تطلق وزارة البيئة وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، اليوم، تقرير لبنان الوطني الثالث بشأن تغير المناخ. ويشكل هذا التقرير خلاصة عمل دام 4 سنوات، ويقدم آخر المعلومات حول التوقعات المناخية في لبنان واثر هذه التغيرات على مختلف القطاعات.
ويبرز التقرير تأثيرات تغير المناخ في لبنان على البيئة، والاقتصاد، والبنية الاجتماعية. ومعلوم ان الظواهر الجوية المتطرفة لها آثار سلبية على الصحة العامة، والبنية التحتية الخاصة بالنقل، والإنتاج الزراعي، وإمدادات الطاقة، والاقتصاد ككل.
وفي موسم الشتاء والثلوج، يذكرنا التقرير بان اثر تغير المناخ سيكون كارثاً على كمية الثلوج التي ستتساقط على لبنان في السنوات المقبلة، ومن المتوقع فقدان موسم التزلج مع انخفاض 40 بالمئة من الغطاء الثلجي في لبنان مع ارتفاع قدره درجتين مئويتين في درجة الحرارة، وصولاً حتى انخفاض بنسبة 70 بالمئة في الغطاء الثلجي مع زيادة 4 درجات مئوية. كما يتوقع التقرير هطول كمية أقل من الأمطار كما الثلوج، والثلوج التي تتساقط حالياً على ارتفاع 1,500 متر ستنتقل إلى 1,700 متر بحلول العام 2050.
وبحلول العام 2090 لن تتساقط ثلوج في لبنان على على ارتفاع 1,900 متر وما فوق. وسيؤدي تغير المناخ إلى انحسار 40 إلى 70 بالمئة من الغطاء الثلجي، مع ارتفاع درجة الحرارة درجتين وأربع درجات مئوية على التوالي، وتحوّل في ارتفاع الثلوج من 1،500 متر إلى 1,900 متر، وانخفاض في ديمومة الثلوج من 110 يوماً إلى 45 يوماً.
وستذوب الثلوج في وقت أبكر من فصل الربيع. وستؤثر هذه التغيرات على شحن معظم الينابيع، وتحدّ من إمدادات المياه المتاحة للري في خلال فصل الصيف، وتزيد الفيضانات في الشتاء بنسبة تصل إلى 30 بالمئة. يؤدي انخفاض هطول الأمطار أيضاً إلى تفاقم التحديات الحالية لتوفر المياه للزراعة والاستخدامات التجارية والسكنية. وسيكون لذلك آثار سلبية على الأنهار والمياه الجوفية، وسيؤثر على توافر المياه في خلال موسم الصيف وفترات الجفاف.
ولا تنحصر ظاهرة تناقص كمية الثلوج، ببلد معين دون سواه. حيث يشير آخر تقرير صدر الشهر الماضي عن المنظمة العالمية للارصاد الجوية، لظاهرة استمرار انكماش الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية، ففي أيلول (سبتمبر) كان متوسط رقعة الجليد البحري يبلغ 4.70 ملايين كيلومترا مربعا، أي ما يقل بنسبة قدرها 28 بالمئة عن متوسط الفترة 2010-1981. وكان الحد الأدنى لرقعة الجليد البحري في الصيف، وهو 3.39 ملايين كيلومتر مربع في عام 2012، هو أقل حد أدنى مسجّل. وعلى العكس من ذلك، في معظم الفترة 2015-2011، كانت رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية أعلى من متوسط حجمها في الفترة 2010-1981، لا سيما في ما يتعلق بالحد الأقصى الشتوي. وقد استمر الانصهار السطحي لصفحة الثلوج في غرينلاند في الصيف بمستويات أعلى من المتوسط، مع تجاوز رقعة الانصهار الصيفي متوسط الفترة 2010-1981 في جميع السنوات الخمس الممتدة من عام 2011 إلى عام 2015. وواصلت الأنهار الجليدية الجبلية انكماشها أيضاً. وكانت رقعة غطاء الثلوج في نصف الكرة الأرضية الشمالي أقل من المتوسط بدرجة لا يستهان بها في جميع السنوات الخمس، وفي جميع الأشهر بدءاً من أيار (مايو) إلى آب (أغسطس) بحيث واصلت اتجاهاً هبوطياً شديداً.
وبالعودة الى لبنان، يشير التقرير الوطني الثالث بشأن تغير المناخ أن فترة الجفاف ستبدأ قبل 15 يوماً إلى شهر، وستمتد فترات الجفاف في البلاد لفترة أطول بتسعة أيام بحلول العام 2040 و18 يوماً بحلول العام 2090. كما ستشهد المناطق الجافة أصلاً، مثل البقاع والهرمل والجنوب، الآثار الأقوى. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم إضافة تأثيرات التكلفة على احتياجات الري، إذ سيكون ثمة حاجة إلى المزيد من ساعات الضخ، مما سيستهلك بالتالي المزيد من الطاقة.
ويشير التقرير الى ان هذه العوامل المناخية ستنعكس على الانتاجية الزراعية، حيث ستنخفض رطوبة التربة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وارتفاع التبخر. كما ستخفض التغيرات في درجة الحرارة وهطول الأمطار من إنتاجية الأراضي المستخدمة حالياً لإنتاج معظم المحاصيل والأشجار المثمرة، وبخاصة القمح والكرز والطماطم والتفاح والزيتون، ويمكن أن تؤثر على نوعية العنب، على الرغم من بعض المكاسب العابرة من توسع المزارع الساحلية مثل الموز والطماطم. وستواجه معظم المحاصيل أيضاً إصابة متزايدة بالفطريات والأمراض البكتيرية. وستتأثر الغابات بشكل سلبي بتغير المناخ، لا سيما أنّ الغابات الحالية تعاني من التشرذم، وتفشي الآفات، وحرائق الغابات، والممارسات غير المناسبة التي تتحدى بالفعل قدرتها على البقاء والتطور.
ومن الزراعة الى الطاقة، سيزيد ارتفاع درجات الحرارة في الصيف من الطلب على التبريد، مع ارتفاع الاستهلاك ذي الصلة بالكهرباء بنسبة 1.8 بالمئة لكل درجة مئوية كزيادة في درجة الحرارة، و5.8 بالمئة لكل 3 درجات زيادة في درجة الحرارة.
واضافة الى اثر انعدام الاستقرار السياسي، والتدهور الامني الوطني والاقليمي، ستتاثر السياحة في لبنان بشكل كبير من تغير المناخ، حيث ستضعف السياحة الشتوية في الهواء الطلق مع تقصير موسم التزلج بفعل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار. وستحدث التأثيرات الأخرى على السياحة نتيجة التغيرات في النظم الإيكولوجية، وفقدان المعالم الطبيعية، مثل الشواطئ العامة الرملية، والضرر الهيكلي على التراث الأثري في البلاد.
كما سترتفع مستويات مياه البحار بما يصل بين 30 و60 سنتم في خلال 30 عاماً، إذا ما استمر معدل الارتفاع مؤخراً والذي يبلغ حوالى 20 ملم سنوياً. وسيؤدي ارتفاع مستويات البحر إلى تسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية، وزيادة خطر الفيضانات الساحلية والغمر، وزيادة تآكل السواحل، وتغطية الشواطئ الرملية، وتغيير النظم الإيكولوجية الساحلية في المحميات الطبيعية وغيرها. وستعاني المباني والبنية التحتية العامة من الضرر بسبب تغيّر أنماط هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة تواتر العواصف وشدتها. وسيتحقق هذا الضرر من غمر المستوطنات الساحلية والمباني والفيضانات والانهيارات الطينية والانهيارات الصخرية.
وفي نفس السياق التشاؤمي، ينذر التقرير بزيادة معدل الوفيات والمرض في لبنان جراء تغير المناخ. حيث سيواجه زيادات في معدلات الإصابة بالأمراض المعدية، والاعتلال، والوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، وزيادة سوء التغذية من الجفاف والفيضانات التي تؤثر على الزراعة، وقلة توفر المياه النظيفة. وستتسبب الزيادات في درجات الحرارة بما بين 2،483 إلى 5،254 حالة وفاة إضافية سنوياً بين العامين 2010 و2030. وتشمل آثار تغير المناخ على الصحة العامة تفشي الأمراض المعدية بسبب تغير درجات الحرارة، وزيادة معدلات الاعتلال والوفيات الناجمة عن الحرّ وغيره من الظواهر الجوية المتطرفة، وسوء التغذية بسبب الجفاف والفيضانات، وغيرها من الأمراض التي تنتقل عن طريق القوارض والتي تتنقل عن طريق المياه والأمراض التي تنقلها الحشرات.