حبيب معلوف – السفير
لا تُعتبر مسارعة الدول للتوقيع والتصديق على اتفاقية باريس (192 دولة وقعت و109 دول صدّقت) بعد أقل من سنة على إبرامها، لكي تصبح اتفاقية «تاريخية» ومنقذة للمناخ. ولا يُعتبر العدد الكبير للمشاركين في مؤتمر مراكش (بين 25 و30 ألف مشارك) الذي أنهى الأسبوع الاول من أعماله، دليلاً على الحماسة والحيوية لإيجاد السبل التنفيذية لهذا الاتفاق، كما هو معلن، وأننا نسير على الدرب الصحيح لإنقاذ المناخ. كما لا يُعتَبر وصول رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية لا يؤمن بهذه القضية ويهدّد بإلغاء التعهّدات والاتفاقية نفسها، دليل شؤم، على ما يذهب بعض المحللين هنا في مراكش، ومؤشر على بدء تراجع دول العالم عن الوفاء بالالتزامات للحدّ من الانبعاثات المتسبّبة بتغيّر المناخ. فاتفاقية باريس (التي تمّ التوصل إليها نهاية العام الماضي) بحدّ ذاتها ليست منقذة، وقد كان همّها إنقاذ ماء وجه الدول المفاوضة أكثر من إنقاذ المناخ.
غالبيّة التقارير الأساسية كتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة «اليونيب» الذي تزامن صدوره مع موعد انعقاد قمة مراكش، تؤكد أن سنة 2016 كانت الأكثر احتراراً وان انبعاثات الأرض تسجل أرقاماً قياسية جديدة! ويؤكد التقرير أن على العالم زيادة طموحه بصورة عاجلة وضخمة لخفض ما يقرب من ربع انبعاثات غازات الدفيئة المتوقعة لعام 2030، لكي يكون لديه بعض الأمل في الحد من ظاهرة تغيّر المناخ الخطيرة. وهو ما يبدو مستحيلاً، في ظل التوقعات والتعهدات العالمية المعروفة.
يؤكد تقرير «اليونيب» الذي صدر قبل يوم واحد من دخول اتفاق باريس حيز التنفيذ (بداية الشهر الحالي) تحت عنوان «فجوة الانبعاثات – 2016»، أن العالم لا يزال متّجهاً نحو ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار 2،9 الى 3،4 درجة مئوية خلال هذا القرن حتى مع تعهّدات باريس!
بالرغم من هذه النظرة السوداء لواقع المناخ العالمي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، يرى المراقبون هنا في مراكش، أن همّ المجتمعين هو الإجابة عن سؤال: كيف يمكن للعالم أن يحقق هدف اتفاق باريس ومواصلة الجهود للبقاء تحت 1.5 درجة مئوية في درجات الحرارة؟
الموضوع القديم – الجديد الذي بات يقلق كثرًا حول العالم، هو كيفية تقييم الأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ والتكيف مع هذه الظاهرة. وقد أخذ موضوع آلية تقييم «الخسائر والأضرار» وإيجاد الأطر السياسية العامة لمساعدة المجتمعات المحلية على التعامل مع مجموعة متنوعة من آثار تغيّر المناخ، الحيّز الأساسي من اهتمام ممثلي البلدان النامية واعتبار مطلب المساعدات واجباً أو ديناً أخلاقياً على الدول المتقدّمة تقديمه. كما اعتبروا أن المطلوب تمويل عاجل لمساعدة ما لا يقلّ عن 135 مليون شخص معرّضين لخطر التهجير البيئي بسبب تدهور الأراضي وخسارة موارد رزقهم.
في مراكش تنشط حكومات كثيرة لكي تظهر للعالم أنها تقوم بمبادرات تسمّيها «طموحة»، من اجل دعم ونمو الطاقة المتجددة ومبادرة كفاءة الطاقة، وتقول الدول الأفريقية أنها جذبت، بعد اتفاق باريس ما لا يقل عن 10 مليارات دولار ميركي لتمويل مشاريع لإنتاج الطاقة المتجددة.
هذا الموضوع، مرتبط كما بات معروفاً بصندوق المناخ وبالتعهدات بجمع 100 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2020، ويأمل كثيرون أن ينجح اجتماع مراكش بوضع «خريطة طريق» لتحقيق هذا الهدف في التاريخ المذكور، الذي يتوقع كثر أن يكون مصيره شبيهاً بكل صناديق المناخ السابقة التي بقيت فارغة.
مع بداية الاسبوع الثاني من المفاوضات، لم يتغير الكثير في طبيعة المداولات، إلا على مستوى الانتقال من «التقني» الى «السياسي» مع بدء وصول رؤساء الوفود من رؤساء دول وحكومات ووزراء. وكل ما يُسمّى «الطموح» الآن، هو أن يصدر في نهاية هذه الجولة من المفاوضات «نداء مراكش للعمل»، وهو كناية عن بيان سياسي، يحفظ وجه الدولة المستضيفة، تمامًا كما حفظ اتفاق باريس العام الماضي، وجه دول العالم المتنازعة والمتنافسة على كل شيء… وهو ما لا يقدّم ولا يؤخّر في الاتجاهات السلبية جداً لتغير المناخ العالمي والكوارث التي سيتسبب بها.