تستمر مجزرة الطيور في مختلف المناطق اللبنانية، وهي تمثل كارثة وفضيحة تراوح بين انتهاك البيئة واستباحة الطبيعة من جهة، وانعدام الأخلاق والقيم الإنسانية من جهة ثانية، وما يثير الانتباه، هو أن هذا الواقع بات يثير السخرية من أولئك الذين يتحدثون عن “الصيد المسؤول”، فيما الكل متورط، من مسؤولين وجمعيات وأندية وتجار أسلحة وذخائر الصيد.
ويبقى المتورط الأكبر “المجلس الأعلى للصيد البري” طالما أننا لم نسمع منه كلمة إدانة حيال مجزرة الطيور اليومية، وطالما أنه ارتضى أن يبقى شاهد زور على قتل مئات الآلاف من الطيور يوميا، وهو المؤتمن على تنظيم هذا الملف منذ سنوات عدة، والمفترض أنه أعد قانونا لم يبصر النور إلى الآن، أو لم يجد طريقه للتنفيذ.
وزارة البيئة وأزمة المناخ الكونية!
وتبقى وزارة البيئة في موقع الإدانة، وهي الجهة المفترض أن تنظم ملف الصيد البري وتقوننه، وإذا بها تتحول لممارسة ترف اللقاءات والمناسبات، وإصدار بيانات تتحدث عن أزمة المناخ الكونية، وهي لا تستطيع حماية طائر واحد من صياد متهور، وزارة استقالت من ملف النفايات، على قاعدة “وكفى الله المؤمنين شر القتال”.
الكل متورط، وزراء ونواب وسلطات أمنية وبلديات وجمعيات بيئية وأهلية، كل من لا يرفع صوتا ضد المجزرة متورط، ولا نعرف في هذا السياق دور القوى الأمنية، وكيف تبيح نقل أسلحة الصيد وعرض الطرائد على الملأ، فضلا عن أن الصيد مستمر ليلا من على أسطح البيوت، عبر أضواء كاشفة وأشجار مقطوعة من الغابات وآلات تقلد أصوات الطيور، وتُستأنف المذبحة مع ساعات الصباح الأولى، وتمتد نهارا مع استخدام طرق صيد محرمة دوليا وممنوعة وفق منطوق القوانين اللبنانية، الصيد بالشباك والدبق وغيرها الكثير من أساليب تنافي الحد الأدنى من القيم الإنسانية.
د. سعد: الملاحقة لدى القضاء المختص
خبير الطيور الدكتور روجيه سعد، قال لـgreenarea.info ان “لبنان وبسبب موقعه الجغرافي وتميزه المناخي يعتبر ممرا إلزاميا لأهم الطيور، خصوصا طيور اللقلق الأبيضwhite storks أو Cigogne blanche”، ولفت إلى أن “هذه الطيور تعتبر الأجمل في العالم وتمر فوق لبنان بأعداد كبيرة، وموطنها الأصلي بولندا التي تعتبرها شعارا وطنيا، فيهتم البولنديون بها يحافظون عليها ويقومون برعايتها وتهيئة أعشاشها والعناية بصغارها، ويحاولون نشر ثقافة الرفق بها عبر أفلام الكرتون، وتشكل بالنسبة لبعض الاوروبيين وبحسب معتقداتهم فأل خبر”.
وقال سعد: “أما في اليونان، فإلى اليوم يحضرون لها على الشرفات والسطوح الأعشاش لتضع بيضها، وترحيبا بقدومها، وفي نفس الوقت ان البجع الأبيض ذو المنقار الأحمر والأرجل الحمراء، فقط يحمل اللون الاسود عن أطراف جوانحه، وهذا طير جدا لطيف، يتزوج فقط أنثى واحدة ويحافظ على عش واحد لمدة ست سنوات، يحضر الى أوروبا في الربيع ليهاجر بعدها الى أفريقيا بحثا عن الدفء، ويضع ايضا بيضه في أفريقيا، ومعدل وضع البيض عنده من بيضتين الى خمس، وهو طير مهم جدا يمنح بعبوره الشعور السلام للبلاد التي يمر فوقها، ويقطع مسافات كبيرة بين القارات والبلدان، ويعود الى حيث يضع اعشاشه”.
وأضاف: “كانت السفارة البولندية قد طلبت رسميا من لبنان عدم السماح بصيد اللقلق الأبيض، خصوصا وان العدد الذي يمر فوق لبنان يمثل حوالي 25 بالمئة من أعدادها في العالم، كما طالبت السفارة بنشر معلومات عن هذا الطير، وأوضحت بأنه صديق للانسان ويقوم بتنظيف الطبيعة ويقضي على كل أنواع الحشرات والقوارض، كما طالب السفير البولندي بملاحقة كل من يقوم بقتل هذه الطيور ونشر صورهم عبر فيسبوك”.
وأشار سعد الى القانون 580 والذي جاء فيه في المادة 15 ما يلي :
يعاقب بالحبس حتى شهر وبغرامة توازي خمسماية ألف ليرة أو باحدى هاتين العقوبتين وفي مطلق الاحوال بمصادرة السلاح المستعمل نهائيا وعند الاقتضاء وبإتلاف الأجهزة والمواد والآلات والوسائل الممنوعة عملا بأحكام هذا القامون كل من ضبط:
-وهو يصطاد بدون رخصة
-وهو يصطاد بواسطة آلات أو مواد أو أجهزة أو أي وسيلة أخرى يحظر استعمالها بموجب هذا القانون
-وقد اصطاد طيورا مفيدة أو ممنوع صيدها
وتمنى سعد “من الناس عدم التعرض لهذه الطيور وتركها تمر بسلام ولا مانع من التقاط الصور معها وهي على قيد الحياة، فهي تقترب من الانسان اذا شعرت بالإلفة والامان وهذا أجمل بكثير من عرض صورها مقتولة على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ودعا “الناس لمساعدة هذه الطيور في حال تعرضها لإصابة ما، كما اننا نعلم ان هناك اهمالا من الدولة باتخاذ الاجراءات اللازمة بحق المعتدين، ونعلم بمدى غياب الوعي والجهل”، ولفت إلى ان “استمرار هذه الفوضى سيجعلنا نفقد نعمة مرورها فوق بلادنا، في الوقت الذي يقصد السياح بلدان العالم لمتابعة مرور الطيور ومشاهدتها عن قرب”.
وختم سعد “سنقوم بملاحقة كل من يقوم بنشر صور لصيد هذه الطيور، وكل من تسول له نفسه قتلها وسندعي عليه قانونيا أمام القضاء المختص”.
ازالة لبنان عن اللائحة السوداء
وأشار ناشط بيئي من منطقة البقاع الأوسط لـ greenarea.info إلى “اننا غير قادرين على ذكر المرتكبين بالاسماء، كي لا ندخل في نزاعات شخصية مع أحد”، ولفت إلى أن “هناك أناسا متضررين من جراء الصيد في الليل وسط الاحياء السكنية، لكن السلطات المحلية لا تتحرك لوقف هذه الاعتداءات التي تتسبب أيضا بإقلاق راحة المواطنين، وتعرضهم للخطر”.
وقال: “قبل نحو عشرة أيام تحدثنا عن مجزرة طيور اللقلق في شمال لبنان، وتعرضنا لحملة تشهير من قبل الصيادين، ولم تبادر الجهات المعنية الى ملاحقة هؤلاء، والمطلوب الآن وبالحاح محاسبة الذين يمارسون الصيد ويعرضون صورهم للعالم، ولا نجد ان ثمة حلا آخر للحد من هذه الظاهرة، ولا بد من وقف الصيد العشوائي واقرار قانون الصيد وتطبيقه، ولنحاول ازالة لبنان عن اللائحة السوداء في مجال القضاء على الطيور المهاجرة ولا سيما منها المعرضة للانقراض، فمع الانترنت ما عاد بالامكان ان نخفي شيئا، من هنا ضرورة التصدي لظاهرة لا نقول الصيد وانما القتل المنظم للطيور”.
وختم مناشداً “وزارات البيئة والداخلية والزراعة وكافة الاجهزة المعنية التحرك لوضع حد لهذا المسلسل المستمر، ووضع خطط من أجل حماية الطيور المهاجرة واقامة محميات طبيعية ومشاريع سياحية توظف ما خصنا به الله في مجال تكريس سياحة مراقبة الطيور، لان هناك نخباً تهتم بالبيئة في لبنان، وهؤلاء هم القدوة التي نعول عليها لمواجهة واقع الحال”.