مساحة خضراء كبيرة ورائعة تبدد وحشة العاصمة المحاصرة بـ “غابات” الاسمنت، نراها من نقاط عدّة خلال تجوالنا فيها، وهي المساحة الخضراء الأكبر في المدينة، إذ تضم نحو 500,000 متر مربع تغطيها الأشجار الحرجية والنباتات، ونتحدث هنا عن “حرش بيروت”، وعن أشجار متروكة لمصيرها بسبب ما تواجه من إهمال وإجحاف، خصوصا إذا علمنا أن ثمّة ثلاثة قرارات “خطيرة” تهدّد الحرش حالياً: أولها القرار الذي يشرّع الإعتداء عليه من خلال تغيير تصنيف جزء منه لقوننة وجود بناء يعود إلى كشاف الرسالة الإسلامية معتدىً عليه، ثانيها قرار يقضي ببناء مستشفى ميداني في جزء آخر منه، وثالثها قرار بنقل الملعب البلدي من طريق الجديدة إلى أجزاء من الحرش.

وقد نشرت جمعية “نحن” في بيان صحفي القرارات الثلاثة، مطالبة مجلس بلدية بيروت الحالي بـ “إلغائها فوراً وإزالة كل التعديات عن حرش بيروت، والتخلي عن سياسات المجالس السابقة القائمة على فرض القرارات السيّئة مراراً وتكراراً  من دون استشارة الناس”. وفي حين تقول “نحن” ان “مقياس المنفعة العامة هو عامة الناس ولا يجوز إتّخاذ أي قرار يطاول المدينة من دون استشارتهم لتصويبه”، لم يُتخذ رأي الناس ولا حتى طُبّق الحق البديهي لهم بالمساحات العامة بعد.

كما طالبت الجمعية وزارة البيئة بالتراجع فوراً عن قرارها المجحف بحق البيئة والقانون والناس  بيروت، مطالبة الوزير بـ “التقيّد حصرياً بما تنص عليه الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، وعدم إعطاء أي موافقة لأي مشروع بناء في حرش بيروت”.

 

تغيير تصنيف جزء من الحرش

وبما ان مساحة حرش بيروت، عقار رقم 1925 من منطقة المزرعة العقارية، تمتد على 500,000 متر مربّع، أي إلى خارج نطاق المنتزه، وهو ملك عام، وهو ضمن المنطقة التاسعة من بيروت حيث الارتفاق يمنع البناء بشكلٍ نهائي، فهذا يعني أن إقامة أي مشروع عليه مخالف للقانون.

إلاّ ان المجلس البلدي السابق أصدر قرارا رقم 327 بتاريخ 5.05.2015، ينص على تغيير تصنيف جزء من حرش بيروت من المنطقة التاسعة يمنع البناء نهائيا عليها إلى منطقة رابعة، حيث يسمح البناء بمعدل استثمار سطحي 50 بالمئة، وبمعدّل عام 3.5 بالمئة،  وقد أوردت “نحن” انه، وبحسب القرار “يتعذر الإقدام على تدابير قانونية تؤول إلى إخلاء هذه الأقسام”، مضيفة “تبيّن أيضاً للمجلس البلدي أنه يتعذر إزلة الإنشاءات لأسباب عدة”.

من هنا، يفرض السؤال نفسه: هل تحكم بلدية بيروت بقانون الدولة أو بقانون الغاب؟ وهل يجوز تصحيح وضع بناء معتدٍ على الأملاك العامة بالسماح له ولغيره لاحقاً بالبناء قانونيا عبر تغيير الارتفاق ونظام المنطقة؟ هذا القرار سابقة على كل المستويات، القانونية والتنظيمية!”

 

خطر آخر… المستشفى الميداني

من ناحية أخرى، تعتبر “نحن” إن قرار مجلس بلدية بيروت رقم 170 الصادر في جلسة استثنائية بتاريخ 23.03.2016، والذي نصّ على بناء مستشفى ميداني، هو مخالفٌ لنظام المنطقة التاسعة الذي يمنع أعمال البناء نهائيا، ومخالفٌ للمرسوم الذي يصنف المنطقة محمية طبيعية”.

وتعتبر “نحن” أيضا ان “ترويج البلدية أن المستشفى هو هبة من دولة مصر، والتحجج بأنها محرجة لارتكاب هكذا تعدٍّ، هو تضليلي وغير مقبول”، مضيفة “اكتشفنا في مقابلة مع السفير المصري السابق أن الهبة تنحصر فقط بتأمين الأدوية والأطباء، وقد فوجئ المسؤولون المصريون بتخصيص مساحة 2300 متر مربّع وبناء مستشفى من ثلاث طبقات لم يكونوا قد طالبوا به أساساً”.

https://www.youtube.com/watch?v=MLJRfvDwIMI

… ونقل الملعب البلدي

أما في ما يتعلق بنقل الملعب البلدي إلى الحرش، فتقول “نحن”: “بعدما كنا قد حصلنا على تأكيدات بأنّ مسار نقل الملعب البلدي من طريق الجديدة إلى حرش بيروت قد أوقف، تفاجأنا بقرار جديد لوزير البيئة صادر بتاريخ 27.10.2016  ينص على إعفاء هذا المشروع من دراسة تقييم الأثر البيئي في منطقة يجب أن تعتبر من المقدسات للبنانيين بسبب ارتباطها بتاريخ بيروت، إضافة إلى أنها المساحة الخضراء الأخيرة في العاصمة الإسمنتية”.

وأضافت “نحن” “الفاضح هو أنّ قرار وزير البيئة مخالفٌ لقانون البيئة  المصدق بمرسوم (رقم 8633/2012) والذي يلزم بتقديم الأثر البيئي لأي مشروع في نطاق الاحراج والمناطق الطبيعية المصنفة، دون أي استثناء”. كذلك يخضع حرش بيروت لقانون حماية الأحراج (رقم 558/1996) الذي يضع معايير صارمة لحمايته.

بالنسبة للجمعية، فإن “البلدية والوزارة  يضربان هذه القوانين عرض الحائط، وهما حتماً على علم بأن الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية  تكرّس حرش بيروت منتزها إقليميا لبيروت الكبرى ورئتها الخضراء، ومن مسؤولية البلدية كما وزارة البيئة الحفاظ على كل شبر تبقّى منها”.

وفي حين قال الرئيس التنفيذي لجمعية “نحن” محمد أيوب في اتصال هاتفي مع greenarea.info ان “الجمعية تكتفي بمراسلة الجهات المعنية الآن”، أوضح ان “الخطوات المقبلة ستكون عبر إقامة دعوى قضائية، إضافة إلى التحركات في الشارع والإعلام”.

قد لا نكون قد تعوّدنا بعد على ان الأملاك العامة حقّ بديهي لنا جميعاً، وهي ليست كماليات على الإطلاق. مدينة من دون مساحات خضراء، هي مدينة “شبه ميتة”، فكيف إذا كانت عاصمة البلد تعاني من تقلّص المساحات الخضراء على الدوام؟ الحرش، الذي لم ننعم به بعد إعادة فتحه، بسبب القيود الكثيرة لجهة الدخول إليه، التي تصل إلى حد “حصرية الدخول في بعض الأحيان”، هو حرش “يتعذّب” بسبب قرارات وزارة البيئة والبلدية.

وفي حين أشارت زيارات عدّة لنا للحرش على ان الدخول إليه بعد الساعة الواحدة ظهراً مسموح لمن حصل على رخصة فقط، يتبيّن ان هناك ما هو شبيه بالحصرية للدخول إليه. كما يتبيّن ان إعادة فتحه تكاد تكون “مظاهر” لا أكثر.

فمن جهة، لن يتمكّن العمال والموظفون من دخول الحرش قبل الساعة الواحدة، ما يعني ان طبقة معينة فقط من الناس يمكنها ذلك، ومن جهة أخرى، وبعد ان كنا قد سألنا محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب عن سبب الممنوعات الكثيرة التي تحول دون دخول أي شخص إلى الحرش، ووعد بإزالتها، ومنها ركوب الدراجات الهوائية، وغيرها من النشاطات التي بحب الناس ممارستها في الحرش، نرى انها لا تزال موجودة، وان الحرس المؤتمن على الحرش (التابع لـ “وزارة” بيروت)، يسمح او يرفض دخول الحرش من دون أية معايير، أحيانا يحصل ذلك قبل الساعة الواحدة ظهراً. فمتى تلتفت بلدية بيروت نحو حرش “لكل الناس”؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This