يحلو لعلماء البيئة في العالم أن يعرفوا الغابات على أنها “رئة العالم”، وهذه حقيقة لأنها تزود الكرة الأرضية بما تحتاجه من الأوكسجين، وتخلصها من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يعد المسؤول المباشر عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

ولكن بكل أسف تعاني هذه الرئة “الغابة” من الوجع البيئي الحقيقي عندما تقوم الحرائق بالتهام آلاف الهكتارات من الغابات التي يزيد عمرها على مئات السنين، ومن المعروف لدى الجميع أن حرائق الغابات تسبب دمارا شاملا للنظام البيئي داخل الغابة وحولها، ومن تلك الغابات التي تتعرض اليوم لحرائق كبيرة لم تتوقف منذ خمسة ايام، الغابة السورية.

تنوع حيوي

تقول الارقام الرسمية لوزارة الزراعة ان الغابة السورية تحتل ما مساحته 2 بالمئة من الاراضي السوية، اي ما يقارب (230) ألف هكتار، وتحتل محافظة اللاذقية اكبر مساحة من الغابة السورية، اي مايعادل31 بالمئة، فيما تحتل طرطوس المرتبة الثالثة بما نسبته 7,4 بالمئة.

وتصنف الغابة السورية ضمن الغابات المتوسطية (نسبة الى البحر الأبيض المتوسط) ويزيد عدد الأنواع النباتية والشجرية فيها عن 500 نوعا، كالاشجار الحراجية عريضة الاوراق والتي تشكل المخروطيات 29 بالمئة منها، وتغطى اشجار البلوط 57 بالمئة، فيما تشكل اشجار السنديان بأنواعه والبطم 9 بالمئة، وهناك انواع اخرى كاللزاب والشوح والأرز التي تنمو بكثافة على ارتفاعات عالية من الجبال السورية، ويوجد في تلك الغابة مئات الاشجار التي تتجاوز اعمارها المئة عام، وذات أطوال تصل الى اكثر من 30 مترا، كما تعتبر الغابة السورية موطنا لمئات الانواع من الحيوانات والطيور من اشهرها قديما كان النمر السورى، حيث كانت آخر المشاهدات له في سبعينيات القرن العشرين، وكذلك الدب البني السورى الذي يُعمل حاليا على اعادتة إلى بيئته الطبيعية في الجبال السورية، وهناك عدد من السلالات من الحيوانات والطيور، ومنها: الوعول، الثعالب، الخنزير البرى، الذئب، الضبع الرمادى، الايل الاسمر، الارنب البرى، الهامستر السورى، الغزلان والخلد السورى….الخ)، ومن الطيور هناك (الشحرور، الباشق، الكناري، الحسون، طائر أبو منجل السوري، الزقزاق، الانيس السوري، الغراب الزيتوني، نقار الخشب السوري، بلبل الشعير السوري، خفاش البحر المتوسط…الخ).

الحريق الكبير مستمر

اندلعت يوم الاثنين الماضي حرائق هائلة في العديد من مناطق الساحل السوري وجباله، ترافقت مع هبوب الرياح الشرقية الجافة، ورغم كل الجهود المبذولة لإخمادها الا ان الحرائق لم تتوقف، وفي الوقت الذي تشير فيه الارقام الرسمية الى أن النيران حصدت حتى الآن ما مساحته 140 هكتاراً من الأراضي الحرجية والزراعية، وعلى الرغم من أن الأشجار الحرجية شغلت 60 بالمئة من المساحات المحترقة، الا ان الحرائق طاولت ايضاً اشجار الزيتون، والسرو

والصنوبر والسنديان المعروفة بسرعة اشتعالها. ويوجه الجميع أصابع الاتهام الى الفحامين (صانعي الفحم الطبيعي)، فيما يرى آخرون ان الفلاحين الذين يريدون زراعة الارض الحرجية بمحاصيل تدر عليهم ارباحاً هم من لهم السبق في اشعال تلك الحرائق.

الأضرار البيئية لحرائق الغابة

-إن احتراق مساحات واسعة من الغابة السورية سيؤدي حتماً الى خلل في درجات الحرارة في البلاد، ذلك ان الغابة تلعب دوراً اساسياً في تلطيف الجو، سواء صيفاً ام شتاءً، وستحدث تغييرات جوهرية في كمية التبخر، النتح، …الخ.

-سيزداد جفاف الموقع مع الزمن، ذلك لان زوال الغابة نتيجة الحرائق يتناسب طرداً مع وصول اشعة الشمس إلى سطح الأرض.

-تؤدي حرائق الغابات الى حرق كل المواد العضوية المتراكمة خلال سنوات طويلة وتحترق تلك المواد محررة العناصر الغذائية. ما قد يؤدي الى اختلال في التوازن بين الإنتاج والتحلل.

-إن زوال الغابة الكلي أو الجزئي في منطقة ما يؤدي حتماً إلى تسريع اختفاء الغطاء العضوي الميت، وذلك بسبب تزايد نشاط البكتيريا والفطريات وكائنات أخرى تشبهها، والسبب العلمي لذلك يعود إلى ارتفاع درجات الحرارة عند سطح الأرض.

-نتيجة احتراق الكثير من جذور الاشجار التي تلعب دوراً هاماً في تماسك الترب، فإن هذه الاراضي بعد الحريق تتعرض للانجراف في تربها، وتصبح بالتالي عملية نمو النباتات الحراجية في المنطقة المحروقة أصعب.

-يمكن للحرائق أن تدمر جزءا من النباتات الطبية.

-يساعد حريق الغابات في ظهور حالات سرطانية عند البشر في المناطق المجاورة للغابات التي تتعرض للحرائق، ففي تقرير رسمي صادر عن منظمة الصحة العالمية OMS، يذكر أنّ حرائق الغابات، تؤدي الى انبعاث غاز يحتوي على معدن ثقيل يسمى الديوكسين (DIOXIN)، ينتشر في اجواء المدن والقرى القريبة من تلك الغابات، بل ويتسرب الى مياه وطعام ومزروعات تلك المناطق، وتعتبر الوكالة الدولية لأبحاث السرطان IARC معدن الديوكسين عاملا مسرطناً، خصوصا مع تأثيره التراكمي لمدة تتراوح بين 3 و 10 سنوات.

تهتم وسائل الاعلام العربية والعالمية بحرائق كبيرة اندلعت منذ ايام في مدن الكيان الصهيوني، متناسية ما يحدث في الغابة السورية التي تعد رئة بلاد الشام الحية، وليست الغابة في لبنان بمنأى عن الحرائق، فقد أعلنت منظمة (الفاو) لبنان من البلدان المنكوبة على مستوى حرائق الغابات.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This