كما كان متوقعا، بدت أفريقيا حاضرة بقوة في مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية “كوب 22” الذي تستضيفه مراكش، ليس لأن المؤتمر تحتضنه القارة السمراء فحسب، وإنما نظرا لحجم المعاناة التي تواجه أفريقيا، خصوصا وأن تغير المناخ بات يشكل تهديدا من شأنه أن يحول دون التقدم باتجاه تخطي الفقر وتحقيق الأمن الغذائي في هذه القارة، ولم يكن من قبيل الصدفة تأكيد المغرب أن المؤتمر سيكون منصة لإيصال صوت أفريقيا.
وللوقوف على حجم التحديات التي تواجه أفريقيا، تكفي الإشارة إلى أن أكثر من ثلث سكان القارة يقيمون في مناطق عُرضة للجفاف، ولذلك تبقى الأنظار معلقة على مؤتمر مراكش، خصوصا لجهة استهداف الإجراءات المتعلقة بالمناخ، وبشكل خاص في القطاعات المحفزة القادرة على تأمين فرص للتنمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

تلوث الهواء

وإلى جانب أزمة الغذاء المتوقع أن تتفاقم، وتؤدي إلى كوارث على مستوى الهجرة المناخية، وهذا ما شهدنا بعضا من فصوله مؤخرا، أكدت دراسة حديثة أن تلوث الهواء في أفريقيا يتسبب بوفيات أكثر من السابق، لا بل أصبح أكثر خطورة من مشكلات غالبا ما تواجه الدول الفقيرة كتلوث المياه أو سوء التغذية، ويمكن أن يتطور إلى أزمة صحية ومناخية تذكر بالظاهرة التي حدثت في الصين والهند من قبل.
وبحسب هذه الدراسة التي أعدها الشهر الماضي “منتدى السياسة العالمية”، فإن تلوث الهواء في أفريقيا يقتل حوالي 712 ألف شخص سنويا، مقارنة مع ما يقرب من 541 ألفا يموتون جراء المياه الملوثة و275 ألفا يموتون من سوء التغذية و319 ألفا يموتون من الصرف الصحي غير الآمن، وإذ رأت الدراسة أن بعض الأخطار البيئية الرئيسية قد تتحسن مع تحقيق أهداف تنموية، أكدت أن تلوث الهواء الناجم عن قطاع النقل وتوليد الكهرباء والصناعات يتزايد بسرعة، ولا سيما في البلدان النامية، والتي تشهد تطورا سريعا في اقتصاداتها، ومنها على سبيل المثال: مصر، جنوب أفريقيا، إثيوبيا ونيجيريا.
ويقول رئيس منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، هنري برنار، ان تلوث الهواء في أفريقيا يضر على نحو متزايد الناس ويعيق التنمية الاقتصادية، وتخفيضه يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الحكومات لتغيير مسار لا يمكن تحمله من التحضر، لافتا إلى أن عدد سكان أفريقيا يزداد بوتيرة سريعة جدا، فالعدد الحالي 472 مليون من سكان المناطق الحضرية، وسيكون حوالي مليار في عام 2050، والخيارات الاستثمارية اليوم سيكون لها تأثيرات طويلة على البنية التحتية الحضرية ونوعية حياة سكان المدن.

فعاليات أفريقية في المؤتمر

وبالعودة إلى مؤتمر مراكش، فقد بدأت دول أفريقية عدة بعرض مجهوداتها في مجال المناخ من خلال أجنحة متنوعة، فيما جهز الجناح الأفريقي، المكتظ بالصحافيين والمشاركين، بشاشات عملاقة تعرض مقاطع فيديو لقضايا مناخية ذات صلة بالصحاري والمحيطات والغابات من مختلف بقاع القارة، كما شهد اليوم الأول من المؤتمر تنظيم العديد من الندوات بمشاركة خبراء من مختلف الدول الأفريقية خصصت لمناقشة قضايا تتعلق بالمناخ والتنمية وتبادل الخبرات.
في هذا السياق، شاركت كل من تونس وإثيوبيا في تنظيم لقاء بشراكة مع ممثلين ألمان لإبراز دور الشراكة الثلاثية الأطراف في تحقيق تحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، بهدف تعزيز الجهود الرامية لصد التغيرات المناخية.
وفي السياق عينه، قامت السنغال بإبراز جهودها في مجال محاربة التصحر وتعزيز دور أفريقيا الأخضر، وسيشهد الجناح الأفريقي أنشطة أخرى تتعلق بتمويل المشاريع المناخية وتخفيض انبعاثات الصادرة عن الطيران المدني.
ولفت بيان صادر عن رئاسة المؤتمر إلى أنه يمكن للزوار الاستعانة بخدمات مراكز المعلومات في الجناح الأفريقي للحصول على مزيد من المعلومات حول الأنشطة التي تنظمها دول القارة خلال المؤتمر.

العدالة المناخية

وتحتل القارة السمراء موقعا مهما في المؤتمر، وهذا ما عبر عنه صلاح الدين مزوار رئيس المؤتمر خلال كلمته الافتتاحية، حين أشار إلى أن تنظيم هذه القمة المناخية العالمية بمراكش يعكس عزم القارة الأفريقية على المساهمة في الجهود العالمية الرامية للحد من التغيرات المناخية، مشددا في الوقت عينه على ضرورة توفير الدعم لدول القارة لمواجهة التغير المناخي من خلال تعزيز استعمال الطاقات المتجددة.
لكن في المقابل، ثمة أسئلة سيجيب عنها المؤتمر في بيانه الختامي، وفي ما يتبنى من توصيات، فالحضور الأفريقي المهم والذي انعكس على نحو كبير في أروقة المؤتمر، يفترض أن يواكب بإجراءات تساعد الدول على التكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، وفي نفس الإطار التخفيف من نتائجها، وهذا لا يمكن أن يتحقق، إلا من خلال تكريس “العدالة المناخية” التي تفرض على الدول الملوِّثة، والتي تتحمل بنسبة كبيرة ما آلت إليه أزمة المناخ، أن تكون حاضرة في تحمل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية والإنسانية حيال ما يواجه ويتهدد القارة السمراء.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This