منذ ما قبل “الإعصار” المتمثل بوصول دونالد ترامب Donald Trump إلى سدة الرئاسة الأميركية، بدأ يتصاعد في العالم تيار يؤسس للتشكيك بعلم المناخ، رغم ارتباط التغير المناخي بنسبة تتجاوز 95 بالمئة بالأنشطة البشرية، بحسب التقارير العلمية الموثوقة، وابرزها “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” Intergovernmental Panel on Climate Change الــ IPCC التي تضم قرابة 400 عالم وباحث من مختلف دول العالم.
في كانون الأول (ديسمبر) 2015 أجرى ترامب مقابلة مباشرة لمدة ثلاثين دقيقة مع الموقع الالكتروني Info Wars، حينها كان ضيف الصحافي الأميركي المثير للجدل أليكس جونز Alex Jones، وهو صاحب نظرية تقول أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من تخطيط وتنفيذ داخلي أميركي، وليست عملاً إرهابياً من الخارج، ما يتقاطع مع كتاب المحلل السياسي الأميركي دايفيد راي غريفين David Ray Griffin بعنوان “شبهات حول 11 سبتمبر” والذي صدر بالانكليزية بعنوان The New Pearl Harbor، ونظرية المؤامرة لدى جونز تفوق الوصف، ففي العام 1996 اتهم الحكومات انها تقوم بتنفيذ برنامج عالمي لضخ السموم عن طريق وضع مواد كيميائية في فيول الطائرات، لا يتأثر بها من يطلق عليهم جونز وصف “النخبة العالمية” لكونهم قد تزودوا بمواد مضادة لهذه السموم، قبل بثها في الجو! كما يعتبر جونز أن الحكومات الغربية أداة لحكومة سرية ماسونية تخطط لتخفيض سكان العالم بالأطعمة عن طريق الجينات الوراثية.
على رأس أوليات “نظرية المؤامرة” التي يبشر بها جونز، اعتباره ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي خدعة كبيرة، وهو يسخِّر برنامجه الإذاعي الذي يبث على الموجات القصيرة في كافة أنحاء الولايات المتحدة، وموقعه الإلكتروني من أجل استضافة المشككين بتغير المناخ وأشهرهم كريستوفر مونكتون ومارك مورانو وجايمز دلنغبول.
وفيما تعاطى الكثيرون مع جونز باعتباره صحفياً مخادعاً، وينشر اخباراً كاذبة وغير موثوقة، إلا انه استطاع على امتداد السنوات الماضية أن يصنع قاعدة كبيرة من المتابعين والمعجبين، واستطاع التأثير في ملايين البشر، حيث يزور موقعه الإلكتروني قرابة 57 مليون شخص شهرياً، خصوصاً بعد فوز دونالد ترامب.
ووفقاً للموقع المختص بإحصاءات مواقع التواصل الاجتماعي socialblade.com، فإن قناة جونز على يوتيوب شهدت نمواً غير مسبوق حيث تسجل فيها 1.8 مليون مشترك، وحازت على أكثر من مليار مشاهد لحوالي 30 ألف شريط فيديو. وللمقارنة، فإن حساب “هيئة الاذاعة البريطانية” BBC على يوتيوب يضم 992 مليون مشترك، أي أن جونز حاز على عدد مشتركين عبر موقع يوتيوب يزيد عن ضعفي عدد المشتركين في “بي بي سي”.
يكرس موقع http://www.infowars.com/ الذي يملكه جونز غالبية المواد التي ينشرها، لبث حملة دعائية ضد المطالبين بالحد من تغير المناخ، وللأسف الشديد، فإن قراء هذا الموقع إلى ازدياد يوماً بعد يوم، وفق ما يرصد الصحفي في جريدة “الغارديان” The Guardian البريطانية غراهام ريدفيرن Graham Readfearn.
خطر هذه المواقع انها تستطيع الخروج بعناوين فضائحية يقرأها ملايين الزوار من قبيل “خدعة تغير المناخ”، وهذا ما يقوض جهوداً امتدت لسنوات من أجل بناء حركة عالمية لمكافحة تغير المناخ، والتي تحتاج ليس فقط إلى برامج وخطط حكومية، بل إلى امتثال سكان الارض لحياة اقل تلويثاً، وإلى الحد من البصمة الكربونية اليومية من خلال ممارسات صديقة للبيئة.
أبرز الأمثلة على خطورة صعود التيار المشكك بتغير المناخ، إحصاءات تفيد ان اكثر التقارير حول موضوع تغير المناخ التي لاقت رواجاً عبر الانترنت، لا تتعلق بالتقارير العلمية التي حذرت من الكوارث الطبيعية والجفاف والحرائق وذوبان الجليد فحسب، ولا باتفاقية باريس ولا بمؤتمر مراكش. وتبين أن القصة التي تلقى رواجاً غير مسبوق على الانترنت، كتبها مدون أميركي شاب يعيش في لوس انجلوس، يقول فيها ان آلاف العلماء قد اتخذوا قراراً بالاعلان عن ان ظاهرة تغير المناخ ليست سوى خدعة.
بالتأكيد يمكن تتبع خيوط العلاقة التي تربط هذا المدون بالمهرطق البريطاني المعروف ديفيد آيك David Icke، الذي يقول انه كرس نفسه لمعرفة من يسيطر على العالم، وكيف تتم هذه السيطرة؟
ورغم عشرات التقارير التي كشفت أن خبر “اعلان العلماء ان تغير المناخ خدعة” هو ليس في الحقيقة سوى خبر مخادع وكاذب، لا يزال هذا التقرير إلى اليوم الأكثر انتشاراً حول تغير المناخ، وربما سيحقق رقماً قياسياً في نسبة المشاهدة في نهاية العام 2016.
وليس من قبل الصدف ان يكون آيك ضيفاً دائماً في برامج أليكس جونز، مبشراً ان القمر ليس إلا مركبة فضائية، وعارضاً لكتبه التي تتحدث عن “الانكي المفقود” “والسر الاكبر” و “الماتريكس أو النهر اللانهائي”، وبالطبع لا ينسى آيك ان يبشر ان ما يعرف بظاهرة تغير المناخ ليست الا خديعة كبرى!
يعتمد موقع Info wars في معلوماته عن تغير المناخ على مواد منشورة على موقع Breitbart، وهو موقع كان يديره مدير حملة دونالد ترامب الانتخابية ستيف بانون والذي يتوقع ان يكون احد ابرز مستشاريه.
وعلى غرار موقع Info wars شهد موقع www.breitbart.com صعوداً وشعبية كبيرة خلال الاشهر القليلة الماضية، مسجلاً 168 مليون زائراً شهرياً، حيث ضاعف عدد الزوار بالمقارنة مع الارقام التي حققها قبل ستة اشهر. ويتبين ان غالبية الزوار الجدد لهذين الموقعين يدخلون عبر بوابة http://www.drudgereport.com/ التي تروج لهذين الموقعين لنشر اخبارهما، ويزور موقع drudgereport ما يزيد عن مليار وسبعة مليون شخص شهرياً. ولقد حل مؤسس هذا الموقع Matt Drudge ضيفاً على برنامج أليكس جونز منذ فترة وجيزة.
منذ ان فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، تزايد الحديث عن انتشار الاخبار الكاذبة التي يجري تناقلها ومشاركتها عبر “فيسبوك”، إلى حد دفع بإدارة الموقع الاجتماعي الأكثر شهرة، إلى الاعلان انها تسعى إلى مكافحة الاخبار الكاذبة وحظرها، لكن هذه الظاهرة ليست صدفة، بل على العكس انها وسيلة لتكريس الاكاذيب على انها اخبار موثوقة، وإعادة صياغتها لاحقاً بصفتها حقائق ثابتة لا تقبل الشك، وعلى رأس هذه الاخبار التشكيك بظاهرة تغير المناخ.
يجب عدم التقليل من خطورة نمو مواقع الانترنت التي تشكك بتغير المناخ، لانها ببساطة تصل إلى عدد كبير جداً من البشر الذي لا يميزون كثيراً بين الاخبار الموثوقة، والاخبار التي تبنى على اكاذيب وشائعات، وبين التقارير العلمية الرصينة، وبين التقارير التي تنضح بنظريات المؤامرة التي يتوق البسطاء إلى تصديقها وتكرارها إلى حد اعتناقها والتبشير بها.
لن يستطيع أحد الوقوف بوجه أليكس جونز وعصابته، ربما العملاقان غوغل وفيسبوك لا يزالان يملكان زمام المبادرة لكبح جماح هذه الهرطقة، وإلى حينه، فإن اخبار التشكيك بتغير المناخ ستبقى الاكثر انتشاراً، حتى لو ان ليلة الميلاد 2016 قد تكون اكثر ليالي الميلاد احتراراً منذ ميلاد المخلص، نظرا لأن عام 2015 كان أكثر الأعوام حرارةً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة حديثًا. والاتجاه مستمر إلى التصاعد، حيث كانت الستة أشهر الأولى من عام 2016 جميعها أكثر الشهور المُسجَّلة حرارة على الإطلاق.