الدراسة «العلمية الدقيقة» التي استغرق إعدادها ستة أشهر أدارها باحثون فنيون عملوا على أخذ عينات بالطرق السليمة للتثبت من محتويات العينة، ولوحظ أنه في بعض العينات كان من الصعب إجراء التحاليل المخبرية لكثرة احتوائها على الملوثات التي يفوق حجمها نحو 100 ضعف من الرقم المسموح به عالميا، خصوصا بالنسبة إلى التلوث الكيميائي، أما في التلوث الجرثومي فعثر على عينات تحمل مئة ألف من القولونيات الجرثومية مقابل معدل عام صفر في المئة، بحسب مدير عام المصلحة ميشال افرام.
يؤكد افرام أن المصلحة فتشت عن بئر مياه ارتوازية سليمة أو صالحة للشرب إلا أنها لم تعثر سوى على عدد لا يتجاوز عدده أصابع اليد من الآبار الصالحة من أصل 120 بئرا تم فحصها مخبريا موزعة على مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب إلى الشمال ومن عكار إلى سهل البقاع، إضافة إلى فحوص أجريت على المجاري النهرية والبحرية.
بحسب الدراسة، التي قام افرام بشرحها، فإن ما بين 80 إلى 100 في المئة من عينات المياه التي تم فحصها تحتوي على بكتيريا يطلق عليها اسم إيشريشيا كولي وقولونيات بأرقام تصل إلى مئات الآلاف داخل كل عينة، وهي فيروسات تأتي من اختلاط المياه مع مجاري الصرف الصحي.
يشير افرام إلى أنه «من المؤشرات الخطيرة في الدراسة عدم وجود منطقة لبنانية سليمة وخالية من التلوث، ان كان جرثوميا او كيميائيا، فالتلوث بات مرتبطا وملتصقا بالوحدات السكنية في ظل غياب المعالجات الجادة له».
وحلت منطقتا البقاع وعكار على رأس لائحة المناطق الملوثة مياهها جرثوميا وكيميائية بنسبة 100 في المئة، وبنسب تبلغ أضعاف نسب المناطق اللبنانية الأخرى. ومن الأمثلة على ذلك نهر شدرا الذي يعد مصدرا مائيا أساسيا في تلك المنطقة، إذ دلت فحوص عيناته على وجود تلوث كيميائي وجرثومي .
اما في البقاع، فالتلوث حاضر في كل الاماكن من الأنهر والينابيع إلى الآبار الارتوازية وصولا إلى السهل والترب الزراعية، إضافة إلى السلع الزراعية المنتجة والمروية بمياه الصرف الصحي في الأراضي الزراعية، التي تبلغ مساحتها نحو 6 آلاف دونم والملوثة أجزاء كبيرة منها بمخلفات المعامل الصناعية.
ولم تسلم المناطق الجبلية من التلوث الجرثومي والكيميائي، إذ لاحظ الباحثون وجود تلوث كيميائي من خلال احتواء اغلب العينات على معادن ثقيلة خصوصا الزئبق، وفق عينات أخذت من كسروان وفاريا ومغارة افقا وهي مناطق يصل ارتفاعها عن سطح البحر إلى ما يزيد عن 1400 متر، الامر الذي يؤكد وجود ملوثات صناعية ونفايات صلبة ترمى في أعالي تلك المناطق وتتسرب الى المياه الجوفية او نفايات قديمة وتتسرب محتوياتها الى المياه الجوفية.
يحذر افرام من أن مجرى التلوث يكمل مساره مع مجرى المياه وبالتالي يمكنه الانتقال من منطقة إلى أخرى، وعليه يمكن أن ينتقل من السلسلة الشرقية ويصل الى السلسلة الغربية والعكس صحيح .
واغرب ما في الدراسة هو اكتشاف الباحثين للتلوث في مناطق تعد نائية إلى حد ما عن مجاري الصرف الصحي والملوثات الصناعية كما هي الحال في حاصبيا فقد عثر هؤلاء على كميات من الزئبق في بئر السلطانة، علما أن التوجه إلى حاصبيا كان هدفه التأكد من أسباب ارتفاع الاصابة بالأمراض المعوية و «الصفيرة» (الالتهاب الكبدي الفيروسي) الذي يعاني منه أبناء البلدة كثيرا خلال فصل الصيف، فقدمت أرقام التلوث تفسيرا علميا واضحا حول تفشي هذه الامراض في المنطقة.
يؤكد افرام أنه لم يسلم من هذا التلوث سوى ثلاثة مواقع هي الجية وشكا وجبيل. ويعدد افرام بؤر التلوث: نهر الأولي، الكلب، انطلياس، قاديشا، البردوني، الليطاني (هذان لا يحتاجان إلى فحوص)، المجاري المائية في الناقورة، بركة رأس العين في صور، بئر ملوثة بالزئبق في النبطية، نبع اليمونة ملوث بالجراثيم القولونية، مياه مغارة افقا ملوثة جرثوميا، مياه نبع بريج في الشوف عثر بداخلها على كادميوم وزئبق.
وتستمر سلسلة المجاري المائية الملوثة إلى زغرتا لتطال مياه نبع كوسبا الملوثة كيميائيا، نبع مار سركيس في إهدن، مياه اهمج ووطى الجوز وهي مواقع تعد غير مطابقة للمواصفات جرثوميا وكيميائيا وغير صالحة لاي استعمال، بحيرة العاقورة في جبيل، نبع العسل في فاريا الذي تحول الى مجرى للملوثات الجرثومية.
لم يعد الليطاني المجرى المائي الوحيد في دائرة التلوث، انضم إليه معظم مجاري لبنان المائية وآباره!
سامر الحسيني – ألسفير
تظهر الدراسة التي أجرتها مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة، وجود تلوث في كل المجاري المائية والنهرية والبحرية، بنسبة تتراوح بين 80 إلى 100 في المئة من العينات التي تم فحصها مخبريا وشملت كل مناطق لبنان. في حين أن ما نسبته 50 في المئة من المصادر المائية تحتوي على تلوث كيميائي بكميات كبيرة جدا من المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم والنحاس وهي معادن مسببة للأمراض السرطانية بتأكيد أكثر من مصدر طبي.