ليس من قبيل الصدف أن يتزامن موعد انطلاق مؤتمر تغير المناخ في مراكش – المغرب الذي يستمر حتى 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، مع ازدياد زخم الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يصفها البعض بمثابة “رصاصة الرحمة” لاتفاقية باريس للحد من تعير المناخ، والتي دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي.
ويضم مؤتمر مراكش الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والدورة الثانية عشر لمؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في بروتوكول كيوتو، ويشارك فيه أكثر من ٢٠ الف مشارك ويحضره أكثر من ٣٠ رئيس دولة.
ومع دخول اتفاق باريس حيز التنفيذ يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، تنعقد في مراكش الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في اتفاق باريس. وبالإضافة إلى ذلك، تنعقد الدورة الخامسة والأربعون للهيئة الفرعية للتنفيذ، والدورة الخامسة والأربعون للهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية، كما سينعقد الجزء الثاني من الدورة الأولى للفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس.
وبعد توقيع 193 دولة على اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي، أصبحت الاتفاقية الآن قانونا دوليا، ثم صدق عليها أكثر من 55 دولة مسؤولة عن أكثر من 55 بالمئة من الانبعاثات الغازية حول العالم. لكن احتمال فوز دونالد ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية الذي يوصف بأنه “اكثر القادة السياسيين تشكيكاً بعلم تغير المناخ”، يطغى على ما عداه هنا في مراكش حيث تساقطت أمطار كثيفة خلال اعمال اليوم الأول من المؤتمر.
وكان ترامب قد قال في وقت سابق من العام الجاري إنه سوف “يلغي” اتفاقية باريس إذا انتخب للرئاسة، وإن الاتفاق “يضر بالشركات الأميركية” وسوف يسمح “للبيروقراطيين الأجانب بالتحكم في كمية الطاقة التي يستخدمها الأميركيون”.
ومعلوم ان اتفاقية باريس تمنع خروج أي دولة منها قبل مرور ثلاث سنوات، بالإضافة إلى سنة هي مدة إشعار مسبق قبل الخروج، ولذلك سيكون هناك مدة أربع سنوات من الاستقرار، لكن فوز ترامب سيعطل اي نقاش داخل المؤسسات التشريعية في الولايات المتحدة الاميركية للمصادقة على اتفاقية باريس ودخولها حيز التنفيذ على المستوى الفدرالي.
وأسهم القلق من فوز ترامب في إحداث زخم عالمي لإدخال اتفاقية باريس حيز التنفيذ، وأصبحت الاتفاقية الآن فعالة وملزمة للدول، ما يعني أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية لن يكون أمرا سهلا، لكن المشكلة الاكبر التي تقلق المدافعين عن الاتفاقية، ان فوز ترامب سوف يعيق بدون شك تنفيذ الولايات المتحدة الاميركية المساهمة الوطنية المطلوبة منها، حيث يفترض ان تنفذ كل دولة تعهداتها وخططها الخاصة، أو ما يسمى المساهمات المحددة وطنيا، حول ما سوف تفعله كل دولة لخفض انبعاثات الغاز والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، ويشكك المتابعون لمفاوضات تغير المناخ بمدى التزام الدول بتطبيق المساهمات الوطنية وكيفية التحقق من الخطط الحكومية المنوي تنفيذها.
الخوف من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية ليس السبب الوحيد للخوف من النتائج المتوقعة للمفاوضات المناخية في مراكش، وتعد مسألة مصادقة الدول على الاتفاقية واحدة من المخاوف التي تواجه اجتماع مراكش. ومعلوم انه صادقت حتى الآن مئة دولة فقط على اتفاقية باريس، وهذا يمثل قلقا من أن الأمر لن يكون عادلا إذا ما أخذت هذه الدول فرصة وضع القواعد المستقبلية التي ستعمل وفقا لها كل دول العالم. لذلك فإن زخم دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سيساعد في الدفع باتجاه التقدم في مناقشة عملية التنفيذ بإجمالها، وهناك سبب ما لتوقع تأجيل القرارات الرئيسية حتى يصدق مزيد من الأطراف على الاتفاقية.
وهناك سؤال مهم بشأن اجتماعات مراكش وهو، هل ستكون بالنسبة للدول فرصة لتحرك أكبر والذهاب إلى أبعد مما تم التوصل إليه في باريس؟ وقبل أيام أشار محلل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الخطط الدولية المطروحة على الطاولة بحاجة إلى زيادة طموحها بنسبة 25 بالمئة لكي تحقق أهداف اتفاقية باريس.
وهناك بعض المؤشرات الإيجابية، حيث وافق مؤتمر عقد الشهر الماضي في رواندا على التخلص من الغازات الهيدرفلوروكربونية، بهدف كبح ارتفاع حرارة الأرض، وبدأت المنظمة الدولية للطيران المدني اتخاذ خطوات أولية محدودة من أجل تفعيل كبح عالمي للغازات المنبعثة من الطائرات، كما أعلنت الصين مؤخرا عن خطة لخفض مستوى الانبعاثات الكربونية لكل وحدة من وحدات الناتج المحلي الإجمالي.
وستشهد محادثات مراكش مناقشات مهمة حول شكل “عملية التقييم العالمية” في المستقبل، وهي مراجعة دورية كل خمس سنوات لمدى التقدم الذي حققته الدول باتجاه الأهداف التي وقعوا عليها. وعملية التقييم هذه تعتبر جزءا مهما من اتفاقية باريس، وتستهدف تصعيد الطموح عبر الوقت.
كما ستبحث القمة مراجعات للتمويل، لترى ما إذا كانت الدول الأغنى قد حققت تقدما باتجاه توفير مئة مليار دولار، كمساعدات لمكافحة التغير المناخي تمنحها للدول النامية بحلول عام 2020.
ومن القضايا التي قد تشهد خلافات حادة قضية الخسائر والأضرار، ومنها مسألة التعويضات بشأن الآثار طويلة المدى للتغير المناخي، حيث تراها الدول الفقيرة كالتزام أخلاقي على الدول الغنية، بينما تشعر الدول المتقدمة بحذر شديد من تأسيس مسؤولية قانونية عليها بسبب الأضرار التي نتجت عن انبعاثاتها الغازية المسببة للاحتباس الحراري.
وفي مؤتمر تغير المناخ الذي عُقد في بون في أيار (مايو) 2016، بدأ الفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس، والهيئة الفرعية للتنفيذ والهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية مفاوضات بشأن عدد من القضايا الأساسية لتنفيذ اتفاق باريس، وتشمل: المزيد من الإرشادات حول خصائص المساهمات المحددة وطنيا، ومزيدا من التوجيه حول المعلومات التي تقدمها الأطراف من أجل تسهيل الوضوح والشفافية والتفاهم في المساهمات المحددة وطنيا، التوجيه للمحاسبة الخاصة بالمساهمات المحددة وطنيا للأطراف، أساليب وإجراءات تشغيل واستخدام السجل العام ، والتوجيهات الخاصة بالتأكد من تجنب العد المزدوج على أساس تعديل مماثل من قبل الأطراف لكل من الانبعاثات بشرية المنشأ من المصادر، وعمليات إزالتها بواسطة البواليع والمتضمنة في المساهمات المحددة وطنيا وفقا للاتفاق، المسائل المتعلقة بالمادة 6 من اتفاق باريس (النُهج التعاونية)، مزيدا من التوجيه في ما يتعلق بالبلاغات المتعلقة بالتكيف، بصفته عنصرا من عناصر المساهمات المحددة وطنيا. وأساليب المحاسبة الخاصة بالموارد المالية التي تم تقديمها وتعبئتها من خلال التدخلات العامة، وضع إطار للتكنولوجيا، مصادر لمدخلات عملية التقييم العالمي، وأساليب عملية التقييم العالمي. وتم تكليف الدورة الأولى من مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في اتفاق باريس بالنظر في هذه القضايا وقضايا إضافية. ومن المتوقع لمؤتمر مراكش أن يستمر في هذا العمل.
أبرز الأحداث بين مؤتمري باريس 2015 ومراكش 2016
حفل توقيع اتفاق باريس: تم تنظيم حفل توقيع اتفاق باريس في 22 نيسان (أبريل) 2016 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وخلال الحفل، وقعت 174 دولة والاتحاد الأوروبي على اتفاق باريس وأودعت 15 دولة صكوك التصديق الخاصة بها.
مؤتمر تغير المناخ المنعقد في بون: انعقد مؤتمر تغير المناخ في بون في الفترة من 16-26 أيار(مايو) 2016، حيث انعقدت الدورة الرابعة والأربعين للهيئة الفرعية للتنفيذ والدورة الرابعة والأربعين للهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية، والدورة الأولى للفريق العامل المخصص المعني باتفاق باريس (فريق اتفاق باريس). وقد استمعت الدورة الأولى لفريق اتفاق باريس إلى وجهات النظر الأولية عن الأعمال المكلفة بها بموجب اتفاق باريس، واعتمدت النتائج الخاصة بالمزيد من العمل.
الاجتماع الثامن والعشرون لأطراف بروتوكول مونتريال: انعقد في الفترة من 10 إلى 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2016 في كيغالي، رواندا. وركز هذا الاجتماع على مسار دبي حول الهيدروفلوروكربون، والذي بموجبه تم تكليف الأطراف بمواصلة المفاوضات بهدف الاتفاق على تعديل البروتوكول في عام 2016. اعتمد أعضاء الوفود تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال والذي تضمن الجداول الزمنية للخفض التدريجي لمركبات الهيدروفلوروكربون لكل من الدول المتقدمة والنامية.
الاجتماع الرابع عشر لمجلس الصندوق الأخضر للمناخ: اجتمع مجلس الصندوق الأخضر للمناخ في الفترة من 12 إلى 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، في سونغدو، جمهورية كوريا، وتمت الموافقة على تقديم تمويل بمبلغ 745 مليون دولار أميركي لتمويل عشرة مشروعات في 27 دولة، في مجالي التخفيف والتكيف.
الدورة الرابعة والأربعون للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: انعقدت في الفترة من 17 إلى 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2016في بانكوك، تايلاند. اعتمدت هذ الدورة 12 قرارا تشمل الخطوط العريضة للتقرير الخاص بظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية، وتقرير منهجية لتحسين الخطوط التوجيهية للهيئة لعام 2006 بشأن قوائم الجرد الوطنية لغازات الدفيئة.