لا تزال خطة “المطامر الشاطئية” تنازع في حكومة تصريف الاعمال التي يتوقع ان يطول أمدها مع تعثر الاتفاق على التشكيلة الحكومية الجديدة، ولعل تقاذف القوى السياسية “كرة” حقيبة البيئة في الحكومة الجديدة، هو خير دليل على ان ملف النفايات الذي يقع ضمن سلطة وصاية هذه الوزارة، لا يزال يشكل عامل قلق لمختلف الاطراف داخل السلطة وخارجها.
وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن التركيبة الحكومية المطروحة سواء ضمن صيغة 24 أو 30 وزيراً ترجح إسناد هذه الحقيبة الى النائب السابق أيمن شقير، مع ما يعني تولي الفريق الجنبلاطي للمسؤولية في ملف النفايات، بمساندة من وزير الزراعة الحالي أكرم شهيب المتوقع ان يعود الى موقعه كرئيس للجنة البيئة النيابية، في حال توزير رئيسها الحالي النائب مرأون حمادة.
ومعلوم ان الكارثة الكبرى على مستوى ادارة النفايات في جبل لبنان تتمثل في تعثر اطلاق مناقصة في قضاءي الشوف وعاليه، مناطق الثقل السياسي للنائب وليد جنبلاط، بسبب فشل الاتفاق بين البلديات المعنية، خصوصاً في منطقة اقليم الخروب على تحديد موقع لاقامة مطمر صحي، بحسب ما نص عليه القرار الصادر عن مجلس الوزراء في آذار (مارس) الماضي. وفي ظل تصاعد الحملة السياسية، على خلفية تكدس النفايات في قضاءي الشوف وعاليه، خصوصاً الخطاب الاخير للوزير الأسبق وئام وهاب، تحركت الماكنية “الاشتراكية” على اكثر من جبهة لمحأولة تدارك الواقع الحالي المستفحل. ففي منطقة الشوف الاعلى، تم الاتفاق على اقامة مكب للنفايات يراعي الحد الادنى لأعمال التخزين في منطقة كفرنبرخ، لكن هذا المكب لا يغطي إلا عددا صغيرا من البلدات، علماً انه في ما لو نجحت المساعي لبدء نقل النفايات الى هذا الموقع، فإنه سيتحول لاحقاً الى مركز لتجميع نفايات مختلف قرى الشوف الاعلى والأوسط، أما في اقليم الخروب، فلا يزال الوضع على ما هو عليه، وسربت معلومات ان عددا من البلديات قد بدأت ترمي النفايات في ما يعرف بموقع “كسارات الكجك” في الجية، والمملوكة من المقأول جهاد العرب وعدد آخر من المالكين، وان الاخير قد غض الطرف عن هذا التصرف، لانه يطمح ان يكرس هذا الموقع مكباً عشوائياً لفترة مؤقته، ما يمهد لإعادة طرح اقامة مطمر صحي عليه، وفق الخطة التي طرحت في مجلس الوزراء العام الماضي، والتي تم رفضها من قبل الاهالي الذين عمدوا الى مصادرة الشاحنات التي كانت تنقل النفايات من بيروت الى هذا الموقع في آب (أغسطس 2016.
على صعيد مطمر برج حمود، نجح محامي “شركة الخوري للمقأولات” في وقف تنفيذ قرار قاضي العجلة بوقف اعمال الانشاء والتجهيز في الموقع، بعد ان اثبت ان احتمال وجود نفايات سامة أو مشعة في الموقع، لا يعطي للشكوى المرفوعة صفة العجلة لوقف الاعمال، وان الاجراءات المنوي اتخاذها في حال العثور على اي من هذه المواد، سوف يكون عبر الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، ومن خلال القنوات الرسمية الممثلة بـ “مجلس الانماء والاعمار” و”المجلس الوطني للبحوث العلمية”.
أما على صعيد مطمر الكوستابرافا، فإن تعثر عقد جلسة مشاركة للعامة التي كانت مقررة الشهر الماضي في بلدية الشويفات، أخرت رفع تقرير دراسة الاثر البيئي للموقع الذي اعدته “شركة رفيق خوري”. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن وزارة البيئة وضعت مجموعة من الملاحظات على التقرير الأولي، وطلبت تقديم ايضاحات اضافية “شكلية”، الامر الذي يوحي ان الوزير نهاد المشنوق يحأول تجنب التوقيع على اي قرار يتعلق بالاثر البيئي للمطامر الشاطئية، رامياً هذا الملف الى خلفه. لكن هذا لا يلغي ان اعمال الردم والطمر في الموقع لم تتوقف دقيقة واحدة، سواء صدرت دراسة الاثر البيئي أو لم تصدر.
وبمعزل عن الفترات التي توقفت فيها اعمال التخزين بسبب الاحتجاجات الشعبية أو القرارات القضائية والادارية، فإن اعمال تكديس النفايات في مطمري برج حمود – الجديدة، ومطمر مصب نهر الغدير – الشويفات (الكوستابرافا)، التي بدأت منذ 25 آذار (مارس) 2016، بمعدل حوالي 2600 طن يومياً مستمرة دون توقف، ولا تزال تقبع في مراكز التخزين المؤقت القريبة من مواقع المطامر مئات الآلاف من الاطنان تنتظر الطمر. اما نفايات منطقتي الشوف وعاليه فتتكدس يوميا في الطرقات والمكبات العشوائية، أو تحرق في الهواء الطلق الذي بات مسرطناً بامتياز، منذ تاريخ نقل النفايات المتراكمة عن أزمة تموز (يوليو) 2015 الى مطمر الناعمة واغلاقه نهائياً في 20 ايار (مايو) 2016.
ويتبين وفق النتائج النهائية للمناقصات التي اجراها “مجلس الانماء والاعمار”، انتقال قطاع ادارة النفايات بشكل كامل الى شركات جديدة لا تملك اي خبرة سابقة في قطاع النفايات، وتدور شكوك حول صورية ووهمية بعضها! في حين تستعد بلدية بيروت لاطلاق مناقصات مستقلة، ويتعثر اطلاق مناقصات في قضاءي الشوف وعاليه لغياب التوافق السياسي حول المواقع. وهذه ابرز التطورات على صعيد المناقصات:
مناقصات انشاء المطامر
- تلزيم انشاء مطمر برج حمود – الجديدة – البوشرية – السد والحاجز البحري المخصص لحمايته، الى “شركة خوري للمقاولات” التي قدمت أدنى الأسعار في المناقصة، وبكلفة تقديرية تبلغ /109,370,668/ دولارا أميركيا، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة.
- تلزيم إنشاء مطمر قرب مصب نهر الغدير في الشويفات المعروف باسم مطمر “الكوستابرافا”، البحري المخصص لحمايته، الى “شركة الجهاد للمقاولات” التي قدمت أدنى الأسعار في المناقصة، وبكلفة تقديرية تبلغ /59,553,576/دولارا أميركيا بما فيها الضريبة على القيمة المضافة. وذلك في المناقصة الثانية التي اجريت لتلزيم المشروع بعد ان الغيت نتائج المناقصة الأولى، ويتبين ان اجمالي المبلغ الذي تنازلت عنها “شركة الجهاد”، يبلغ قرابة 12.27 مليون دولار اميركي، اذ انه في المناقصة الأولى قدمت سعرا بلغ 65.3 مليون دولار اميركي بدون الضريبة على القيمة المضافة.
- تلزيم مناقصة الاشراف على إنشاء وتطوير المطمر الصحي برج حمود – الجديدة – البوشرية – السد، التي فازت بها الشركة الاستشارية رفيق الخوري وشركاه، التي قدمت عرض اسعار بلغ 0.4025 بالمئة من قيمة المشروع الاساسي.
- تلزيم مناقصة الاشراف على إنشاء وتطوير المطمر الصحي قرب مصب نهر الغدير – الشويفات، التي فازت بها المجموعة المندمجة (دار الهندسة – نزيه طالب وشركاه، وشركة الحلول البيئية المستدامة).
- تعثر اطلاق مناقصة انشاء مطمر لنفايات قضاءي الشوف وعاليه، بسبب عدم تحديد موقع المطمر من قبل مجلس الوزراء.
تجدر الاشارة الى ان العقود الموقعة مع الشركات التي تتولى ادارة المطامر الصحية مدتها الزمنية اربع سنوات، لكن حجم النفايات التي تدخل يومياً الى المطمر تبرهن ان مطمري برج حمود والشويفات (الكوستابرافا) اللذين صمما لاستيعاب مليونين ومئتي الف طن من النفايات سوف يستنفذان طاقتهما الاستيعابية منتصف العام 2018.
مناقصات الكنس والجمع والنقل
ترسية مناقصة جمع ونقل النفايات ضمن المنطقة الخدمات الأولى التي تضم قضاءي كسروان والمتن لصالح ائتلاف “شركة رامكو للتجارة والمقاولات” (المملوكة من وسام عماش) مع “شركة Atlas Yapı San” التركية، بسعر اجمالي بلغ ٨٦,٢٥ مليون دولار أميركي، على اساس سبع سنوات تعاقد، مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة (٢٧,٠٩ دولار للطن – ١١٠٠ طن يومياً – ٧ سنوات + VAT). على ان تبدأ الاعمال بتاريخ ٨ اذار (مارس) ٢٠١٧.
ترسية مناقصة جمع ونقل النفايات ضمن المنطقة الخدماتية الثانية التي تضم اقضية عاليه والشوف وبعبدا، لصالح ائتلاف “شركة معوض وإده” مع “شركة Soriko” البلغارية، بسعر اجمالي بلغ ١٢٨,٧٦ مليون دولار أميركي، على اساس سبع سنوات تعاقد، مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة (٢٦,٩٥ دولار للطن – ١٤٠٠ طن يومياً – ٧ سنوات + VAT). على ان تبدأ الاعمال بتاريخ ٨ آذار (مارس) ٢٠١٧.
إعلان بلدية بيروت عن نيتها اطلاق مناقصة كنس وجمع النفايات ضمن النطاق الاداري لبلدية بيروت مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ولقد اعلن رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني ان دفتر الشروط سيتضمن مواصفات تكفل جمع النفايات بطريقة لا تشمل كبس النفايات وخلطها ضمن شاحنة واحدة، وبما يتوافق مع دفاتر الشروط التي يفترض ان تتضمن شروطا محددة لمعالجة النفايات وفق تقنية تحويل النفايات الى طاقة.
عدم اعلان “مجلس الانماء والاعمار” عن موعد التقدم الى مناقصة/ات الاشراف على اعمال الجمع والنقل والفرز والمعالجة للمناقصات التي تمت ترسية عقودها.
مناقصات الفرز والمعالجة
ترسية مناقصة أعمال فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة لمناطق بيروت الإدارية وجبل لبنان باستثناء عاليه والشوف وجبيل، لصالح ائلاف “شركة الجهاد للمقاولات” (المملوكة من جهاد العرب)، مع “شركة Soriko” البلغارية بسعر 15.05 دولار أميركي لفرز طن النفايات، وسعر 9.05 دولار اميركي لتسبيخ طن النفايات. وبلغت قيمة العقد النهائي قرابة ٨١ مليون دولار اميركي، على اساس احتساب الكمية الواردة يوميا ًالى معامل الفرز في الكرنيتنا والعمروسية ٢٦٠٠ طن، والمدة الزمنية اربع سنوات، وتشمل هذه الكلفة تطوير “معمل الكورال”، ورفع قدرته الاستيعابية من ٣٠٠ الى ٧٥٠ طن يومياً، ضمن مهلة زمنية لا تتعدى ثمانية اشهر من تاريخ التلزيم. على ان تبدأ الاعمال بتاريخ ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧.
تعثر اطلاق مناقصة فرز ومعالجة نفايات قضاءي الشوف وعاليه، بسبب عدم تحديد موقع من قبل مجلس الوزراء.
يدرس ديوان المحاسبة مسودة العقد الموقع بين المجلس البلدي لبلدية بيروت، وشركة IBC المشغلة لمعمل معالجة النفايات الصلبة في المدينة، لنقل ومعالجة ٢٥٠ طن من نفايات مدينة بيروت بسعر بلغ ٨٥ دولاراً اميركياً للطن الواحد.
إعلان بلدية بيروت عن نيتها اطلاق مناقصة عالمية، تشمل مرحلة التأهيل المسبق للشركات، لانشاء معمل لمعالجة النفايات عن طريق تقنية التفكيك الحراري بقدر استيعابية تبلغ ٦٥٠ طن من النفايات يومياً. ورغم اعلان رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني ان موعد اعلان مرحلة التأهيل المسبق سيكون على الارجح مطلع العام المقبل، فإن هذا القرار لا يزال ينتظر موافقة مجلس الوزراء، لجهة تعديل القرار رقم 46 الصادر عن مجلس الوزراء عام 2014، عبر السماح للبلدية بإجراء هذه المناقصة بشكل مستقل، وبمعزل عن التكليف المعطى لـ “مجلس الانماء والاعمار”.
تأجيل موعد اطلاق مناقصة لتلزيم مشاريع تحويل النفايات الى طاقة عبر “مجلس الانماء والاعمار”، باعتماد تقنية التفكيك الحراري وبطاقة استيعابية تبلغ ٢٠٠٠ طن من النفايات يومياً، وكان مجلس الوزراء قد اعلن في الجلسة التي عقدت في 27 نيسان (ابريل) 2016 عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة لدراسة دفتر الشروط العائد للمحارق المتعلقة بمعالجة النفايات، ما يعني عملياً نسف كامل للجدول الزمني الذي سبق واعلن عنه “مجلس الانماء والاعمار” لإطلاق مناقصة المحارق، التي حدد مجلس الانماء والاعمار تاريخ 11 تموز (يوليو) 2016 موعدا لاطلاقها، يليها اربعة اشهر لتقديم عروض المناقصة تنتهي في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، وعشرة اشهر لتوقيع العقد (11 ايار – مايو 2017) و36 شهراً لانجاز الاشغال وبدء التشغيل (12 ايار – مايو 2020).
ماذا عن لامركزية الحل؟
أنتج الاعتراض الكتائبي على انشاء مطمر برج حمود – الجديدة، تعهدا حكوميا ونيابيا بتثبيت حق البلديات بالاستقلال عن المناقصات المركزية لادارة النفايات، بالاستناد الى القرار الذي صدر بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) 2015، وتضمن اعترافاً حكومياً غير مسبوق بحق البلديات أو اتحادات البلديات، بأن تدير معالجة نفاياتها على مسؤوليتها، شرط ان توافق لجنة فنية مركزية برئاسة وزير الداخلية والبلديات، وعضوية الوزارات المعنية وهيئات دولية ومنظمات المجتمع المدني، على اقتراح البلدية بمعالجة وإدارة النفايات ضمن نطاقها.
يتبين من مجموع المبادرات التي ظهرت خلال الازمة في تموز (يوليو) ٢٠١٥ ، ان بعض البلديات ضمن نطاق محافظة جبل لبنان، انشأت معامل صغيرة للفرز والمعالجة، ابرزها عبيه – عين درافيل، بكفيا، وبيت مري.
لكن ماذا عن المدن الرئيسية واتحادات البلديات الكبيرة؟ باستثناء قرار بلدية بيروت بإطلاق مناقصة مستقلة غير معلوم مصيرها بعد، فإن المبادرات الاخرى التي اعلن عنها وابرزها مبادرة بلدية غوسطا لانشاء معمل للنفايات، ومبادرة اتحاد بلديات المتن، واتحاد غرب عاليه، واتحاد بلديات اقليم الخروب، وغيرها من الاتحادات، لا تزال حبراً على ورق، وتواجه إما اعتراضا شعبيا، أو تداخلات مناطقية أو نزاعات داخل الاتحادات نفسها، وليس متوقعاً ان تبصر هذه المشاريع النور قريباً، خصوصاً ان حماسة وزارة الداخلية والبلديات للمساعدة التقنية في اطلاق هذه المشاريع شبه منعدمة!
الازمة ستعود!
تبرهن المعطيات الواردة في هذا التقرير، ان خطة الحكومة لم تثمر في النهاية سوى انشاء مطامر صحية قصيرة الامد، اما معامل المعالجة، فهي كما مبين اعلاه، إما خارج التداول لتعثر التوافق على موقع (الشوف وعاليه)، أو اقل بكثير من القدرة الاستيعابية المطلوبة لضمان الطمر الصحي لاربع سنوات (معمل الكورال)، أو لا تزال في طور الدرس (مناقصات التفكك الحراري)، سواء تلك التي تنوي ان تطلقها بلدية بيروت، أو تلك التي كان يفترض ان يطلقها “مجلس الانماء والاعمار”، والمعطلة الى حين التوافق عليها في مجلس الوزراء. اما المباردات البلدية الاخرى فمن المبكر الحكم على نجاحها، علماً ان غالبيتها لا تزال مجرد افكار ونوايا، وليست مشاريع جدية حددت مواقعها وتقنياتها ورصدت لها الموزانات واعدت دفاتر الشروط، ما يعني عملياً ان ازمة النفايات التي بدأت مع اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل في تموز (يوليو) ٢٠١٥، مرجحة للعودة وبقوة اكثر، في منتصف العام ٢٠١٨ على أبعد تقدير.