يتسلم الوزير طارق الخطيب وزارة البيئة من خلفه الوزير محمد المشنوق في وقت عانت هذه الوزارة في حكومة “المصلحة الوطنية”، برئاسة تمام سلام من وزر الفشل الذريع في ادارة النفايات المنزلية الصلبة، ورغم المحاولات الحثيثة لإبعاد هذه “الكأس المرة” عن الوزارة التي تعاني من نقص في الصلاحيات والامكانيات، إلا ان الرأي العام اللبناني لا ينفك يربط بين هذه الوزارة وبين أزمة النفايات، علماً ان هذا الملف متشعب وتتداخل فيه صلاحيات أكثر من وزارة وادارة رسمية وصولاً الى البلديات والجمعيات الاهلية وشركات القطاع الخاص والمواطنين بشكل عام.
لا يمكن مقاربة المهام التي يفترض بالوزير الجديد انجازها، إلا من خلال الربط بين عمر الحكومة المفترض ان يكون قصيراً جداً، والمهام المركزية التي اختارت الحكومة انجازها، والمتمثلة بإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية واعداد الموازنة العامة، اضافة الى الطلب من كل وزارة اعداد استراتيجية طويلة الأمد، تكون بمثابة قاعدة لانطلاق عمل الحكومة المقبلة التي يفترض ان تتولى مهام ادارة البلاد بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
يحتاج الوزير الخطيب الى بعض الوقت لتحديد استراتيجية عمله في الوزارة، لكن من الافضل أن يسارع الى اقرار مجموعة من المهام التنفيذية التي ينوي انجازها على امتداد عهده القصير. واذا كان لا بد من تقديم مجموعة من النصائح – التوصيات الى معاليه فمن الممكن تقليصها الى اربع:
ملف ادارة النفايات
يتوجب على الوزير الخطيب ان يسعى من داخل مجلس الوزراء الى العمل على تنفيذ كامل بنود جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بتاريخ 12 آذار (مارس) 2016، خصوصاً لجهة اطلاق مناقصة الطمر لقضاءي الشوف وعاليه. فبالاضافة الى ان الوزير ابن قضاء الشوف والقادم من مهام رئاسة المجلس البلدي في حصروت (الغارقة بالنفايات)، فإن مسألة الاتفاق على موقع لمطمر للنفايات في الشوف حاجة ملحة يجب ان تتفق عليها المجالس البلدية في القضاء، وان لا تعرقلها القوى السياسية، ولوزارة البيئة دور هام في التأكد من ان هذه المناقصة ستتم وفق المعايير التي تراعي اختيار الموقع الملائم والتقنيات الملائمة. كما ان على وزارة البيئة ان تسارع الى اعادة تصويب الثغرات الكبيرة التي تشوب المناقصات التي تم تلزيمها، بالاتفاق مع بقية الادارات الرسمية، لا سيما ان دفتر شروط مناقصات إنشاء مركزين مؤقتين للطمر الصحي في كل من برج حمود، الجديدة – البوشرية – السد، ومصب نهر الغدير – الشويفات، لم يراع ان يكون لدى الشركات المتقدمة أي خبرة في مجال الطمر الصحي، واكتفى بأن تكون الشركات مصنفة لدى “مجلس الانماء والاعمار” ضمن فئة الردم واعمال الحماية البحرية، الامر الذي ادى الى فوز شركات لا تمتلك اي خبرة في مجال ادارة المطامر الصحية، ولقد بدأت نتائج اعمالها والثغرات الكبرى في اعمال التنفيذ تظهر على الارض.
وتنص مقررات مجلس الوزراء ودفاتر شروط انشاء المطامر الصحية على ان تكون الفترة الزمنية لهذه المطامر اربع سنوات، لكن المعطيات تشير الى ان ازمة النفايات التي بدأت مع اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل في تموز (يوليو) 2015، مرجحة للعودة وبقوة اكثر، في منتصف العام 2018 على أبعد تقدير. وذلك بسبب اكتفاء “مجلس الانماء والاعمار” برفع القدرة الاستيعابية لمركز المعالجة في الكورال من 300 الى 700 طن يومياً وبتقنيات التسبيخ الهوائي البدائية وغير الفعالة، علماً ان رفع الطاقة الاستيعابية لن تكون متوفرة قبل ثمانية اشهر من تسلم المتعهد الجديد.
عدم انشاء مركز للمعالجة يغطي قضاءي الشوف وعاليه، بذريعة غياب التوافق بين البلديات، علماً ان قرار التعطيل سياسي بامتياز.
تعثر مناقصات التفكك الحراري، سواء تلك التي تنوي ان تطلقها بلدية بيروت، أو تلك التي كان يفترض ان يطلقها “مجلس الانماء والاعمار”، والمعطلة الى حين التوافق عليها في مجلس الوزراء. وتعثر تنفيذ قرار مجلس الوزراء بالموافقة على نقل ومعالجة 250 طن من النفايات الناتجة عن منطقة بيروت الإدارية في معمل صيدا. وضعف وعدم جدية وغياب الدعم والارشاد للمبادرات البلدية اللامركزية في محافظة جبل لبنان، علماً ان غالبيتها لا تزال مجرد افكار ونوايا، وليست مشاريع جدية حددت مواقعها وتقنياتها ورصدت لها الموزانات واعدت دفاتر الشروط. وعدم شمولية المناقصات جميع الاراضي اللبنانية، التي تشهد سواء في الجنوب او البقاع والشمال أزمة خانقة، وتعثر للمناقصات والمشاريع التي تنفذها وزراة التنمية الادارية وجهات بلدية واهلية. ووجود عدة شكاوى ومراجعات وطعون امام محاكم البداية والعجلة وشورى الدولة والنيابات العامة المالية والبيئية، ضد مناقصات ادارة النفايات، سواء لجهة الطعن بأهلية الفائزين، او لمخالفة دفاتر الشروط، او لنزاعات عقارية وتعويضات للمتضررين.
بناء عليه، فإن وزارة البيئة مطالبة بالاسراع في اخطار مجلس الوزراء حول الواقع الحالي لادارة النفايات المنزلية الصلبة في بيروت وجبل لبنان، لان ترك هذا الملف للحكومة المقبلة بذريعة ان الطمر يسري بشكل جيد في برج حمود والكوستابرافا، سيكون من اكبر السقطات التي ستقع فيها حكومة الرئيس سعد الحريري مجتمعة، والوزير الخطيب على وجه الخصوص، الذي يتحمل واجب اطلاع مجلس الوزراء على الواقع الحالي والمهل الزمنية المتبقية لانفاذ خطة جديدة لادارة النفايات، تفادياً للوقوع في ازمة جديدة، يبدو ان الجميع يدرك خطورتها ولكن لا يعملون على تفاديها بالسرعة والكفائة المطلوبة.
صلاحيات المدير العام
يعرف المتابعون لشؤون وزارة البيئة ان قراراً سياسياً اتخذه الرئيس سعد الحريري في اواخر العام 2009 ونفذه الوزير المحسوب عليه محمد رحال، قضى بعزل المدير العام لوزارة البيئة بيرج هاتجيان، وحصر العديد من الصلاحيات، لا سيما صلاحية ادارة المشاريع الدولية المنفذه في الوزارة بمكتب الوزير.
أفضت هذه الخطوة الى نزاع داخلي في الوزارة وسلسلة من الشكاوى المتبادلة امام الهيئات الرقابية، لكن عزل هاتجيان وابعاده عن ممارسه مهامه مستمر منذ سنوات، بذارئع عدة، ابرزها قرب التعيينات الادارية في الفئة الاولى والتوافق السياسي بين مختلف الاطراف، لا سيما القوى السياسية الارمنية على تعيين مدير عام جديد للوزارة من ضمن الكوتا الارمنية في وظائف الفئة الأولى.
طارت التعينات الادارية في حكومة الرئيس الحريري، ولم تفلح حكومتا الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام في انجاز السلة الكاملة للتعيينات والمناقلات الادارية في الفئة الأولى، وبقي هاتجيان في مكتبه في الطابق السابع في مبنى اللعازارية، لكن الوزيرين ناظم خوري ومحمد المشنوق، التزما “العقوبة السياسية” التي فرضها الحريري على هاتجيان مع فوارق بسيطة وفترات “ود” قصيرة بين الوزير والمدير العام سرعان ما تبعها قطيعة تامة.
يعرف الوزير الخطيب ان ملف التعيينات الادارية غير مطروح بقوة في هذه الحكومة، وهو على الارجح لن يستمر في سياسة عزل المدير العام للوزارة. لكن اذا كان من نصيحة تسدى للخطيب في هذا الملف الحساس، هو ان لا يترك للكيدية والثارات الشخصية ان تمزق البنية الادارية للوزارة، لا سيما بين المدير العام ورؤساء المصالح والدوائر ومديري المشاريع الدولية المنفذه في الوزارة، لان ذلك سينعكس خراباً ادارياً، اثبتت التجارب السابقة انه قابل للحصول في كل وقت.
موسم الصيد البري
دأبت وزارة البيئة على ممارسة سياسة “دفن الرأس في الرمال” في ما يتعلق بموضوع الصيد البري في لبنان. ورغم ان ضبط الصيد العشوائي هو من صلاحيات الضابطة العدلية والرقابة المفترضة عليها من قبل وزارة الداخلية، فإن تراجع المدير العام للامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص عن قرار اصدره بالتشدد في قمع مخالفات الصيد البري، يعد مؤشراً عن صعوبة انفاذ مثل هذا القرار من قبل القوى الامنية، اضافة الى عدم اكتراث وزارة الداخلية، تاريخياً، لهذه المسألة واعتبارها من الامور الثانوية.
لا نبالغ اذا قلنا، ان الملف الوحيد الذي يمكن للوزير الخطيب ان يترك فيه بصمات جدية، هو ملف الصيد البري، وذلك اذا احسن ادارة الملف، وعالج مكمن الخلل الكبير فيه. النقطة الاولى لصالح الوزير ان “المجلس الاعلى للصيد البري” المعين في تشرين الاول (أكتوبر) 2014 لن تنتهي صلاحيته قبل تشرين الأول (أكتوبر) 2017، ولذلك يمكن دعوته في اقرب وقت لاتخاذ قرار “تاريخي” ببدء اجراء امتحانات الصيد البري فوراً ودون اي ابطاء، في اندية الرماية المعتمدة من قبل وزارة البيئة لاجراء الامتحانات، بحيث يُفترض ان يخضع لهذا الامتحان كل صياد لمرة واحدة، وذلك لحيازة رخصة الصيد من قبل وزارة البيئة والتي تجدد سنوياً.
ان هذه الخطوة التي تقاعست وزارة البيئة عن اتخاذها رغم الجهوزية اللوجستية والقانونية والادارية، شكلت حجة متكررة للوزراء للتذرع بعدم فتح موسم الصيد في موعده في منتصف ايلول (سبتمبر) من كل عام. فهل يقدم الوزير الخطيب على هذه الخطوة ليكون بذلك اول وزير للبيئة يبادر الى تطبيق قانون الصيد البري والبدء بانفاذه مراسيمه؟
ويفترض ان تستتبع هذه الخطوة، بنقاش جدي لاعلان مناطق مخصصة للصيد دون سواها، لانه يستحيل بعد اعلان فتح الموسم ضبط الصيد على جميع الاراضي اللبنانية كما ينص القانون، والحل الامثل لهذه الثغرة تكون بحصر الصيد ضمن مناطق محددة في المشاعات العامة للبلديات في عدد من المناطق اللبنانية، تكون واضحة المعالم ومحاطة بالحراس لضمان الدخول المراقَب والآمن للصيادين اليها، وضمان خروجهم بأعداد من الطرائد المسموح بصيدها، وفق ما ينص عليه القانون بطريقة تسمح بمعاقبة المخالفين.
انفاذ المراسيم والقوانين
لدى وزارة البيئة ملفات كبيرة يفترض ان تتابع العمل على حصر الاضرار التي تسببها، لا سيما التعديات على الاملاك البحرية والنهرية، وفوضى المقالع والكسارات، وعدم الالتزام الدقيق بدراسة الاثر البيئي الإلزامي للمشاريع العامة والخاصة، مروراً بمشاريع السدود المدمرة للبيئة، والمستويات المقلقة لتلوث الهواء والماء جراء الخلل في سياسات النقل العام وعدم استكمال مشاريع معالجة الصرف الصحي، واللائحة تطول.
لا يمكن للوزير الخطيب ان يقارب هذه الملفات إلا من باب التشدد في متابعة الانتهاكات وتوثيقها ورفع الشكاوى بوجه المرتكبين امام الضابطة البيئية، والمحامين العامين البيئيين في كافة المحافظات، وبقدر تشدد الوزير الجديد في متابعة المخالفين وفضحهم بقدر ما سيتم الحكم على ادائه لجهة انفاذ المراسيم والقوانين المتعلقة بحماية البيئة، وان غدا لناظره قريب.