قد يكون من حسن الطالع أن يتزامن افتتاح مؤتمر تغير المناخ المنعقد في مراكش – المغرب، مع هطول الأمطار، حيث حاول أعضاء الوفود الذين زاد عددهم عن ٣٠ الف مشارك تخطي تجمعات وبرك المياه الموجودة على الأرض، واحتموا بالمظلات وهم في طريقهم لافتتاح المؤتمر.
هذا المشهد ربما يكون من المشاهد النادرة في قارة أفريقيا التي تواجه الجفاف المتزايد مع تغير المناخ.
ومع دخول المؤتمر يومه الثاني وسط النقاشات المتواصلة، يتخوف مختلف المفاوضين حول ما إذا كانت دورة مراكش ستصبح مؤتمر أطراف معنيا بالتنفيذ، خصوصاً أن هناك تركيزا مبالغا فيه على حصر النقاشات فقط على العمل بعد 2020، ويطالب عدد كبير من ممثلي الدول، لا سيما تلك التي تعد الأكثر تأثراً بتغير المناخ، بأن تكون هناك خارطة طريق واضحة لدعم وتنفيذ الالتزامات القائمة لما قبل عام 2020.
أبرز التقارير التي تزامن صدورها مع اعمال اليوم الثاني لمؤتمر مراكش، تقرير صدر عن “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، ويتضمن تحليلاً “مرعباً” ومفصلاً للمناخ العالمي في الفترة من 2011 إلى 2015، والتي كانت أحر فترة خمس سنوات مسجّلة، ولتزايد الأثر الواضح للإنسان على ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة، وما يترتب على ذلك من تداعيات خطرة وباهظة التكلفة.
وقدم التقرير إلى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ويتيح النطاق الزمني البالغ خمس سنوات فهم اتجاهات الاحترار على مدى سنوات متعددة، والظواهر المتطرفة من قبيل حالات الجفاف الطويلة الأمد وموجات الحر المتكررة فهماً أفضل مما يتيحه تقرير سنوي.
وستصدر “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” تقييمها المؤقت لحالة المناخ في عام 2016 يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر)، لكي تستنير به المفاوضات المتعلقة بتغير المناخ في مراكش.
ومعلوم ان تأثيرات تغير المناخ كانت واضحة باستمرار على النطاق العالمي منذ ثمانينيات القرن العشرين، وهي: ارتفاع درجة الحرارة العالمية، على اليابسة وفي المحيطات على السواء، وارتفاع مستوى سطح البحر، وانصهار الثلوج على نطاق واسع، وبانكماشات في رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية، والأنهار الجليدية القارية، والغطاء الثلجي في نصف الكرة الأرضية الشمالي. وأدى تغير المناخ إلى زيادة مخاطر الظواهر المتطرفة من قبيل موجات الحر، والجفاف، وسقوط الأمطار بمعدل قياسي، والفيضانات التي تلحق أضراراً.
وقد أكدت مؤشرات تغير المناخ هذه جميعها اتجاه الاحترار الطويل الأجل الناجم عن غازات الاحتباس الحراري. وبلغ معدل ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي نسبة تاريخية هامة هي 400 جزء في المليون لأول مرة في عام 2015، وفقاً لما ورد في تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الذي قُدم إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ.
ويدرس تقرير المناخ العالمي للفترة من 2011 إلى 2015 أيضاً، ما إذا كان تغيّر المناخ بفعل الإنسان مرتبطا ارتباطاً مباشراً بفرادى الظواهر المتطرفة. ومن بين 79 دراسة نشرتها نشرة الجمعية الأميركية للأرصاد الجوية في الفترة ما بين عامي 2011 و 2014، تبيَّن في أكثر من نصفها أن تغيّر المناخ بفعل الإنسان ساهم في الظاهرة المتطرفة المعنية. وتبيّن في بعض الدراسات أن احتمال الحر المتطرف قد زاد بمقدار 10 مرات أو أكثر.
وأعلن بيتيري تالاس، أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن “اتفاق باريس يهدف إلى قصْر الزيادة في درجة الحرارة العالمية على أقل من درجتين مئويتين، ومواصلة الجهود صوب قصْرها على 1.5 درجة مئوية، فوق درجات حرارة ما قبل عصر الصناعة، ويؤكد هذا التقرير أن الزيادة في متوسط درجة الحرارة في عام 2015 بلغت بالفعل درجة مئوية واحدة. وقد شهدنا مؤخراً أحر فترة خمس سنوات مسجّلة، مع كون سنة 2015 هي أحر سنة فردية. وحتى ذلك الرقم القياسي من المرجح تجاوزه في عام 2016”.
وقد سلّط التقرير الضوء على بعض الظواهر الشديدة التأثير. وكان من بين تلك الظواهر حالة الجفاف في شرق أفريقيا في الفترة من 2010 إلى 2012 التي تسببت في حدوث ما يقدّر بـ 258 000 حالة وفاة إضافية، وحالة الجفاف في الجنوب الأفريقي في الفترة من 2013 إلى 2015، والفيضان في جنوب شرق آسيا في عام 2011 الذي تسبب بمقتل 800 شخص وفي خسائر اقتصادية تجاوزت قيمتها 40 بليون دولار أميركي، وموجات الحر في الهند في عام 2015 وفي باكستان في عام 2015، التي راح ضحيتها أكثر من 4 100 شخص، وإعصار ساندي في عام 2012 الذي تسبب في خسائر اقتصادية بلغت قيمتها 67 بليون دولار أميركي في الولايات المتحدة، والإعصار الشديد (التيفون) الذي تسبب في مقتل 7800 شخص في الفلبين في عام 2013.

المعالم البارزة في التقرير

شذوذ المتوسط العالمي لدرجات الحرارة على مدى خمس سنوات (بالنسبة إلى الفترة 1990-1961) في الفترة من 2011 إلى 2015، ويستخدم التحليل مراجعة وتحليل مجموعات بيانات HadCRUT4 الذي أنتجه “مركز هادلي” التابع لمكتب الأرصاد الجوية بالمملكة المتحدة بالتعاون مع وحدة البحوث المناخية بجامعة East Anglia، بالمملكة المتحدة.
وكانت الفترة 2015-2011 هي أحر فترة خمس سنوات مسجلة عالمياً وبالنسبة لجميع القارات باستثناء أفريقيا (كانت ثاني أحر فترة فيها). فقد كانت درجات الحرارة في تلك الفترة أعلى بمقدار 0.57 درجة مئوية (1.03 درجة فهرنهايت) من متوسط الفترة المرجعية المعيارية 1990-1961. وكانت أحر سنة مسجلة حتى الآن هي سنة 2015، التي كانت فيها درجات الحرارة أعلى بمقدار 0.76 درجة مئوية (1.37 درجة فهرنهايت) من متوسط درجة الحرارة في الفترة 1990-1961، تليها سنة 2014. وكانت سنة 2015 أيضاً أول سنة كانت درجة الحرارة العالمية فيها أعلى من درجة حرارة ما قبل عصر الصناعة بأكثر من درجة مئوية واحدة.
وبلغت درجات حرارة محيطات العالم أيضاً مستويات غير مسبوقة. وكان المتوسط العالمي لدرجات حرارة سطح البحر في عام 2015 هو الأعلى المسجل، مع احتلال عام 2014 المرتبة الثانية. وكانت درجات حرارة سطح البحر في تلك الفترة أعلى من المتوسط على مستوى العالم، مع كونها أقل من المتوسط في أجزاء من المحيط الجنوبي وفي الجزء الشرقي من جنوب المحيط الهادئ.
وقد أثّرت ظاهرة نينيا شديدة (2011) وظاهرة نينيو قوية (2016/2015) على درجات حرارة سنوات فرادى بدون تغيير اتجاه الاحترار الذي يمثل أساسها.

الجليد والثلوج

استمر انكماش الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية، ففي أيلول (سبتمبر) كان متوسط رقعة الجليد البحري يبلغ 4.70 ملايين كيلومترا مربعا، أي ما يقل بنسبة قدرها 28 بالمئة عن متوسط الفترة 2010-1981. وكان الحد الأدنى لرقعة الجليد البحري في الصيف، وهو 3.39 ملايين كيلومتر مربع في عام 2012، هو أقل حد أدنى مسجّل.
وعلى العكس من ذلك، في معظم الفترة 2015-2011، كانت رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية أعلى من متوسط حجمها في الفترة 2010-1981، لا سيما في ما يتعلق بالحد الأقصى الشتوي.
وقد استمر الانصهار السطحي لصفحة الثلوج في غرينلاند في الصيف بمستويات أعلى من المتوسط، مع تجاوز رقعة الانصهار الصيفي متوسط الفترة 2010-1981 في جميع السنوات الخمس الممتدة من عام 2011 إلى عام 2015. وواصلت الأنهار الجليدية الجبلية انكماشها أيضاً.
وكانت رقعة غطاء الثلوج في نصف الكرة الأرضية الشمالي أقل من المتوسط بدرجة لا يستهان بها في جميع السنوات الخمس، وفي جميع الأشهر بدءاً من أيار (مايو) إلى آب (أغسطس) بحيث واصلت اتجاهاً هبوطياً شديداً.

ارتفاع مستوى سطح البحر

عند احترار المحيطات فإنها تتمدد، مما ينتج عنه ارتفاع مستوى سطح البحر عالميا وإقليمياً على السواء. وتزايد المحتوى الحراري للمحيطات مسؤول عن حوالي 40 بالمئة من الزيادة العالمية الملحوظة في مستوى سطح البحر خلال السنوات الخمسين الماضية. وقد خلص عدد من الدراسات إلى أن مساهمة صفحات الجليد القارية، لا سيما غرينلاند وغرب المنطقة القطبية الجنوبية، في ارتفاع مستوى سطح البحر آخذة في التسارع.
وخلال فترة السجلات الساتلية، التي بدأت من عام 1993 حتى الآن، ارتفعت مستويات سطح البحر بمقدار 3 مليمترات تقريباً سنوياً، مقارنةً بمتوسط الاتجاه في الفترة 2010-1900 (المستند إلى مقاييس المد والجزر) البالغ 1.7 مليمتر سنوياً.

تغيّر المناخ والطقس المتطرف

لقد زادت احتمالات ظواهر طقس ومناخ متطرف فرادى كثيرة سُجلت خلال الفترة 2015-2011 نتيجة لتغير المناخ بفعل الإنسان (البشري المنشأ). وفي حالة بعض درجات الحرارة المرتفعة المتطرفة، زادت الاحتمالات بمعامل عشرة أو أكثر.
وتشمل الأمثلة على ذلك درجات الحرارة الموسمية والسنوية القياسية المرتفعة في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2012، وفي أستراليا في عام 2013، وفصول الصيف الحار في شرقي آسيا وغربي أوروبا في عام 2013، وموجات الحر في فصلي الربيع والخريف في أستراليا في عام 2014، ودرجات الحرارة السنوية القياسية في عام 2014، وموجة الحر التي شهدتها الأرجنتين في كانون الأول (ديسمبر) 2013.
ولم تكن المؤشرات المباشرة بنفس القوة في ما يتعلق بتطرفات الهطول (المرتفعة والمنخفضة على السواء). ففي حالات متعددة، بما في ذلك الفيضان الذي حدث في عام 2011 في جنوب شرق آسيا، وحالة الجفاف التي حدثت في الفترة 2015-2013 في جنوب البرازيل، وشتاء 2014-2013 المطير جداً في المملكة المتحدة، لم يتبين وجود أي دليل واضح على تأثير من تغير المناخ البشري المنشأ. ومع ذلك، في حالة سقوط الأمطار المتطرف في المملكة المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) 2015، تبين أن تغير المناخ أدى إلى زيادة احتمال حدوث هذه الظاهرة بنسبة بلغت 40 بالمئة تقريباً.
وقد ارتبطت ببعض الآثار زيادة الهشاشة. فقد تبين من دراسة لحالة الجفاف التي حدثت في عام 2014 في جنوب شرق البرازيل حدوث حالات عجز مماثلة في سقوط الأمطار في ثلاث مناسبات أخرى منذ عام 1940، ولكن الآثار تفاقمت نتيجة لحدوث زيادة كبيرة في الطلب على المياه، بسبب نمو عدد السكان.
وتتسق بعض الظواهر الأطول أجلاً، التي لم تخضع بعد لدراسات رسمية، مع إسقاطات تغير المناخ على المديين القريب والطويل. وتشمل هذه الظواهر زيادة حدوث جفاف متعدد السنوات في المناطق دون المدارية، مثلما ظهر في الفترة 2015-2011 في الولايات المتحدة الجنوبية، وأجزاء من جنوب أستراليا، وقرب نهاية الفترة في الجنوب الأفريقي.
وكانت هناك أيضاً ظواهر، من قبيل مواسم الجفاف الشديد والمواسم الحارة المطوّلة بشكل غير عادي في حوض الأمازون في البرازيل في عامي 2014 و2015 على السواء، تثير القلق باعتبارها “نقاط تحوّل” محتملة في نظام المناخ.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This