مع تطوّر الحياة، بات للعمل اليومي أولوية كبيرة لتأمين لقمة العيش ومواكبة متطلبات الحياة المتزايدة، وبين هذه وتلك يخسر الانسان كثيراً، حتى ولو كان رابحاً في مجالات معيّنة. وقد اقتصرت كافة الابحاث على أن امكانية السيطرة على العمل يمكن أن تساعد على إدارة الضغوط الناتجة عنه، لكن لم يتم بحث الموضوع ربطاً بمسألة تراوح بين حياةٍ أو موت، فرغم تأمين الرفاهية المنشودة وما يتبعها من ضروريات وكماليات حياتية، يخسر الانسان حياته!
هذه خلاصة دراسة صدرت عن جامعة أنديانا الاميركية، ونشرت في الدايلي ساينس، ومفادها ان التعب والاجهاد فضلاً عن عدم امكانية السيطرة على دوام العمل وحصره بساعات محددة، كلها عوامل تقصّر العمر بنسبة 30 بالمئة، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع خطر الموت قبل بلوغ عمر الـ 60 سنة.
ويقول الباحث أريك غونزاليس مولي: “إن نتائج دراستنا تدل على أن العمل المتوتر والإجهاد يشكلان خطورة على صحة الإنسان، خصوصا إذا ترافق ذلك مع حرية محدودة في اتخاذ القرارات”.
متابعة ثلاث فئات من العمّال في ولاية وسكونسن الاميركية تشمل 2,4 ألف عامل متقاعد، منهم من يعمل جاهداً ومسؤولاً والقسم الآخر يشغل عملا أكثر سهولة، كانت اساس الدراسة، فظهرت النتيجة أن العمل الشاق يقتل البشر في نهاية المطاف، وبالتالي، فإن اقتران العمل الشاق بحرية التصرف يزيد من خطر الموت بنسبة 15 بالمئة. أما اقترانه بغياب حرية التصرف فيزيد النسبة الى 34 بالمئة.
ولاحظ الباحثون أن الذين يعملون عملا شاقا في الصناعة وعملا بدنيا في العراء، معرّضون للموت أكثر من الذين يعملون في الزراعة أو في المكاتب. ويرى الباحثون أن أولئك يتوجب عليهم تقليص رواتبهم وحث أرباب العمل على منحهم حرية أكثر في التصرف، بما في ذلك تطبيق جداول زمنية أكثر مرونة والمشاركة في اتخاذ القرارات.
مولي، المؤلف الرئيسي للدراسة، يشير الى أن مواد البحث كانت متطلبات العمل من جهة، كمية العمل المطلوبة، مع ما يرافقها من كمية ضغط وتركيز وقدرة على السيطرة واتخاذ القرارات من جهة اخرى. فأشارت النتائج الى أن لهذه الوظائف المجهدة عواقب سلبية واضحة على صحة الموظف مقارنة بقدرته على ان يكون سيّد القرارات أو منفّذها فقط.
هذه الدراسة بعنوان: Worked to Death: The Relationships of Job Demands and Job Control With Mortality نشرت في موقع Personnel Psychology المتخصص في علم النفس نظراً لدقتها وصحة نتائجها.
في هذا السياق، ودرءاً لاخطار مستقبلية، اشار مولي الى امكانية الحد من النتائج المريرة، متوجهاً لرب العمل، قائلاً: “يمكنك تجنّب العواقب الصحية السلبية إذا سمحت للموظفين تحديد أهدافهم الخاصة، تعيين الجداول الزمنية الخاصة بهم، وتحديد الأولويات لاتخاذ القرارات وما شابه ذلك”.
فضلاً عن ذلك ربطت الدراسة بين ضغط العمل وتوفّر الوقت اللازم لتغذية الجسم والعقل، وقال مولي: “اذا لم يملك الموظف التسهيلات اللازمة للتعامل مع مهمة شاقة، سيختلّ نظام غذائه اليومي، كما ستختلّ قدرته الحركية وربما يتّجه بشكل أكبر نحو التدخين”.
في هذا السياق، رصدت الدراسات والابحاث حول السرطان وجود علاقة بين نظام التغذية اليومي ونوعيتها على نسبة الاصابة بالسرطان الذي قضى على نسبة 55 بالمئة من الاشخاص المشاركين في عيّنة تلك الدراسة، مقابل 22 بالمئة بسبب الضغط الدموي و8 بالمئة لامراض الجهاز التنفسي.
نتائج هذه الدراسة سجّلت بشكل رسمي في موقع العلاج النفسي الرسمي، وتم الاعتراف بصحة نتائجها طبياً. في المقابل، اشارت مجموعة من الباحثين الى ضرورة العمل بذكاء أكبر لضمان استمرارية الانتاج من جهة وصحة العامل من جهة أخرى.
ونشرت مؤسسة مدونة Hello Code، Belle Beth Cooper خريطة تشرح الطرق الاساسية التي يجب اتباعها للعمل بذكاء أكبر، أولها تحديد الأولويات ضمن قائمة المهام الرئيسية من خلال اختيار المهمة الاهم ضمن قائمة الاعمال لإنجازها بشكل أسرع، الأمر الذي سيخلص العامل من الفوضى والعشوائية في أداء المهام، ويكسبه مزيدا من الوقت للقيام بالأعمال البسيطة والحصول على قسط من الراحة، فضلاً عن ضرورة التركيز على المهام اليومية دون الحاجة إلى إعداد قائمة بأعمال اليوم التالي، حيث سيضيع الكثير من الوقت على هذا الأمر.
التركيز على النتائج وليس قياس الوقت، هي النصيحة الثانية في خريطة الطريق لان الكثير من الأشخاص يخسرون وقتا كبيرا في التركيز على تحقيق إنتاجية أكبر في وقت أقل، وهذا الأمر خاطئ ولا يساعد على الوصول إلى نتائج جيدة في نهاية المطاف. ويؤكد الخبراء أن التركيز على أهمية النتائج المحصّلة جراء القيام بعمل ما، سيحفّز الأشخاص على زيادة الإنتاجية بدلا من تضييع الوقت في مراقبة الوقت المستغرق في الإنتاج، وبالتالي ستكون النتيجة المحصلة مخيبة للآمال.
في نصيحتها الثالثة تركّز كوبر على تحديد روتين معين يساعد على البدء بالعمل. ويمكن أن يتجلى الأمر بمجرد شراء القهوة الصباحية أو تناول الفطور قبل المباشرة بالعمل، وكذلك يمكن اتباع روتين يتعلق بإبعاد الهاتف المحمول والجلوس إلى المكتب والاسترخاء قبل البدء بالعمل لتكون الإنتاجية أفضل.
تحديد الحالات التي يضيع فيها الكثير من الوقت، أمر اعتبرته كوبر اساسياً لضمان انتاجية أكبر، وذلك بتتبع ما نفعله كل صباح قبل الاستعداد للعمل، مثل تضييع الوقت باختيار الملابس (وهو شيء كان يمكنك القيام به في الليلة السابقة) أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في أثناء ساعات النهار، وبمجرد معرفة أين يضيع وقتك يوميا، يمكن البدء بالتغيير من أجل تنظيمه بشكل مناسب، لأداء الأعمال بإنتاجية أكبر دون صرف المزيد من الجهد.
وبينما يبذل الأشخاص الكثير من الجهد من أجل إنهاء العمل في نهاية المطاف، يجب على الأشخاص تحديد وقت محدد لكل عمل من أجل الالتزام به والانتهاء منه في الوقت المحدد، وهي من أهم العادات التي يمكن اتباعها للتخلص من الإجهاد المفرط، وكذلك يمكنك التخطيط للقيام بنشاط ما بعد العمل أو حضور مناسبة معينة، مما يعزز من زيادة الإنتاجية في وقت أقصر للانتهاء من العمل.
للقيلولة والطبيعة اهمية كبرى بالنسبة لكوبر التي اشارت الى ان “الأبحاث تبين أن القيلولة تؤدي إلى تحسين الوظيفة الإدراكية والتفكير الإبداعي، وكذلك قدرات الذاكرة على وجه الخصوص، كما تساعد القيلولة في تحسين العملية التعليمية والاحتفاظ بالمعلومات بشكل أفضل بالإضافة إلى أنها تقلل من الإرهاق”، فضلاً عن أن تمضية وقت اكثر بين احضان الطبيعة يساعد على استرخاء العقل وزيادة التركيز على المهام المحددة قبل العودة إلى العمل، بالإضافة إلى الحصول على فترة كافية للتفكير بما تقوم به من مهام لتكون أكثر نشاطا وإنتاجية خلال اليوم.