تتولى البلديات ادارة النفايات بطريقة مستقلة، وفق ما نصت عليه الخطة التي صادقت عليها الحكومة في ايلول (سبتمبر) 2015 والتي اقرت مبدأ لامركزية ادارة النفايات من خلال البلديات واتحادات البلديات.
في المقابل ليس معلوماً بعد ما اذا كانت وزارة المالية تنوي تكرار نفس سيناريو العام الفائت، فتبقي الاموال كما هي ولا تقتطع منها خدمات النظافة، خصوصاً ان المرسوم لا يحدد نسب اقتطاع معينة.
ويوزع مرسوم عائدات العام 2015 قرابة 525 مليار ليرة لبنانية على البلديات (88 بالمئة من قيمة الاموال) واتحادات البلديات (12 بالمئة من قيمة الاموال)، طبعاً بعد ان يقتطع منها عدة خدمات ومنها نفقات الدفاع المدني.
وتجمع الحكومة عائدات البلديات من 11 ضريبة ورسماً تودعها في الصندوق البلدي المستقل، على أن يتم توزيعها على البلديات واتحادات البلديات بعد اقتطاع النفقات العائدة للأخيرة، وذلك وفقاً للصيغة المحددة في المرسوم 1917 للعام 1979 وتعديلاته.
ومعلوم ان الحكومات المتعاقبة تجاوزت في طريقة ادارة الصندوق البلدي المستقل نطاق التفويض الممنوح لها في المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1979 وتعديلاته (قانون البلديات)، ولا سيما المادتان 87 و 88، وفي المرسوم 1917 وتعديلاته وخالفت احكام الباب الاول من الكتاب السادس من قانون الموجبات والعقود المتعلقة بالوديعة العادية.
وعلى رغم أن المرسوم 1917/1979 حدّد بدقة أصول توزيع أموال الصندوق البلدي المستقل، أمعنت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في خرق هذه المعايير والأصول، وخالفت مواد المرسوم الذي خضع لعدد كبير من التعديلات.
ملاحظات عديدة يمكن تسجيلها على مرسوم توزيع اموال عائدات العام ٢٠١٥، فهو كما المرسوم السابق الذي وزع اموال العام 2014، والذي صدر في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، لم يحدد نسبة اقتطاع اموال خدمات النظافة بالاستناد الى المادة 64 من قانون الموزانة للعام 2001، لكن ليس معلوماً اذا كان سيقتطع هذه المبالغ لاحقاً.
وفي مقارنة بين ستة مراسيم لتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل صدرت ما بين الاعوام 2012-2016، وزعت عائدات الصندوق البلدي عن الاعوام 2010- 2016 نجد الفروقات التالية لجهة نسبة اقتطاع الاموال:
-مرسوم رقم 7374 تاريخ 13 كانون الثاني (يناير) 2012 القاضي بتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن العام 2010 (468 مليار ليرة لبنانية )، استندت المادة 9 من هذا المرسوم على أحكام المادة 64 من القانون رقم 326 تاريخ 28/6/2001 (قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2001)، لتقتطع نسبة 40 بالمئة من حصة البلديات المستفيدة أو التي سبق واستفادت من الخدمات من الصندوق البلدي المستقل وفقاً لنسبة إستفادتها منها (نفقات النظافة وجمع النفايات ومعالجتها وطمرها وتنظيف وصيانة المجاري والأقنية)، صدر موقعاً من وزير الداخلية مراون شربل ووزير المالية محمد الصفدي.
-مرسوم رقم 10234 تاريخ 8 نيسان (أبريل) 2013 القاضي بتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن العام 2011 (471 مليار ليرة لبنانية). صدر وفي سابقة هي الاولى من نوعها، بعد استشارة مجلس شورى الدولة، لكنه لم يأخذ بجميع ما ورد في الرأي الاستشاري للمجلس رقم 125/2012-2013 تاريخ 21/1/2013، الذي اعترض على مخالفة المرسوم لأحكام المادة 64 من القانون رقم 326 تاريخ 28/6/2001 (الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2001). وخلص شورى الدولة إلى وجوب أن تكون الحصة المقتطعة متناسبة تماماً مع نفقات أعمال النظافة التي تستفيد منها البلدية والمؤدّاة من الصندوق. وتستند المادة 9 من هذا المرسوم الى قرار مجلس الوزراء رقم 63 تاريخ 5 /3 /2013، لتقتطع من حصة البلديات والاتحادات المستفيدة، أو التي سبق واستفادت من خدمات النظافة من الصندوق البلدي المستقل، ما يساوي قيمة النفقة التي تحمّلها الصندوق عن البلدية أو عن الاتحاد خلال العام 2010، على ألا يتجاوز الاقتطاع نسبة 80 بالمئة كحد أقصى من العائدات الموزعة بموجب هذا المرسوم. صدر موقعاً من وزير الداخلية مراون شربل ووزير المالية محمد الصفدي.
-مرسوم رقم 11180 تاريخ 11 شباط (فبراير) سنة 2014 المتعلق بتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2012 (490 مليار ليرة لبنانية)، لم يذكر نسبة اقتطاع، لكنه اقتطع ما نسبته 60 بالمئة لصالح خدمات النظافة من البلديات والاتحادات التي استفادت من هذه الخدمات. صدر موقعاً من وزير الداخلية مراون شربل ووزير المالية محمد الصفدي.
-مرسوم رقم 1508 تاريخ 5 آذار (مارس) 2015 المتعلق بتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2013 (492 مليار ليرة لبنانية). نصت المادة 10 من هذا المرسوم على استرداد جزء من خدمات النظافة المدفوعة من حساب الصندوق البلدي المستقل عن البلديات واتحادات البلديات المستفيدة من خدمات النظافة، واقتطعت بصورة استثنائية من الحصص الموزعة بموجب هذا المرسوم المبالغ المحددة وفقاً للنسب الآتية: 50 بالمئة من حصص الاتحادات المستفيدة.
60 بالمئة كحد اقصى من حصص البلديات المستفيدة من خدمات النظافة من حساب الصندوق البلدي المستقل، والتي لا تتجاوز عائداتها المليار ليرة على ان لا يقل الاقتطاع عن 20 بالمئة.
90 بالمئة كحد اقصى من حصص البلديات المستفيدة من خدمات النظافة من حساب الصندوق البلدي المستقل، والتي تتجاوز عائداتها المليار ليرة، على ان لا يقل الاقتطاع عن 60 بالمئة. صدر موقعاً من وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير المالية علي حسن خليل.
-مرسوم رقم 2341 تاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 2015 توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2014 (527 مليار ليرة لبنانية). لم يذكر نسب اقتطاع وللمرة الاولى لم يقتطع فعلياً من الاموال لصالح خدمات النظافة. صدر موقعاً من وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير المالية علي حسن خليل.
-مرسوم رقم 4352 تاريخ 20 تشرين الأول سنة 2016 توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2015 (525 مليار ليرة لبنانية) لم يذكر نسب اقتطاع، وليس معلوماً اذا كان سيشمل اقتطاع نسبة من الاموال لصالح خدمات النظافة. صدر موقعاً من وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير المالية علي حسن خليل.
يستدل من المراسيم الست الواردة اعلاه ان نسبة الاقتطاع اختلفت بشكل حاد ومتفاوت بين مرسوم وآخر، الأمر الذي عرقل التخطيط الاستثماري الاستراتيجي الذي ينبغي على البلديات تحقيقه، وخصوصاً لجهة ادارة النفايات المنزلية الصلبة، علماً ان باقي الأموال المستحقة على البلديات لصالح خدمات النظافة والتي قيدت “ديون” على البلديات طيلة الأعوام الماضية، خصوصاً في بيروت وجبل لبنان، بلغت قرابة ثلاثة آلاف مليار ليرة، ورغم الوعود السياسية التي اطلقت بالتزامن مع ازمة النفايات في العام الماضي، لجهة صدور قانون يعفي البلديات من هذه الديون لكي تتمكن من القيام بمسؤولياتها لجهة ادارة النفايات، فإن هذا الامر لا يزال محط جدل واخذ ورد وليس مطروحاً في المرحلة الحالية، رغم تصاعد الحديث حول لا مركزية ادارة النفايات، وتسابق السياسيين الى دعم هذا الخيار والترويج له كبديل عن خطة المطامر الشاطئية التي اقرتها الحكومة في آذار (مارس) 2016 لطمر قرابة مليونين ونصف المليون طن من النفايات، والتي لن تكفي بيروت وجبل لبنان لاكثر من منتصف العام 2018، رغم ترويج الحكومة انها يمكن ان تكفي لغاية منتصف العام 2020.
وكما هو واضح من المرسوم الاخير الذي وزع اموال العام 2015، لم يأت على ذكر الحوافز للبلديات التي تستقبل مطامر في نطاقها العقاري، اي برج حمود والجديدة البوشرية السد وبرج البراجنة والشويفات، فبحسب قرار مجلس الوزراء يفترض ان تصدر حوافز لهذه البلديات بشكل سنوي على ان تقتطع من اموال البلديات المحصلة في الصندوق البلدي المستقل، لكن هذه الحوافز لا تزال حبراً على ورق ولم يتم اقرارها بشكل عملي، واضيفت الى مجموعة من الحوافز التي بقيت وعودا فارغة وكاذبة لا تطبق، وابرزها الحوافز المفترض ان تدفع بالاستناد الى أحكام القانون رقم 280 الصادر بتاريخ 8 أيار (مايو) 2014، والذي أعطى حوافز مالية لـ 13 بلدية محيطة بمطمر الناعمة – عين درافيل، وأعفاها من بعض الاقتطاعات والمتوجبات المستحقة عليها. والحوافز الاضافية التي اقرها مجلس الوزراء في جلسة 12 آذار (مارس) 2016 لجهة طمر النفايات المتراكمة منذ ازمة تموز (يوليو) 2015 ولغاية 20 ايار (مايو) 2016 في مطمر الناعمة – عين درافيل.