بعد أقل من أسبوع عاد مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص عن قراره بمنع الصيد، لأسباب لم تعرف طبيعتها ودوافعها ومبرراتها حتى الآن، ما أبقى الأمر مشرعا على تساؤلات لما تزل دون إجابات واضحة، فالبعض عزا الأمر لتهديد الصيادين (أكثر من 600 ألف صياد في لبنان) بالتحرك والتظاهر! فيما اعتبر البعض الآخر أن ثمة ضغوطا من جهات عليا، ومن خلفها تجار سلاح الصيد وذخائره، وربما هناك أمور أخرى أيضا، ولكن في المحصلة تبقى الطيور ضحية هذا العبث والفلتان، والطبيعة التي لم تسلم زاوية منها من الخرطوش وبقاياه التي تتحلل لتصل إلى بيوتنا وغذائنا وأجسادنا.
وسط ما هو قائم الآن، رصد greenarea.info ردود الفعل حول هذا القرار، من خلال التواصل مع جهات عدة، من المؤيدين والمعارضين للصيد البري، وما بينهما من دعاة “الصيد المستدام”.

هيبة الدولة!

وفي هذا السياق، أشار رئيس “مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام” ورئيس تحرير مجلة “صيد” أدونيس الخطيب إلى “اننا نعتبر القرار الأول منذ العام 1996 بمنع الصيد لفترة عشرين عاما جائرا، لذا لم يتم التقيد به”، وأضاف: “أدى هذا المنع لخلق شريحة من (قواصين) ليس لديهم خبرة بالصيد، وخلق أنواع صيد غير مسؤول، ومنها صيد الشبك، الدبق والشجر على السطوح، أو الرسم على حائط وتسليط الإنارة عليه، فيندفع الطائر ليرتطم به، فضلا عن آلات تقلد أصوات الطيور، وجميعها أساليب صيد جائر وعشوائي”.
وقال الخطيب: “بنفس الوقت، مع قرار منع الصيد السابق الذكر، أهملت الدولة تطبيق هذا القانون ما أثر على هيبتها أولا بقرار فترة الـ 20 سنة، والثاني بعدم تطبيقه، وهذا الأمر بدأ منذ عهد وزير البيئة السابق ناظم الخوري الذي وضع المراسيم التطبيقية وكان جادا في إصدارها وتطبيقها بشكل أكبر وأوسع”.
وأشار الخطيب إلى أنه “الآن تم تنظيم الملف بالتعاون مع جمعية حماية الطبيعة SPNL وبمشاركة (مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام)، وصدر دليل الصياد، وشمل هذا الملف تنظيم ورش عمل عدة لقوى الأمن للتعرف على الطيور وأنواعها، وعلى القوانين المتعلقة بالصيد وكيفية تطبيقها، بهدف الوصول إلى الصيد المسؤول والمستدام والذي يتكامل مع الطبيعة، ضمن قوانين وأصول واضحة”.

من يراقب وأين؟

ولفت الخطيب إلى أن “التراجع عن قرار متخذ أثّر على هيبة الدولة بشكل أكبر مهما كان السبب، وعلى وزير البيئة دعوة الصيادين لإجراء امتحانات للموسم القادم في نوادي الرماية، بهدف الحصول على رخص الصيد، ولكن يبقى هنا سؤالان من يراقب؟ وأين يتم الصيد؟”، وأضاف: “لا تستطيع القوى الأمنية متابعة الصيادين بعددهم الذي يتجاوز الـ 600 ألف صياد (من ضمنهم من هم دون 18 عاما)، وبالتالي فعلينا تحديد الصيد في مناطق معينة، ضمن البلديات، وهي ما أسميناها الحمى، ويبلغ عددها حتى الآن 17، تشرف عليها البلديات وشرطتها وتضبط موضوع الصيد، مع رسوم دخول رسمية، كما يوجد داخلها نشاطات معينة لكافة أعضاء الأسرة، إنما بعيدا عن مواقع الصيد، ما يشكل مصدر دخل للبلديات التي تحتوي مناطق الصيد بدلا من هذا الوضع العشوائي القائم”.
ولفت الخطيب إلى أن “الصيد هو أهم سياحة للبلد إذا كان منظما، ويشكل مصدر دخل، كما أن رفع سعر علبة الخرطوش لا يؤدي إلى خسارة التاجر، والصياد المحترف لا يصرف الكثير من الخرطوش لأنه يعرف طريدته، ويمكن للصياد ممارسة هوايته، كما أن الجمعيات البيئية أضرت بالبيئة لأن الصيد المسؤول يتكامل مع العمل البيئي، فالصياد يعرف الطبيعة ومساراتها أكثر من غيره”، وأضاف الخطيب: “علينا أيضا إعادة النظر بلائحة الطرائد والعدد المسموح منها، وأخذ رأي الصيادين بهذا الموضوع، كما أننا اقترحنا مشروع “الصيد بالعدسة”، أي التصوير البري في فترة الربيع التي يمنع فيها الصيد، وأسميناها “12 ربيع بدلا من 12 رفيع” (في إشارة إلى استبدال العدسة ببارودة 12 رفيع).

مئات الآلاف من الصيادين

وقال عضو هيئة التوعية والتدريب في “مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام” فؤاد عيتاني لـ greenarea.info: “مجال عملي ودراستي واختصاصي التجارة، ولكن هوايتي التي أمارسها في لبنان والإمارات هي توثيق الطيور في لبنان والإمارات، من خلال التقاط صور احترافية ونشرها على موقع خاص على الانترنت، أما في ما يخص الصيد المستدام، فهو يقضي بالصيد دون تشكيل خلل في الطبيعة، ودون تأثير على مستقبل الطيور، وتعتبر هذه الهواية إن مورست بشكل مستدام، إحدى أهم الهوايات النبيلة في لبنان”.
وقال عيتاني: “بالنسبة للصيد حاليا في لبنان فهو في حالة يرثى لها، فعندنا مئات الآلاف من الصيادين في لبنان، لا يتجاوز عدد الذين يتمتعون بصفة صياد 5 بالمئة، والبقية يصطادون (الأخضر واليابس) من طيور جارحة، ومحرم صيدها عالميا، وطيور لا تعتبر من الطرائد، وطيور مهددة بالإنقراض، منها السنونو والخطف والورور، وجميعها يلتهم كميات كبيرة من الحشرات، وتأكل الجوارح القوارض، والأفاعي، فإذا حافظنا على هذه الطيور، فنحن نمنع إلى درجة كبيرة استخدام المواد الكيميائية والمضادات الحشرية، التي ترش على المزروعات وتنتهي في أجسادنا”.
ولتحقيق الصيد المستدام لفت عيتاني إلى “ضرورة وجود أمرين، أولهما قانون صيد حديث معدل وإقراره وتطبيقه، وثانيهما الصياد المسؤول، ومن هو الصياد المسؤول؟ هو الصياد الذي يعرف طريدته، يحترمها، ويحترم المكان الذي يصطاد فيه، فيتركه كما دخله دون نفايات وقاذورات، كما يحترم الأملاك العامة والمحميات الطبيعية، فلا يصطاد فيها، ولا يصطاد طيورا يمنع صيدها، ولا يصطاد عددا أكبر من الطرائد المسموح بها وفق قانون الصيد، ولا خارج الموسم، ويستخدم الطرق القانونية في عملية الصيد، فلا يستعمل الشباك أو الدبق، أو الصيد بالليل أو في فصل الربيع، أي موسم تكاثر الطيور”.

الفوضى والفساد

وكان لموقع greenarea.info تواصل مع الناشط البيئي ومصور الحياة البرية والطبيعة ميشال صوان، فقال: “تابعنا مع SPNL ومركز الشرق الأوسط للصيد المستدام دورات عدة بهدف توعية العامة على شروط الصيد المستدام، وصفات الصيد المسؤول بالتعاون مع أعضاء المؤسستين وناشطين، وبالوضع الحالي، فلا يوجد أي أمر مضبوط، ولكن إن طبقت القوانين بشكل مدروس، ومن قبل بيئيين وصيادين محترفين وباستشارة خبراء طيور، فيمكن إعادة التنوع البيولوجي، والطيور المهاجرة”، واقترح صوان “السماح لسنتين والمنع لسنة، لإننا إن بقينا مستمرين على هذا النحو، فإن البيئة والحياة البرية بكافة أشكالها وخصوصا الطيور بخطر”.
أمام هذا الواقع، وفي ظل حالة التراخي، ومع عودة اللواء بصبوص عن قراره، وغياب مؤسسات الدولة، من قوى أمن وبلديات، فضلا عن وزارة البيئة المفترض أن تقوم بدورها لجهة تكريس القوانين الحازمة والواضحة، لا سيما وأن لا تدابير أو عقوبات رادعة بحق المعتدين على البيئة، وسط كل ذلك، لا يمكن أن نتوقع في ظل الفوضى والفساد في إدارات الدولة، أن نتوصل إلى حلول واضحة في وقت قريب.
وييقى ثمة سؤال يستحضر حجم الكارثة: هل تبقى ثمة طيور إلى حين تكريس الصيد المستدام؟ إذا ما نظرنا إلى واقع الدولة وترهل مؤسساتها، يبدو أننا سنشهد فصولا جديدة سنسجل فيها انقراض طيور مهاجرة بعد أن انقرض القسم الأكبر من طيورنا المقيمة!
 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This