لا تزال أسباب مرض “الرعاش” أو “الشلل الرعاشي” أو “باركنسون” Parkinson’s disease (نسبة إلى الطبيب الإنجليزي جيمس باركنسون)، غير معروفة حتى الآن، فهذا المرض المزمن يبدأ بخلل في الجهاز العصبي ناتج عن موت خلايا معينة بالدماغ، ما يؤدي إلى نقص حاد في مادة الدوبامين Dopamine، وتظهر أعراض هذا المرض عندما تصل نسبة الدوبامين إلى أقل من 75 و 80 بالمئة، أو يكون ثمة عدم توازن بين المواد الكيميائية المختلفة في الدماغ.

مرض باركنسون

يمر مريض باركنسون بمراحل خمس، وتمتد كل منها على فترة سنوات، وتبدأ بأعراض بسيطة مثل رجفة بأحد اليدين، يتبعها تيبس في الأطراف، وبطء في الحركات الإرادية، وينعكس هذا الأمر تغيرا في وضعية الجسم، وتغيرا في طريقة الحديث على شكل بطء أو سرعة وعدم إفهام الكلمات، واختلال التوازن نتيجة عدم التناسق في الحركة، وتوقف رَمْش العينين وصعوبات في الكتابة، وفي مراحل متقدمة يصاب المريض بصعوبة في البلع وعدم السيطرة على التبول،

فضلا عن صعوبات في النوم والتركيز والذاكرة وأعراض أخرى غيرها، وتصل بعض الحالات إلى الإكتئاب والإنتحار كما حصل مع الممثل الأميركي روبن وليامز، ومن أشهر من أصيب بهذا المرض الملاكم الراحل محمد علي كلاي، الرؤساء والزعماء هاري ترومان، رونالد ريغان، ماو تسي تونغ، هتلر، البابا يوحنا الثاني وغيرهم.

https://www.youtube.com/watch?v=IBirfjkLdw&feature=youtu.be

ويظهر المرض في الفحص الميكروسكوبي التشريحي والنسيجي على شكل كتل من مواد تسمى “أجسام لوي” Lewy Body، وتتميز بوجود كتل من بروتين يسمى -Alphasynuclein.

وتساهم الوراثة والعوامل البيئية السامة في زيادة أعداد المصابين بهذا المرض، وتزداد نسبة المصابين بين الذكور إلى النساء بنسبة 3 إلى 2، وتقدر أعداد المصابين بـهذا المرض حول العالم بعشرة ملايين مريض، والعلاج الحالي يقتصر على تأخير الأعراض والسيطرة عليها، إلا أن التقدم بالعمر والوراثة، والتعرض للسموم تساعد مع عوامل عدة على تقدم المرض.

دراسة حديثة

تنوعت الأبحاث في العقد الأخير حول هذا المرض، وتركزت في البداية على المواد المانعة للتأكسد، ومنها Coenzyme Q10، والمعروف اختصارا بـ CoQ10، ولكن هذه المادة أثبتت عدم نجاعتها في علاج المرض في التجارب السريرية Clinical trials، كما أن العلماء

يدرسون إمكانية مادة Urate في علاج هذا المرض، ومؤخرا تمحورت الأبحاث حول بروتين “ألفا ساينكولين” synuclein-Alpha، وهو بروتين موجود بشكل طبيعي في أجسامنا أما لدى مرضى باركنسون فيتحول إلى كتل وألياف في أدمغتهم وتتسبب بموت الخلايا العصبية في مناطق الحركة في الدماغ.

تغيير قواعد اللعبة

parkinsons-disease1

وبدأت أحدث الدراسات حول نشأة هذا المرض، والذي كان يعتقد أنه يبدأ في أنسجة الدماغ، ليجد الباحثون أن جزيئات من بروتين “ألفا ساينكولين” المتكتلة وتسمى بألياف ساينكولين synuclein fibres تبدأ في الخلايا العصبية في الأمعاء، وقد يكون سبب تكونها أحد الميكروبات أو السموم، وأنها تنتقل من هناك إلى خلايا الدماغ.

ويعاني مرضى “باركنسون” بالفعل من حالة الإمساك، ومن تناقص في حاسة الشم، وقد يكون هذا الأمر منطقيا، خصوصا على ضوء هذه العلاقة المكتشفة منذ عقد من الزمان، فإن أعصاب الأمعاء والأنف هي الأكثر تعرضا للعالم الخارجي وما يحتويه من سموم وميكروبات.

وقال البروفسور الأخصائي في طب الأعصاب في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة ديفيد بورن David Burn “إذا كانت الفكرة صحيحة، فإن هذا الأمر يفتح الباب أمام سبل جديدة لعلاج هذا المرض قبل حدوث الأعراض”، وأضاف أن “الأمر سيكون لتغيير قواعد اللعبة، فهناك الكثير من الآليات المختلفة التي يمكن أن توقف انتشار المرض”.

أما في البحث الجديد فقد بين أن ألياف synuclein تنتقل بالفعل من الأمعاء إلى أعماق الدماغ، وقد قام الفريق الذي يرأسه البروفسور كولين شاليس Collin Challis من “معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا” Caltech وزملاؤه بحقن ألياف synuclein في معدة وأمعاء

الفئران، وبعد ثلاثة أسابيع وجد الفريق الألياف في قاعدة الدماغ، وبعد شهرين كانت قد انتقلت إلى أجزاء الدماغ التي تتحكم في الحركة، كما أصبحت الفئران أقل مرونة – على غرار الأشخاص المصابين بمرض باركنسون – وقد عرض هذا التقرير في اجتماع “جمعية العلوم العصبية” في سان دييغو في الشهر الماضي.

وأضاف بورن: “إن هذه الدراسة تستند إلى مجموعة متزايدة من الأدلة على أن القناة الهضمية تلعب دورا في مرض (باركنسون)، فعلى سبيل المثال، فإن الأشخاص الذين قطع العصب الرئيسي من أمعائهم – وهي معالجة قديمة لقرحة المعدة – لديهم خطر أقل للإصابة بمرض (باركنسون)”.

ولم يتم ربط أي بكتيريا أو فيروس معين كسبب للمرض، ولكن الأدلة تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مرض “باركنسون” لديهم محتوى من بكتيريا الأمعاء مختلفة عن الأشخاص أصحاء، ويجري بالفعل بعض الباحثين تجارب بعلاج بعض مرضى “باركنسون” بالمضادات الحيوية أو عملية زرع البراز Fecal Transplantation (Bacteriotherapy).

وعملية زرع البراز، أصبحت طريقة تتبع لعلاج بعض الإلتهابات التي تعالج بالمضادات الحيوية، خصوصا من نوع البكتيريا Clostridium Difficile Colitis، وتتم بنقل البراز من شخص سليم إلى المريض بهدف زرع البكتيريا الطبيعية في الأمعاء للحفاظ على تنوع وصحة وتوازن البكتيريا القولونية Colonic microflora.

وقال الأخصائي في جراحة الأعصاب سيباستيان بايلوسون Sebastien Paillusson من “كلية الملك” King’s College في لندن: “يمكن أن يتسبب وجود البكتيريا الخاطئة في الأمعاء بالتهاب”، وأضاف “ونعلم أن الإلتهاب يتسبب بتكتل بروتين synuclein”.

وقد أظهرت دراسات أخرى أن المزارعين الذين يتعرضون لبعض أنواع المبيدات، والأشخاص الذين يحصلون على مياه الشرب من الآبار التي قد تكون ملوثة بالمبيدات الحشرية هم أكثر احتمالا لإصابتهم بالشلل الرعاشي، فربما أن هذه المواد الكيميائية تؤدي إلى تلف الأعصاب في القناة الهضمية.

وقال بورن “مهما كان السبب، فإن معرفة مكان الضرر الأولي تسمح بالكشف المبكر والعلاج، فعلى سبيل المثال، فإن الأدوية التي تعمل على التخلص من ألياف synuclein أو منع تكونها في طور البحث، فإن أعطيت إلى المرضى قبل وصول هذه الألياف إلى خلايا الدماغ قبل أن تعمل على إتلافها، فيمكن أن يكون لديهم فرصة لمنع تطور المرض، ويمكن في يوم ما الكشف عن وجود هذه الألياف في أعصاب الأمعاء خلال تنظير القولون التقليدي لأمراض السرطان في مرحلة مبكرة، ما يمكن منع وصولها إلى الدماغ بطريقة ما”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This