في العام 2007 بادر بيار ضومط الى تأسيس “جمعية حماية جبل موسى”، ورث ضومط عن والده واحدا من أكبر مصانع الاسمنت في منطقة شكا (ترابة السبع)، وسعى على امتداد السنوات العشر الماضية، الى تقديم نفسه بصورة “خضراء” مغايرة تماماً عن الصورة “الرمادية” لصناعي يملك واحدا من أكبر مصادر التلويث والتشويه في لبنان.
عمل ضومط بجهد طيلة عامين الى ان نجح في العام 2009، بعد سنتين على تأسيس “جمعية حماية جبل موسى”، وبعد استئجار أرض شاسعة من البطريركية المارونيه والبلديّات والأوقاف، صدر قرار صنّف موقع جبل موسى محميّة محيط حيوي من قبل “اليونسكو”، وهي محمية المحيط الحيوي الرقم 455 في العالم.
وتضم الهيئة الادارية لـ “جمعية حماية جبل موسى”، رئيس الجمعية بيار ضومط، وعضوية سيزار أبي خليل، الوزير نبيل دو فريج، النائب السابق صلاح حنين، جوزيه صقر، وارماند زوين.
كما استحدثت الجمعية “نادي كبار أصدقاء جبل موسى” الذي يضم الوزير السابق ريمون عودة، والوزير السابق ميشال إده، وخليل فتّال، والاعلامي مارسيل غانم، وفيليب حلو، والوزير السابق عدنان القصار، والوزيرة السابقة نايلة معوض، والوزير السابق فريد روفايل، والباحث بول سالم.
حظيت الجمعية منذ إنشائها بدعم العديد من الجهات المانحة الدوليّة، وسعت الى تقديم نفسها مثالاً للمنظمة غير الحكومية الناجحة NGO، التي تنفذ باحترافية عاليه العديد من المشاريع الممولة من الصناديق والجهات المانحة والسفارات وشركات القطاع الخاص.
وتقول الجمعية انها تنفذ حالياً برامج التنمية المستدامة على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي من سياحة بيئية ودينية وبيوت ضيافة وتصنيع المونة والحرفيّات ومشاتل للأغراس الحرجيّة تنتج نحو 40 ألف شجيرة سنوياً، كما وظفت الجمعيّة حرّاساً ومرشدين يرافقون الزوار. واضافة الى المشاريع التنموية، نجحت الجمعية في اعداد ونشر عشرات الدراسة المتعلقة بالتنوع البيولوجي، وبحسب دراسة البرفسورين جورج وهنرييت طعمة يمتاز موقع جبل موسى بأنه الأغنى بالثروه النباتيّة، وهذا الغنى يعود إلى الارتفاعات المتفاوتة في الجبل، والتي تتراوح بين 350 و1700 متراً، مع تنوّع ملحوظ في الغطاء النباتي.
ومؤخراً أعلنت جمعية “حماية جبل موسى” أن علماء فنلنديين من “جامعة هلسنكي” اكتشفوا في المحميّة، ثلاثة أنواع من رتبة قشريات الجناح (Lepidoptera)، أحدها لم يسبق أن عُرِف مثيل له في كل أنحاء العالم، وهو يُعتبر جديداً على العِلم.
كما ان موقع جبل موسى الإستثنائي، المطلّ على وادي نهر ابراهيم، يجعله ممرّاً أساسياً للطيور المهاجرة، وهذا ما يضفي عليه أهميّه عالميّة كممر للطيور المهاجرة، وهو مصنف من قبل “المجلس العالمي لحماية الطيور”.
لماذا لم تنجح “جمعية حماية جبل موسى” في الضغط من أجل تقديم اقتراح قانون في مجلس النواب يكرس المحمية بشكل رسمي؟ على غرار 15 محمية طبيعية لبنانية مكرسة بموجب القانون، تتنوع بين برية وبحرية، وهي: جزر النخل، حرج إهدن، أرز الشوف، غابة أرز تنورين، شاطئ صور، بنتاعل، شننعير، اليمونة، وادي الحجير، أرز جاج، رامية، كفرا، دبل، بيت ليف وكرم شباط.
تفيد المعطيات القانونية والعقارية ان محمية جبل موسى صنفتها في العام 2009 منظمة “اليونسكو” من خلال برنامج الإنسان والمحيط الحيوي، من ضمن المحميات التي تتمتع بمحيط حيوي (Biosphere Reserve)، كما وضع الموقع تحت حماية وزارة البيئة بموجب المرسوم رقم 7494 الصادر في العام 2012.
يحدد ويصنف هذا المرسوم الموقع المعروف بجبل موسى – الواقع في بلدة نهر الدهب – قضاء كسروان (محافظة جبل لبنان) من المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة.
ويشمل الموقع الطبيعي بموجب هذا المرسوم الحدود التقريبية المبينة باللون الأحمر على الخرائط (أ – 1) و (أ – 2) و(أ – 3) التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المرسوم . كما يشمل الموقع الطبيعي 17 عقاراً ذات الأرقام /342/، /343/، /344/، /345/، /346/، /347/، /348/، /286/، /231/، /332/، /333/، /334/، /335/، /336/، /337/، /338/، /349/، من منطقة نهر الدهب العقارية.
وبموجب المرسوم رقم 7494 تحدد وزارة البيئة الشروط البيئية للترخيص لاية انشاءات و/أو اشغال في الموقع الطبيعي المذكور في اطار تدابير الحماية التي تراها الوزارة ضرورية. اما في ما يتعلق بالمقالع والكسارات، يتم تطبيق شروط الإبعاد المنصوص عليها في النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم المقالع والكسارات.
ويمكن ان تخضع الانشاءات و/أو الاشغال في الموقع الطبيعي، اذا رأت وزارة البيئة ذلك ضرورياً الى دراسة تقييم الأثر البيئي، أو فحص بيئي مبدئي لمراجعتها من قبل وزارة البيئة والموافقة عليها أو عدمها، وفي حال مخالفة رأي وزارة البيئة تطبق أحكام القانون رقم 444 الصادر عام 2002 (قانون حماية البيئة) لا سيما المادة الثامنة والخمسون منه.
ويفترض بموجب المادة الرابعة من المرسوم (تحديد وتصنيف جبل موسى في بلدة نهر الدهب في قضاء كسروان) ان تقدم وزارة البيئة طلباً الى المجلس الاعلى للتنظيم المدني، لوضع الموقع الطبيعي المذكور تحت الدرس، واجراء الدراسات التنظيمية اللازمة للموقع الطبيعي وإدراج تصنيفه في المخطط التوجيهي للمنطقة، لكن هذا الاجراء لم يتم رغم مرور اربع سنوات على صدور المرسوم!
ماذا عن طبيعة ملكية العقارات التي يتضمنها المرسوم؟ تفيد المعطيات أن هذه العقارات هي بغالبيتها ملك البطريركية المارونيّة، ولقد عمدت “جمعية حماية جبل موسى” الى توسيع رقعة المحمية عن طريق استئجار عدد من العقارات المشاعية والوقفية بموجب عقود من الجهات المعنية، وهنا لائحة بهذه العقارات:
العقارات المشاعية في منطقة يحشوش العقارية ذات الأرقام 408/، /593/، /594/، /596/، /1585/، /1587/، /1588/، /1590/، /1591/، 1656/، /1661/، /1662/، وذلك بموجب عقد ايجار موقع بين “جمعية حماية جبل موسى” وبلدية يحشوش منذ العام 2009.
اضافة الى العقارات الواردة في المرسوم رقم 7494، عمدت “جمعية حماية جبل موسى” الى توقيع عقود ايجار من اصحاب العديد من العقارات الخاصة في عدد من المناطق العقارية، وهنا لائحة بهذه العقارات:
العقارات الخاصة في منطقة نهر الدهب، ذات الأرقام /309/، /287/، /288/، /289/، /234/.
العقارات الخاصة في منطقة ميروبا العقارية ذات الأرقام /1926/، /1927/، /1930/، /1931/.
العقار الخاص في منطقة وطى الجوز ذات الرقم /868/.
العقار الخاص في منطقة قهمز ذات الرقم /9/.
يتبين من الجردة الواردة اعلاه ان مجموع العقارات التي تشكل موقع محمية جبل موسى الطبيعية تشمل 17 موقعا محمياً بمرسوم، و24 مستاجراً بموجب عقود مع البلديات ضمن الملكية المشاعية، وعقود مع اصحاب الاملاك في العقارات الخاصة.
في المقابل يتبين وفق جردة مفصلة أجراها موقع greenarea.info ان هناك عشرات العقارات المحيطة بالمحمية التي تم ضمها او فرزها، ونقلت ملكيتها الى شركة تطوير عقاري واحدة، مملوكة من قبل رئيس “جمعية حماية جبل موسى” بيار ضومط ونجله جوزيف ضومط، وتم تأسيسها بالتزامن مع تاسيس المحمية باسم “شركة مار يوسف المغاير ش. م . ل” برأسمال 200 مليون ليرة لبنانية!
الملفت ان اسم هذه الشركة لا يرد في أدبيات “جمعية حماية جبل موسى” لا من قريب أو من بعيد، ولم يسمع احد بهذه الشركة في منطقة كسروان. ويتبين بموحب النظام الداخلي لهذه الشركة ان موضوعها هو تملك واستئجار وتأجير وبيع العقارات في مناطق نهر الدهب: عبره، وشوان ويحشوش وعين الدلبة وقهمز وميروبا والمغاير العقارية، كما وفي اية مناطق عقارية مجاورة، وانشاء واستثمار مواقع طبيعية و/أو محميات عليها، ولهذه الغاية، تم اعداد الدراسات اللازمة، وضم وفرز العقارات وتشييد الابنية عليها وتجهيزها وتأجيرها.
لم يتم الربط بين هذه الشركة و”جمعية حماية جبل موسى” إلا في أيلول (سبتمبر) العام 2015، وذلك عندما تقدمت مع الجمعية بطلب الى وزارة البيئة لمنع الصيد على العقارات التي تملكها، وذلك وفق ما ينص عليه قانون الصيد البري رقم 580، الذي يعطي اصحاب العقارات الخاصة والبلديات التي تدير او تملك عقارات مشاعية، الحق بتنظيم وضع لوحات منع الصيد عليها.
ويتبين وفق قرار وزير البيئة رقم 420 الصادر بتاريخ 17 ايلول (سبتمبر) 2015 أن “شركة مار يوسف المغاير ش. م. ل” قد تقدمت بطلب لمنع الصيد على 186 عقاراً تملكه في مناطق محيطة بمحمية جبل موسى موزعة وفق التالي:
منطقة عين الدلبة العقارية (13 عقاراً) ، منطقة نهر الدهب العقارية (19 عقاراً)، منطقة المغاير العقارية (18 عقاراً)، منطقة ميروبا العقارية (52 عقاراً)، منطقة يحشوش العقارية (4 عقارات)، منطقة قهمز العقارية (19 عقاراً)، ومنطقة العبرة وشوان العقارية (61 عقاراً).
يؤكد بيار ضومط ان غالبية هذه العقارات قد ورثها عن والده، وان قراره بتسجيلها ضمن ملكية شركة اسسها مع نجله تهدف الى حمايتها، ولقد احالنا لدى مراجعته حول الموضوع الى مشروع مرسوم اعدته وزارة البيئة قبل عدة سنوات، ويهدف الى تعديل المرسوم رقم 7494 (تحديد وتصنيف جبل موسى في بلدة نهر الدهب في قضاء كسروان) بهدف ضم العقارات التي تملكها “شركة مار يوسف المغاير” الى محمية جبل موسى الطبيعية.
يتبين من مسودة مرسوم التعديل المذكور، الذي لم يصادق عليه في مجلس الوزراء، ان وزارة البيئة تطلب تعديل الحدود التقريبية لموقع جبل موسى الطبيعي بموجب الخرائط (ب – 1) و (ب – 2) و(ب– 3)، بحيث يضاف اليها 12 عقاراً في منطقة العبرة وشوان العقارية، والتي يتبين من بطاقة معلومات عن الملكية العقارية صادرة عن مديرية الشؤون العقارية في نيسان (أبريل) العام 2015، انها مملوكة من قبل “شركة مار يوسف المغاير”. لكن ماذا عن بقية عقارات الشركة البالغ عددها وفق آخر احصاء 174 عقاراً؟ وربما يكون عدد العقارات قد ارتفع منذ ايلول (سبتمبر) 2015 الى اليوم، لانه وبحسب المعطيات التي جمعها موقع greenarea.info من قبل سكان المنطقة، فإن عمليات بيع العقارات تجري على قدم وساق عبر فريق من السماسرة والتجار ومخاتير المنطقة ورؤساء البلديات، الذين يجتمعون مع اصحاب العقارات ويبلغونهم “ان محمية جبل موسى” تنوي شراء العقار، ولقد تم اجراء صفقات بيع العديد من العقارات بأسعار متدنية، على اعتبار ان المالكين يظنون ان هذه العقارات لا يمكن البناء عليها، وانها مشمولة بقرار حماية موقع جبل موسى، أو ان عمليات البيع تمَّت لاسباب اقتصادية.
هنا لا تصبح عمليات بيع الاراضي تهجيراً للسكان! كما يجري الترويج لعمليات البيع العقاري التي تجري في العديد من المناطق، والتي تصبغ عادة بطابع طائفي ومذهبي وتشن حملات ضدها.
يقول ضومط “ان مرسوم تعديل وتوسيع نطاق محمية جبل موسى لم يمر في مجلس الوزراء لاسباب سياسية مرتبطة بموقع سد جنة، ولكون جمعية حماية جبل موسى، وهو شخصياً كان في صلب الحملة التي طالبت بوقف بناء السد”.
ومعلوم ان غالبية التحركات المدنية والاهلية والاعلامية التي خيضت ضد سد جنة، كانت مدعومة من قبل بيار ضومط شخصياً! وهذا امر بقي مكتوما في الوسط البيئي والاهلي والاعلامي.
يرفض ضومط بشكل قاطع جميع الاتهامات التي سيقت ضده، وتحديداً من قبل عدد من اصحاب العقارات ووجهاء العائلات الكسروانية الذين رفعوا الصوت مطالبين بوضع حد لعمليات بيع الاراضي لصالح بيار ضومط. ويؤكد ان مشروع محمية جبل موسى محارب لانه اوقف الكسارات والمرامل والمقالع ومشاحر الفحم والرعي الجائر، وشق الطرقات لاغراض الاستثمار والبناء العشوائي، في المقابل وفرت محمية جبل موسى فرصاً اقتصادية للسكان من خلال السياحة البيئية والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.
من يضمن ان “ورثة” شركة مار يوسف المغاير سوف يحافظون على “إرث الرئيس المؤسس”؟ لا يملك ضومط اجابة عن هذا السؤال، لكن المؤكد ان ضومط الذي يعتبر واحدا من كبار المالكين العقاريين في لبنان، الذي لا يزال يستكمل قضم جبال الكورة لاستخراج صلصال الاسمنت، وتلويث هواء شكا والبترون بدخان البتروكوك، قد حقق “حلمه الأخضر” في كسروان.
وحدها “اعجوبة” مار يوسف قد تنجي جبل موسى من مشاريع الاستثمار العقاري في المستقبل القريب… أو البعيد!