في زمن اهداء أجهزة الهواتف الذكية والأقراص المدمجة، لا يزال الكتاب يحتل حيزاً مهماً في قائمة الهدايا التي يتبادلها الناس في الاعياد. وفيما تحتل العطور والالعاب وقسائم الهدايا مركزاً متقدماً في لائحة الهدايا التي يتبادلها الناس، تبين أن نسبة عالية من الألمان تجاوزت الثلاثين بالمئة اشتروا كتباً لأحبائهم كهدايا عيد الميلاد العام الفائت. ولأن موضوع الكتاب، يجعل إهداءه خياراً قد لا يكون صائبا، اخترنا لكم قائمة بعدد من الكتب حول الطبيعة والبيئة تستحق القراءة.
ماذا يحدث للنحل والفراشات؟
ماذا يحدث للنحل والفراشات؟ سؤال يحاول مايكل مكارثيMichael McCarthy الصحافي البريطاني المختص بالشأن البيئي الإجابة عنه، في كتاب صدر في تشرين الأول (أوكتوبر) الماضي، بعنوان:The Moth Snowstorm: Nature and Joy.
لا يقدم هذا الكتاب كغيره من الكتب التي تعالج قضايا تغير المناخ من زاوية علمية فقط، بل يسعى الى المزج بين التجربة الشخصية وبين الخبرة العملية، وهو بمثابة كتاب مذكرات عن الحب الأول للكاتب: الطبيعة.
كان مكارثي McCarthy في السابعة من عمرة عندما اكتشف الطيور والفراشات في الطبيعة، وهو يوثق كيف تراجعت مختلف الانواع في الطبيعة بطريقة مثيرة للريبة في العقود الماضية، خصوصاً الفراشات والنحل.
كتب فرلين كلينكنبورغ Verlyn Klinkenborg مقالاً عن هذا الكتاب في العدد الاخير لمجلة The New York Review of Books المختصة بمراجعة الكتب والتي ستصدر في ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
ويقول كلينكنبورغ Klinkenborg ان اكثر ما يميز كتاب McCarthy قدرته على التفريق بين الانواع المهددة بالانقراض على المستوى الوطني، وتلك المهددة بالانقراض على المستوى المحلي، ويعطي مثالاً على ذلك ان هناك طائرين بريطانيين سُجل انقراضهما على المستوى الوطني منذ حقبة الحرب العالمية الثانية، فيما سجل انقراض العشرات من الطيور على المستوى المحلي من دون ان يعير احد الاهتمام المطلوب. المعادلة نفسها تظهر ولكن بطريقة أكثر وضوحاً، حين يتعلق الامر بالفراشات، حيث يرصد الكاتب تراجع كبير على المستوى المحلي في أعداد الفراشات الموجودة في بريطانيا.
تكمن اهمية الكتاب في أنه يوثق بشكل تفصيلي للإنذار الخطير الذي تطلقه الطبيعة من خلال تراجع اعداد الفراشات والنحل. ويتزامن صدور الكتاب مع إدراج “الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة” الزرافات لأول مرة في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، مشيرا إلى أن أعدادها تراجعت بما يصل إلى 40 بالمئة منذ الثمانينيات من القرن الماضي، ووصف الأمر بأنه “انقراض صامت”، سببه الصيد غير القانوني وتوسع الأرض الزراعية. ومن بين
التغيرات الأخرى التي طرأت على القائمة الحمراء أنه جرى تصنيف الببغاء الأفريقي الرمادي المشهور بقدرته على تقليد حديث البشر ضمن الأنواع المهددة، وهو تطور إلى الأسوأ بعد التصنيف السابق على أنه من الكائنات “المعرضة للخطر”. وجاء في القائمة الحمراء أن 24307 من بين 85604 أنواع جرى تقييمها في العقود الأخيرة مهددة بالانقراض.
ماذا تقول الاشجار؟
يحيلنا الكاتب توماس باكنهام Thomas Pakenham الى كتابين عن الاشجار صدرا حديثاً، الاول بعنوان The Long, Long Life of Tree للكاتبة Fiona Stafford فيونا ستافورد. أما الكتاب الثاني فهو بعنوان:The Hidden Life of Trees What They Feel، صدر عن الكاتب بيتر ووليبن Peter Wohlleben باللغة الألمانية وترجمه الى الإنكليزية جاين بيللينغورست Jane Billinghurst.
اختارت ستافورد Stafford مجموعة متنوعة من اجناس الأشجار تشمل ١٧ نوعاً من اشجار الحدائق والغابات التي تغطي اوروبا الشرقية وشمال أميركا من السنديان الى الكستناء والزعرور وغيرها. تقول ستافورد Stafford، وهي استاذة محاضرة في “جامعة أوكسفورد” ان الاشجار تمثل لها الاحساس بالتساؤل، وهي معجبة بقدرة الاشجار على الصمود بوجه المتغيرات العديدة.
تفرد ستافورد Stafford فصولاً في كتابها للحديث عن الأجناس الـ ١٧ التي اختارتها، وتبحث بشكل مفصل عن ميزاتها وقدرتها على التكيف مع الظروف والعوامل
المختلفة، اضافة الى أهميتها بالنسبة لباقي الانواع والكائنات، اذ يشكل تراجع الغابات، مؤشراً لتراجع مختلف الانواع وفقدانها لبيئتها.
في المقابل، يقدم لنا ووليبن Wohlleben في كتابه حول الاشجار، تجربة محلية مغايرة، كونها عمل في أحد أكبر الغابات في قرية Hümmel في غرب المانيا.
يقول ووليبن Wohlleben ان ليس هناك احد على دراية بمشاعر الحيوانات اكثر من الجزار، وكذلك الامر بالنسبة للحطاب الذي يقطع الاشجار، فهو يكون على تماس مع الاشجار بطريقة مختلفة، وهو ما دفعه الى التقرب من الاشجار بطريقة فريدة ومميزة.
ذهل ووليبن Wohlleben لنتائج الابحاث التي قام بها طلاب من جامعة Aachen في المانيا في الغابة التي عشقها، وفي نفس الوقت على بعد آلاف الاميال كان هناك طلاب من جامعة Vancouver في كندا، في غابة British Columbia، ينفذون دراسة مشابهة.
ما اكتشفه فريقا البحث من الجانبين كان مذهلاً، حيث تبين ان هناك شبكة من المتعايشات الفطرية الجذرية تدعى mycorrhiza، تقوم الفطريات من خلالها بالتواصل بين الاشجار من انواع مختلفة من خلال تمرير اشارات كهربائية وكيميائية عبر جذور الاشجار، ما يجعل هذه الجذور بمثابة شبكة عنكبوتية خشبية تشبه الى حد بعيد شبكة الانترنت. هذا التواصل بين الاشجار من خلال جذورها، يشكل شبكة بالغة التعقيد من التبادل الكربوني بين الاشجار الكبيرة وتلك الصغيرة المتجاورة لها، من خلال الفائض الكربوني الناتج عن التمثيل الضوئي (أخذ الأوكسجين وطرح ثاني أوكسيد الكربون).
وتبين بحسب الدراسة العلمية التي تابعها ووليبن Wohlleben ان شبكة التبادل بين الاشجار لا تشتمل على التبادل الغذائي فقط، بل انها تتبادل المعلومات في ما بينها.
فعلى سبيل المثال اذا شعرت شجرة ان هناك حشرات تأكل اوراقها سرعان ما ترسل اشارات الى الاشجار المجاورة التي تفرز بدورها مادة طاردة للحشرات، لتجنب ان تلقى اوراقها نفس المصير الذي لاقته الشجرة التي تعرضت لهجوم القوارض والحشرات.
يخلص ووليبن Wohlleben إلى ان الاشجار لديها مشاعر ولغة للتخاطب في ما بينها، وان لديها قوة كبيرة للبقاء والصمود، وقدرة فائقة ولهفة على المساعدة، خصوصاً بين الاشجار القوية والضعيفة. لكن كيف يمكن لشخص يعشق الاشجار ان يستمر في قطعها؟ هذا التناقض دفع الكاتب الى الطلب من المجلس المحلي لقرية Hümmel ان يخصص جزءاً من ارباح تجارة الخشب لانشاء مناطق محمية داخل غابات القرية ورعايتها.
يعمل Wohlleben حالياً حارساً للغابة، واستطاعت النسخة الألمانية من كتابه ان تكون في قائمة الكتب الاكثر مبيعاً، وهو الى جانب نشره نتائج البحث العلمي الذي توصل إليه الطلاب الذين درسوا الغابة، استطاع ان يفكك شيفرات الغابة على طريقته، وان يكتب ما “قالته” له بطريقة تستحق القراءة.