مر “اليوم العالمي للغة العربية” في الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري دون احتفالية واحدة في لبنان، ولا حتى إشارة تذكِّرنا بأن ثمة يوماً للغتنا الأم، وكأننا نؤثر أن نواري لغتنا طوعا في تراب الجهل والتخلف، ونحن لا نعلم أن اللغة هويتنا ونافذتنا إلى العلم والمعرفة والثقافة.
البعض في لبنان يظن أن اللغة العربية لزوم ما يلزم، طالما أنه متمكن من لغة أعجمية، حتى أنه يخاطب أبناءه بالانكليزية أو الفرنسية، ولا يعرف أنه ينأى بهم بعيدا من حدود انتمائهم لجذور الثقافة العربية التي شكلت رافعة للغرب في ما وصل إليه من تطور معرفي، ولا يعرف أيضا أن اللغة العربية “طَعَّمت” لغات العالم بمفردات كثيرة، نذكر منها كلمة “طبيب” وهي مدرجة في المعاجم الفرنسية Toubib، وكلمة Medicine ومصدرها “مادة ابن سينا” وثمة آلاف المفردات في بطون المعاجم الأجنبية أصولها عربية.
ولسنا لننقاد إلى تعصب للغتنا الأم، فاللغة، أي لغة، هي في جانب كبير منها بعض تلاقح الثقافات على مر التاريخ، أما من يؤثر التحدث بغير لغته، فهو يتنكر لهويته، لانتمائه، ولو تعلم كل لغات الأرض، سيخسر ماضيه وحاضره والمستقبل.
غوغل تحتفل!
و”اليوم العالمي للغة العربية”، من المفترض أن يكون محطة للتفكر، من أجل إعادة صوغ مفرداتنا وتحسين لفظنا لها، وضبط الكثير من معاني المفردات، فاللغة العربية هي لغة الشعر والفن والإبداع، ولغة قابلة للحياة والتطور أيضا.
وما هو معيب في هذا المجال ان تحتفل “غوغل” دوننا بهذه المناسبة، فقد أعلنت عن تقديمها حسما يصل 10 بالمئة عبر متجرها “غوغل بلاي” عند شراء الكتب الموجودة في المتجر باللغة العربية، في الفترة ما بين 18 إلى 24 كانون الأول (ديسمبر).
وتأتي هذه المبادرة من غوغل بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية حيث أتاحت الشركة هذا الحسم على آلاف الكتب الموجودة في المتجر، والتي تتنوع ما بين القصص الخيالية والروايات والشعر وغيرها من المجالات، فضلا عن خيارات للكتب الرائجة والأكثر مبيعا، كما يمكن أن يجد المتصفح كتبا رخيصة وحسومات تزيد عن الـ 10 بالمئة.
اليونيسكو
وما يثير الاستغراب أيضا أن المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا توقفت عند هذه المناسبة، واعتبرت أن اللغة العربية حلقة وصل بين الثقافات ووسيلة حقيقية لإثراء المعارف والأفكار والتصورات وتعزيز التفاهم من أجل إحلال السلام.
وأشارت بوكوفا إلى أن اليوم العالمي للغة العربية مناسبة للتأكيد على ضرورة تعزيز التنوع الثقافي واللغوي في جميع أرجاء المعمورة، باعتباره أحد العناصر الرئيسية للثروة الثقافية التي تملكها البشرية.
وأكدت في بيان أصدرته بالمناسبة “عالمية اللغة العربية إذ تستخدمها شعوب في قارات العالم الخمس للتعبير عن هوياتها ومعتقداتها وتطلعاتها”، وأوضحت أن الاحتفاء العالمي باللغة العربية في 18 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام يمثل إقرارا “بمساهماتها الجليلة والهائلة في إثراء العلوم والثقافة العالمية ومنها الفلسفة والآداب والفنون”.
وأشارت إلى أن جائزة اليونسكو – الشارقة للثقافة العربية تتيح في كل عام الإشادة بالأعمال والإنجازات الفريدة التي تخدم الأدب والثقافة العربيين على نطاق واسع.
وطالبت بوكوفا بالعمل لنشر اللغة العربية على شبكة الإنترنت في مختلف الميادين، لا سيما في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي.
وشددت في الوقت عينه على اهتمام اليونسكو بالتعددية اللغوية، وإتقان اللغات في ظل العولمة المتزايدة التي يشهدها العالم، وطالبت بوكوفا ببذل مزيد من الجهود في المدارس والجامعات لنشر اللغة العربية، وتعزيز تعلّمها من أجل النهوض بالبحث والابتكار العلمي والإبداع.
واعتبرت أن نشر اللغة العربية في جميع أرجاء العالم وسيلة رائعة لتعزيز السلام، قائلة “فلنسارع إلى ُتوحيد قوانا من أجل الانتفاع بكل طاقاتها الكامنة وجميع دررها المكنونة”.
الأمم المتحدة
تجدر الإشارة إلى أنه تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول (ديسمبر) منذ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
وفي عام 1960 اتخذت اليونسكو قراراً يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية، واعتُمد في عام 1966 قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو، وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية ومن العربية إلى لغات أخرى في إطار الجلسات العامة.
وفي عام 1968 تم اعتماد العربية تدريجياً لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر الحرفية وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى العربية.