حكومة عنوانها التحاصص لا يُعول عليها، وفي المحصلة، هي صورة عن نظامٍ تهرّأ واعتراه الوهن، وبات غير قادر على الاستمرار إلا بما ترفده الطوائف من أسباب البقاء، حتى غدا شكلا بلا محتوى، أو زينة دون أعياد، ومراسم جوفاء وحدها تذكرنا أننا ننتمي لدولة، فيما نعيش واقعا مأزوما في فضاء خاوٍ إلا من خيباتنا!
والتحاصص في المدلول اللفظي، يعني اقتسام غنيمة: مالا أو متاعا أو وزارة، ولكل حصته، بالعدل والقسط، وفي “لسان العرب”، فالحصة هي “النصيب من الطعام والشراب والأَرضِ وغير ذلك”، و”تَحاصّ القومُ تَحاصّاً: اقتسَموا حِصَصَهم”، والحِصة بوجه عام، وبحسب “القاموس المحيط” هي “النصيب”، لكن ليس ثمة مفردة في أي من المعاجم لـ “تحاصص”، وفي لغتنا العربية تتبع كل كلمة جذرا من ثلاثة حروف قابلا للاشتقاق فوصلنا إلى “التحاصص” باجتهاد بعض النحويين أو الساسة.
لا يشتمل التحاصص في اقتسام غنيمة أو أرباح على ضرر، طالما أن لكل نصيبه “حصته”، أما في تشكيل الحكومات فيجر ويلات تمظهرت على النحو الذي تشكلت بموجبه الحكومة العتيدة، وربما لم يتنبه الناس العاديون أن عملية التشكيل لم تلحظ الأكفأ والأكثر علما وتجربة، فالتحاصص يقصي هؤلاء لسبب بسيط وهو أنهم ينتمون للعلم، أما المعيَّــــــنون فجلهم من “الهتيفة” وجميعهم طيِّع الولاء، وهم لا يوالون المصلحة العامة بالتأكيد، فولاؤهم لمن اختارهم أولا وأخيرا، ومن هنا لا ينتهي التحاصص مع تشكيل الحكومة فحسب، إنما يبدأ معها، ومجلس الوزراء بات من الآن يمثل التربة المهيأة لتحاصصات أكبر وأدهى.
لا شيء سيتغير مع حكومة “الوفاق الوطني”، فالتحاصص سيشمل كل الملفات، من النفايات إلى مشاريع السدود إلى هدر وسرقة المال العام ومصادرة الأملاك العامة البحرية، وإن كان ثمة استثناء فسيكون بسبب سرقة لا يمكن بلعها وتبريرها، هذا أمر مستبعد بسبب أن لزعماء الطوائف أبواقا تزين فعل السرقة، وتصبح السرقة عينها في مرتبة “النضال الوطني لمصلحة المواطن”، على غرار أن نربح مساحات من اليابسة بفعل ردم البحر بالنفايات!
وإذا ما نظرنا إلى واقع الحال، وفي ما يعنينا بوجه خاص، فالبيئة بمعايير تشكيل الحكومة لم تتعدَّ كونها حصة، وكي لا نفتئت أو نظلم، فإن الأشهر القليلة من عمر هذه الحكومة ستجيب عن أسئلتنا وهواجسنا، خصوصا تلك المتعلقة بالبيئة عموما وملف النفايات بوجه خاص.