أدهم جابر – السفير
أخيرا، تمكن ناشطو المجتمع المدني من انتزاع واحد من الحقوق المنتهكة لـ «الدالية».
بعد سنتين على تقديم جمعية «نحن» و «الخط الأخضر» الطعن بالمرسوم الذي سمح باستباحة أجزاء واسعة من الأملاك العامة في المنطقة العاشرة من بيروت (الروشة)، دخلت بلدية بيروت على خط السجال بين ناشطي «الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة» والدولة.
دخول كان متوقعا من قبل الناشطين، خصوصا في ظل الظروف التي صدر فيها المرسوم «المشؤوم» عن حكومة تصريف أعمال ولم يتم نشره في الجريدة الرسمية، وكأن من أصدروه كانوا يريدون مداراة معصيتهم بالكتمان.
الناشطون الذين قدموا الطعن بالمرسوم، برغم مرور ربع قرن تقريبا عليه، ربما لم يتخيلوا أن البلدية قد تقدم على خطوة تحسب لها أمام مجلس شورى الدولة، لجهة إبداء الرأي في مسألة خلافية تحوّلت إلى قضية رأي عام، وان تقدم على طلب إبطال المرسوم المذكور، خصوصا في ظل الواقع السياسي المتردي، ما يشكّل بالنسبة إلى القضية ومن يتبناها، إن وجد الإبطال طريقه إلى التنفيذ، ليس ربح جولة في معركة، بل ربح معركة برمّتها.
ويؤكد المدير التنفيذي لجمعية «نحن» محمد أيوب، أن «رأي البلدية مهم لأن مجلس شورى الدولة يجتمع لاتخاذ القرار على أساسه». ويشدد على أن الرأي الإيجابي قد «لا يسرع بالضرورة بحسم القضية التي لا يزال أمامها مسار طويل حتى تصل إلى خواتيمها».
بدوره، يشير المحامي نزار صاغية لـ «السفير»، الى أن البلدية قدمت جوابا أيدت فيه الدعوى التي رفعتها منظمات المجتمع المدني، علما ان الأملاك المنهوبة تقدر بقيمة 50 مليون دولار وهي قيمة 25 في المئة من العقار الذي جرى انتهاكه.
يضيف صاغية انه «منذ ايام نطقت البلدية بعد صمت. فقد رفعت إلى مجلس شورى الدولة، من خلال المستشار الدكتور عصام اسماعيل، لائحة جوابية مقدمة أيدت مطالب الجهة المستدعية، انطلاقا من الاعتراف بصفة ومصلحة الجهة المستدعية («الخط الأخضر»)، مؤكدة حق الجهة المستدعية الطعن بالمرسوم الذي ألغى حظر إشغال الأملاك العامة البحرية في المنطقة العاشرة من بيروت، وألغى تنازل مالكي العقارات عن 25 في المئة من مساحات عقاراتهم لمصلحة الأملاك العامة لمدينة بيروت. وذلك بالاستناد الى قانون حماية البيئة الرقم 444 تاريخ 29/7/2002».
وأوضحت البلدية، في جوابها، أن المرسوم المطعون فيه هو من فئة المراسيم التنظيمية لكونه ينظّم إشغال الأملاك العامة البحرية، وهو بهذه الصفة يخضع حتماً لموجب النشر في الجريدة الرسمية، وعلى فرض أنه لم يكن تنظيمياً بل من فئة المراسيم شبه التنظيمية لأنه يتعلق بالتخطيط والتنظيم المدني، فإن هذا النوع من القرارات يخضع لموجب النشر في الجريدة الرسمية، بحيث لا تكون نافذة وسارية المفعول تجاه الجميع إلا من تاريخ إتمام النشر القانوني كما هو حال القرارات التنظيمية.
وبالفعل فإن المرسوم المطعون فيه قد تضمّن في مادته الثالثة ما يأتي: «ينشر هذا المرسوم …». وهذا الواجب بالنشر المقرر سواء بسبب طبيعة المرسوم المطعون فيه أو بسبب الإلزام الوارد في المادة 3 من هذا المرسوم، ما يجعل من هذا المرسوم قابلاً للطعن من دون التقيّد بأي مهلة لم تسرِ بمواجهة الأفراد لامتناع الإدارة عن نشره في الجريدة الرسمية.
أضافت البلدية في ردها الذي تلقت نسخة منه الجمعية المستدعية «أما لجهة قول المستدعى ضدها بأن المرسوم المطعون فيه قد نشر في الجريدة الرسمية وذلك بفعل الإتيان على ذكره بموجب المادة الأولى من المرسوم الرقم 7464 تاريخ 10/30/1995 التي نصّت على الآتي: «… ويعاد العمل بالمرسوم الرقم 169 تاريخ 27/ 9/1989. فإن هذا الأمر يتعارض مع مفهوم النشر الذي بموجبه تسري المهل، حيث يقضي الاجتهاد أنه لصحة النشر يجب أن ينشر القرار كاملاً أي أن ينشر مع ملاحقه الإضافية إذا كانت له ملاحق. فإذا لم تنشر الجداول الملحقة في الجريدة الرسمية، فإن نشر نص القرار وحده لا يسري عليها ولا يعفي من وجوب نشرها لتسري مهل الطعن في شأنها».
وأوضحت البلدية أن المرسوم المطعون فيه يتضمن مخالفات عدة توجب إبطاله ويمكن إدراجها ضمن الأسباب الآتية: مخالفة الأصول الجوهرية المقررة في القانون. اعتبار أن الظروف الاستثنائية لا تبرر المرسوم المطعون فيه سواء لناحية إلغاء حظر إشغال الأملاك العامة في منطقة بيروت العاشرة أو لناحية إخراج أجزاء من عقارات ملكية البلدية العامة لحساب ملكية خاصة.
ومن هذه الاسباب أن التدبير الاستثنائي المقرر في المرسوم المطعون فيه يلغي حماية الأملاك العامة البحرية في منطقة بيروت العاشرة ويشوه المخطط التنظيمي المقرر لأجزاء من هذه المنطقة. وان المرسوم المطعون فيه أصبح ايضا غير مشروع لتعارضه مع مبدأ الحماية الدستورية للأملاك العامة ومع اتفاقية دولية مرعية الإجراء.
وقد اعتبرت البلدية أن المرسوم المطعون فيه هو غير مشروع من تاريخ صدوره وأصبح أيضا غير مشروع ومستحيل التطبيق لتعارضه مع مبدأ دستوري واتفاقية دولية لاحقة وملزمة ومرعية الإجراء، طالبة لهذا السبب إبطاله لتجاوز حد السلطة.
وخلصت إلى الطلب من مجلس شورى الدولة فتح المحاكمة وقبول اللائحة المقدمة منها، وقبول المراجعة شكلا، وإبطال المرسوم المطعون فيه لمخالفته القانون ومبدأ المساواة منذ إقراره وبفعل ظروف قانونية لاحقة.