مايا نادر
حدّدت الجمعية العام للامم المتحدة، في العام 2001 يوم 6 تشرين الثاني (نوفمبر) “اليوم العالمي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية”، وفي نفس اليوم من كل عام يوجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة يدعو فيها الشعوب والدول إلى نبذ العنف والحروب حماية للبيئة ومواردها، كما تنشط الهيئات البيئية على مستوى العالم في التوعية بهذا الجانب بأشكال وطرق مختلفة.
رغم ضبابية هذا المفهوم، الا انه ومنذ سنوات طويلة والحروب مستمرّة، وقد وجد برنامج الامم المتحدة البيئي أن ما لا يقل عن 40 بالمئة من الصراعات الداخلية خلال السنوات الستين الماضية ارتبطت باستغلال الموارد الطبيعية، سواء كانت موارد ذات قيمة عالية، مثل الأخشاب والماس والذهب والنفط، أو موارد نادرة مثل الأراضي الخصبة والمياه. كما تم التوصل أيضاً الى أن فرص تأجج النزاعات تتضاعف اذا كانت مرتبطة بالموارد الطبيعية.
ضبابة هذا المفهوم تتحدّد في كيفية مقاربته، فهل المقصود هنا تأثير الحروب على البيئة أو عدم استخدام البيئة كذريعة للتجاذبات والحروب العسكرية؟
في الحالتين، تدفع البيئة الثمن، فاستخدام البيئة كذريعة لإشعال الفتن يعود الى سنوات طويلة، فضلاً عن أن الحروب الاخيرة التي استعملت فيها كافة أنواع الاسلحة ومنها الكيميائية قد لوّثت الجو والبحر، إضافة الى تدمير الحرب لمواقع أثرية تاريخية، ورغم أن البشر يحصون دائماُ خسائر الحروب بعدد القتلى والجرحى بين الجنود والمدنيين وبما تم تدميره من مدن تبقى البيئة، في كثير من الأحيان، ضحية غير معلنة للحروب.
وبعيداً من الحرب الدائرة في بعض المناطق العربية، وخصوصاً سوريا والعراق، فنّد الباحث والخبير في شؤون المياه في الشرق الاوسط صاحب الربيعي في حديث لـ greenarea.info معلومات حول الحروب التي جرت وما زالت، وربما قد تحصل بسبب الموارد الطبيعية.
في ما يخصّ الحروب التي حصلت للسيطرة على منابع الموارد المائية والممرات البحرية، عدّدها الربيعي منذ حرب الـ 1967 التي حصلت بين العرب و (إسرائيل) وسيطرت هذه الاخيرة على منابع نهر الاردن وبحيرة طبريا والمياه الجوفية في الضفة الغربية – الخط الاخضر – وقناة السويس.
في العام 1973، تحدث الربيعي عن حرب بادر فيها العرب في محاولة لاستعادة ما خسروه في حرب الـ 1967. في العام 1982 شنّت (اسرائيل) حرباً على لبنان سيطرت فيها على منابع نهري الليطاني والوزاني، فضلاً عن حرب استمرت منذ العام 1980 الى العام 1988 بين العراق وايران لاعادة ترسيم الحدود المائية في شط العرب.
آخر المعارك كانت عام 1990 بين العراق والكويت للسيطرة على مضيقي جزيرتي بوبيان في شط العرب وفيلكا في مدخل الخليج العربي.
من الحروب الفعلية الى التوترات التي كادت أن تؤدي الى حروب بسبب النزاعات المائية، تحدث الربيعي قائلاً: “ابرزها النزاع الذي حصل عام 1976 بين العراق وسوريا حول تقاسم حصص مياه نهر الفرات، يليها النزاع اوائل التسعينيات من القرن الماضي بين العراق وسوريا من جهة، وتركيا من جهة أخرى حول تقاسم نهري دجلة والفرات، بينما ما يزال النزاع مستمراً حول مشروع الكاب التركي لقطع مياه النهرين عن سوريا والعراق”.
النزاع الثالث الذي تحدث عنه الربيعي استمر على مدى أربعة عقود بين العراق وايران “لسعيها المستمر على مراحل وسنوات قطع 9 روافد تجري من أراضيها وتصب في نهر دجلة بالاراضي العراقية.
وتابع الربيعي: “النزاع الرابع حصل في عقد الثمانينيات والتسيعنيات بين سوريا والأردن حول تقاسم حصص مياه نهر اليرموك، اما الخامس فحصل في في أواخر التسيعنيات بين سوريا ولبنان حول توزيع حصص مياه نهر العاصي. والنزاع المستمر بين مصر والسودان حول تقاسم حصص مياه النيل”.
فضلاً عن ذلك، تحدث الربيعي عن نزاع متأرجح حسب المزاج السياسي بين الجزائر وتونس حول تقاسم مياه وادي نهر مجردة، والنزاع بين موريتانيا والسنغال حول توزيع حصص مياه وادي نهر السنغال، واخيراً النزاع بين أثيوبيا والصومال حول توزيع حصص مياه نهري جوبا وشبيلي.
اضافة الى النزاعات حول المياه، استطرد الربيعي للحديث عن الصراع حول الموارد الطبيعية (البيئية)، مقسّماً إياه على ثلاثة محاور. اولها الصراع في العقد الأخير من القرن الحادي والعشرين بين مصر، سوريا، لبنان وفلسطين من جهة و(إسرائيل) من جهة ثانية حول تقاسم حصص حقل الغاز المشترك في البحر المتوسط، فضلاً على قبرص واليونان.
الصراع الثاني يلخّص حرب 1980-1988 بين العراق وإيران، أحد أسبابها النزاع حول ملكية الحقول النفطية قرب الحدود بين البلدين، وكذلك حرب عام 1990 بين العراق والكويت للسبب نفسه. وأخيراً الصراع بين دول الخليج العربي حول تقاسم المياه الجوفية والحدود البحرية.
بين الحروب التي حصلت وتلك المستمرّة، تطرق الربيعي للحروب المحتملة حول التلوث العابر للحدود، ولخّصها بثلاثة: “تلوث الموارد المائية بين دول المنبع والمصب، تلوث الخلجان والمضائق المائية بالمواد البترولية، أخطار التلوث النووي المحتمل لمفاعل ديمونا الإسرائيلي ومفاعل خرم شهر الإيرانية قرب الخليج العربي”.
حروب الهندسة الجيولوجية المتعلقة بالمناخ، كان لها وقع خاص في تحليل الربيعي، والمتمثلة باستخدام مادة الكميتريل – لأغراض عسكرية – لتجفيف أراضي دولة العدو وتصحيرها أو اغراقها بالفيضانات الاصطناعية. واستخدام سلاح الهارب – لأغراض عسكرية – لإحداث الزلازل الأرضية والتسبب بالدمار الشامل.
في المحصّلة شدد الربيعي على ان “كافة الحروب السابقة والنزاعات حول الموارد المائية والمضائق البحرية والموارد الطبيعية مرحّجة للاندلاع ثانية، أو يتطور النزاع إلى حرب بسبب شح الموارد المائية واستخدام المياه كسلاح من دول المنبع ضد دول المصب، والتنافس على الموارد الطبيعية الشحيحة لسد متطلبات الزيادات السكانية المطردة في منطقة تعاني من تغيرات مناخية قاسية وموقعها الجغرافي الصحراوي وسوء إدارة الموارد الطبيعية، وارتفاع نسب الفقر والجوع والبطالة، وحكومات فاشلة ومستهترة بحقوق شعوبها وغير مهتمة بالآثار السلبية للبيئة على الصحة العامة للإنسان والتنوع البيولوجي”.
كرّست الجمعية العامة جهودها لنشر الوعي اللازم بشأن الحفاظ على البيئة، كما علّقت أهمية كبيرة على ضمان أن يكون العمل على البيئة جزءاً من استراتيجيات منع الصراع وحفظ السلام وبناءه – لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا دمرت الموارد الطبيعية التي تدعم سبل العيش والنظم الإيكولوجية، بحسب الأمم المتحدة. .. الا وانه على الرغم من التشديد على ضرورة حماية بيئتنا المشتركة، إلا أنها لازالت تتعرض اليوم لكل أنواع الدمار والخراب في نطاق جغرافي واسع يشهد حروباً شرسة لا تستثني من الأرض شيئا .