على عمق 3300 قدم تحت الماء، أي حوالي الـ 1000 متر، وبمحيط 30 مترا، تقع بحيرة تعرف باسم “جاكوزي اليأس” Jacuzzi of Despair في خليج المكسيك، وجاءت التسمية بسبب أن هذه البحيرة تقتل الكائنات الحية التي تعبر خلالها، وهي بحيرة ساخنة بالمقارنة مع الماء من حولها، وتصل حرارتها إلى حوالي 19 درجة مئوية (66 درجة فهرنهايت)، لكن ليست الحرارة هي السبب في كون هذه البحيرة قاتلة!

في العام 2014 اكتشفت سفينة الأبحاثNautilus  هذه البحيرة في خليج المكسيك Gulf of Mexico  في المحيط الأطلسي، فيما كانت تجوب محيطات وبحار العالم بهدف البحث العلمي، وعلى متنها فريق من العلماء، بينهم عالم الأحياء في “جامعة تمبل” Temple University، والمؤلف المشارك في الدراسة إريك كوردس Erik Cordes.

3

نسبة ملوحة عالية 

وعرضت الدراسة المنشورة في دورية oceanography بشكل مفصل، لكيفية قيام العلماء بأخذ عينات من البحيرة باستخدام مركبة تعمل عن بعد، واسمها هرقل the Hercules لفحصها بيولوجيا وجيولوجيا، ووصفوا البحيرة بأنها عبارة عن حفرة كبيرة مليئة بمحلول ملحي مركز، لدرجة أنه لا يمتزج بما حوله من المياه، تحيط بها الرواسب المعدنية الحمراء الزاهية والبيضاء، وتحتوي عددا من الكائنات النافقة مثل سلاطعين البحر والأسماك، وتتدفق هذه البحيرة من إحدى جهاتها على شكل شلال فريد من نوعه، واكتشفوا احتواءها على نسبة ملوحة عالية تصل إلى أكثر بـأربعة أو خمس مرات من ماء المحيط حولها، وهذا ما يجعلها تغرق وتنزل لقاع المحيط، فضلا عن وجود كميات كبيرة من غاز الميثان و”سولفيد الهيدروجين” hydrogen sulfide، وهذا ما يجعلها بحيرة سامة.

وتبقى بعض الكائنات على قيد الحياة، ولكن على حافة البحيرة، ومنها بلح البحر Molluscs، وذلك بفضل علاقة تكافلية مع البكتيريا التي تعيش على خياشيمها، وتستخدم هذه البكتيريا الغازات الذائبة مثل الميثان وسولفيد الهيدروجين المتسربة من قاع المحيط،  كما أن أنواعا من الديدان الأنبوبية تستطيع البقاء على قيد الحياة جنبا إلى جنب مع بكتيريا مماثلة.

وقال الباحث في مجال الكيمياء البحرية سكوت وانكل Scott Wankel في شريط الفيديو الخاص بهذا الإكتشاف، واصفا السلاطعين “المخللة” في مياه هذه البحيرة: “هذه الكائنات الأكبر لا تحب أن تكون في هذا السائل، أو ربما تأتي للموت هنا فقط”، وعلق كورديس “قد تكون هذه السلاطعين المقلوبة رأسا على عقب أتت منذ عقود”.

2-1

اكتشاف مميز

وعاد كورديس مرة ثانية بعد هذا الاكتشاف لإلقاء نظرة عن قرب على البحيرة، وهو يقود أول مركبة غوص مأهولة “ألفين” Alvin إلى أعماق البحار، وكانت البحيرة من الكثافة لدرجة أنه استطاع الرسو على سطحها، وقال كورديل “لقد تعرفنا على برك المياه المالحة منذ 30 عاما، لكن اكتشاف هذه البحيرة كان مميزا للغاية، فهي واحدة من أكثر تلك البحيرات روعة التي رأيتها حتى الآن”.

وتشكلت هذه البحيرات تحت الماء على مدى ملايين السنين في المناطق الأقل عمقا ومنها هذه البحيرة في خليج المكسيك، وتبخرت مخلفة وراءها مساحات كبيرة من الملح، ومع مرور الوقت، طمرت طبقات الملح تحت القاع، وتحت وطأة هذه الرواسب، تحركت طبقات الملح وكسرت الزيت الصخري أعلاها، ما سمح بتدفق النفط والغاز والماء المالح منها.

 

صدع في الأرض

ولقياس درجة الملوحة والحرارة والعمق، خفضت المركبة “هرقل” جهاز استشعار أسفل الحفرة، ومن سطح البحيرة إلى عمق حوالي 10 أقدام ( 3أمتار)، وكان الماء المالح حارا نسبيا 46 درجة فهرنهايت (7،8 درجة مئوية) مقارنة بمياه خليج المكسيك التي كانت درجة الحرارة فيها حوالي 40 درجة فهرنهايت (4،4 درجة مئوية)، وكلما نزل جهاز الاستشعار إلى مناطق أعمق، ارتفعت درجة الحرارة أكثر، ووصلت إلى 66 درجة (19 درجة مئوية) عند هبوط المسبار أكثر من 62 قدما (19 مترا) في المياه المالحة، ولكن لم يصل إلى القاع.

ويعتقد كورديس أن “مصدر المياه المالحة والهيدروكربونات في الأساس هو وجود صدع في الأرض، ومن الصعب العثور على القاع” وأضاف “قد يكون القاع على بعد بضعة كيلومترات تحت قاع البحر”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This