إن علاقة الإنسان بالبيئة قديمة منذ بدأ التاريخ نفسه، فقد بدأ حياته جامعاً للثمار وأوراق النباتات والمواد الأخرى اللازمة لملبسه أو مسكنه، وبعد اكتشاف النار انتقل من مرحلة الصيد إلى مرحلة تربية الماشية ورعي الحيوانات، فقام بتدجين العديد منها وتربيتها في مختلف المناطق، ما أدى إلى تركيزها في مناطق معينة بأعداد كبيرة، فأحدث بذلك أيضا تحويرا في البيئة الطبيعية، بحثا عن استقراره وتحسين بقائه، كما بدأ الإنسان بممارسة الزراعة في أحواض الأنهار بحيث نشأت حضارات مختلفة في كل بقاع العالم، ولتحسين مردودية الإنتاج الزراعي قام بإنشاء السدود، وبذلك امتد تأثيره إلى الدورات المائية الطبيعية.

نشرت دراسة حديثة في 14/10/2016 على موقع Science alert  بعنوان “شوهدت ديدان رملية لأول مرة تزرع النباتات لتأكلها في وقت لاحق”، وبحسب الدراسة، فقد وجدت ديدان رملية تسمى Ragworm Hediste diversicolor بالقرب من  رقعة من طحالب، ورصدت هذه الديدان وهي تنمّي براعم في جحورها، وهو نوع من الزراعة لم يسبق له مثيل في كائنات غير البشر، وذلك في رمال شمال شرقي المحيط الاطلسي.

 

نظام غذائي متنوع

 

كان يعتقد أن ديدان الرمل تلتهم بذور عشبة “السبارتينا”، وهي من النباتات الملحية المتوفرة في الموائل الساحلية التي تعيش فيها، ولكن لهذه البذور قشرة قاسية، فكان اللغز الدائم يكمن في كيفية وصول الديدان إلى اللب الصالح للأكل.

اكتشف تشن تشانغ تشو وفريقه من “المعهد الملكي الهولندي لأبحاث البحار” في    Yerseke خدعة الديدان المدهشة: يدفنون البذور وينتظرونها لتنبت، وفي وقت لاحق يتغذون على براعمها الغضة.

للديدان نظام غذائي متنوع، فهي تفترس اللافقاريات الصغيرة وتمتص بقايا النباتات من التربة، المصدر الأكثر وفرة للمواد الغذائية في بيئتها. ولكن البراعم، وبكونها غنية بالبروتين والدهون والأحماض الأمينية، فهي الأكثر تغذية حتى مقارنة مع البذور النيئة. ويقول تشو “إن عملية التبرعم تحسن الهضم ونوعية الغذاء.”

يعتقد تشو وفريقه أن ديدان الرمل بدأت زراعة البذور وتركها لتكون البراعم، لسبب جزئي يكمن في قلة وجود مصادر للغذاء العالي الجودة في بيئتها.

 

تكيف متطور

 

ولاختبار آثار التهام البرعم، أعطى الفريق حميات غذائية مختلفة لعشرين دودة. وعلى الرغم من أن الديدان كانت متقاربة في الحجم في بداية الاختبار البذور، إلا أن تلك التي تناولت البراعم اكتسبت المزيد من الوزن، لتكبر بنسبة 25 بالمئة مقارنة مع 5 بالمئة لتلك التي امتصت البذور النيئة والرواسب.

ويعتقد تيد شولتز، خبير في علم الحشرات في معهد Smithsonian في واشنطن العاصمة، أن زراعة البذور وانتاج الشتلات قد تكون مهمة لبقاء الديدان، وهذا تكيف متطور لأنه يتطلب الانتظار لحصاد الأغذية عوضاً عن استهلاكها الفوري.

يقول تيد “من المرجح أن يستمر هذا التطور في السلوك، فستقوم الأجيال القادمة من ديدان الرمل أيضا بتخزين البذور وجني فوائدها المؤجلة، هذه هي بداية الزراعة.”

لم تكن ديدان الرمل أولى الحيوانات في احتراف الزراعة، فمنذ فترة طويلة قبل بدء البشر بزراعة المحاصيل، قامت بعض الخنافس والحشرات الارضية مثل النمل بزراعة الفطريات. ومن المحتمل أن تكون هناك أمثلة أخرى: تشو وفريقه يعتقدون بإمكانية قيام ديدان الرمل بتنمية البكتيريا في جحورها أيضاً كمصدر للغذاء.

إن موضوع إنتاج البذور من قبل  ديدان الأرض وخصوصا التي تظهر في الأراضي الرطبة عند بداية الربيع  ما زالت مبهمة بالنسبة للباحثين، لكن الفكرة بأن هذه الديدان تحتاج لتستكمل وجباتها الغذائية بالبذور عالية الجودة، يقول تشو “لديها مشاكل مماثلة في العثور على أغذية ذات جودة عالية.”

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This