تنوء أشجار الحمضيات في جنوب لبنان تحت ثقل ثمارها، والموسم واعد وبواكير الخير أطلت لتستحضر بدلا من الفرح بموسم خير جديد، أزمة بدأت تلوح معالمها الأولى من الآن، أي مع بداية تسويق الإنتاج، حتى أن المزارعين لا يعولون كثيرا على موسم الأعياد لتصريف الليمون، لأن الأسعار تتحسن، لكن ليس إلى مستوى يعوض خسائر الموسم، مع وفرة الإنتاج والمنافسة في الأسعار.
في العام الماضي، اضطر مزارعون لقطع أشجار الليمون والاستعاضة عنها بزراعة “الأفوكادو” (راجع greenarea.info)، كونها لا تحتاج الى رعاية كبيرة ومصاريف طائلة، واسعاره مضاعفة بالمقارنة مع سعر الليمون، إلا أن مثل هذا الإجراء لم يستند إلى دراسة تلحظ حاجة السوق، ولا إلى رؤية وزارة الزراعة المفترض أن تكون حاضرة للدفاع عن مصالح المزارعين.
غياب الدعم
وبحسب إيلي طنوس (ضامن بساتين)، فإن “قطاع الحمضيات تدهور بعد أحداث سوريا التي كانت تشكل اهم الاسواق، فضلا عن أنها كانت معبرا بريا للتصدير”، فأكد لـ greenarea.info أنه واجه تبعات كثيرة كضامن، وقال: “تكبدت خسائر بعد أن وصلت الأزمة إلى مستوى كارثي، في ظل ارتفاع التكلفة وغياب دعم الدولة لهذا الانتاج، ولذلك توجهت لضمان انواع اخرى من المزروعات، وبالتالي اصبحت الاشجار مهملة، والعام الماضي تساقطت ثمارها ارضا، إذ لا احد كان مستعدا أن يتكبد مزيدا من الخسائر”، ولفت إلى أن “الحكومة الحالية لن تكون قادرة على البت في مواضيع كثيرة، فعمرها قصير ولا تستطيع تبني سياسة زراعية واضحة”.
تمكن قطاع الحمضيات من الصمود في وجه الأزمات، بسبب أن كلفة شحن الإنتاج كان مقبولا واستطاع المنافسة في الخليج ولذلك نما هذا القطاع، ومع ارتفاع أسعار الشحن، بدأ التراجع في المبيع والتصدير، لدرجة أن الصادرات من البرتقال انخفضت بأكثر من 50 بالمئة لأننا لم نستطع المنافسة، وكانت حاوية الشحن (تتسع بين 20 و25 طنا) إلى قطر تكلف 3500 دولارا، أما الآن فتكلف 8000، هذا عدا المصاريف، فإقفال الحدود البرية كان يجب أن يترافق مع إجراءات سريعة لإنقاذ المزارع.
الحويك
رئيس “جمعية المزارعين اللبنانيين” انطوان الحويك قال لـ greenarea.info انه “في ظل انخفاض صادرات لبنان من الحمضيات منذ بداية الأزمة السورية واغلاق المعابر البرية وارتفاع كلفة الشحن، بدأت الازمة وتفاقمت تباعا، لتصل قيمة انخفاض الصادرات الى ما فوق الـ الخمسين بالمئة منذ 2010 الى الآن، وقد طرح حل للأزمة عبر إيجاد خط بديل للخط البري بنفس السعر وهذا لم يحصل، وكان من المفترض من الدولة أن تدعم الشحن كاملا من خلال المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال) لسحب البضائع من السوق، وهذا ايضا لم يحصل خصوصا وأن الازمة تزامنت مع استقالة الحكومة”.
وأشار إلى “اننا سننتظر الآن مع حلول السنة الجديدة مرور فترة الاعياد، وسنحدد الخطوة التالية بناء على الاسعار”، لافتا إلى أن “الاسعار اليوم غير ثابتة ولا تشكل معيارا واضحا، بسبب ارتفاع الطلب في فترة الاعياد، بالاضافة الى ان معظم كمية الحمضيات لم تستوفِ بعد المدة لقطافها وأمامنا 10 أيام بعد مطلع العام الجديد ليستقر فيها السوق والاسعار، الى أن تتضح الصورة لأخذ قرارات حول كيفية التحرك”.
وتوقف الحويك عند “نقطة مهمة جدا وهي مشكلة تهريب البضائع من سوريا الى لبنان”، مؤكداً أنه “يتم ادخال الحمضيات إلى الأسواق المحلية، وهذا يزيد من حدة الأزمة في غياب الادارة للملف”.
نخبة البضائع لـ (إيدال)!
وكيل بستان في منطقة بدياس علي دهيني قال لـ greenarea.info أن “الأزمة التي يتعرض لها قطاع الحمضيات في لبنان وصلت الى ذروتها من حيث الخسائر المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة”، لافتا إلى أن “الوضع مأساوي من حيث تصريف الإنتاج، بالاضافة الى ان الاسعار لا تغطي التكلفة، والبضائع مكدسة في السوق كما في البساتين، والكثير من الانتاج يسقط على الأرض، ولا أحد يحرك ساكنا من المسؤولين”.
وقال: “اذا تحركوا فيعطون نخبة البضائع لـ (إيدال) وبالسعر الذي تحدده هي، وباقي البضائع تتكدس إما في أرضها أو تباع بسعر زهيد، وبالمحصلة العملية خاسرة بالنسبة للمزارعين واصحاب المحاصيل”.
وأضاف دهيني: “كنا قد عمدنا سابقا وتفاديا للأزمة باستبدال مساحة حوالي الـ 50000 متر مربع من اشجار الحمضيات بخيم بلاستيكية لزراعة الخضار، ولكن النتيجة هي نفسها لجهة تصريف منتجاتنا الوطنية على أنواعها في الاسواق الداخلية، وذلك بسبب غزو المنتجات الاجنبية للسوق المحلية وغياب الرقابة، فمع إرتفاع كلفة الانتاج، بالاضافة الى غياب الدولة وسياسة التوجيه والرعاية وعدم وضع خطة بديلة وواضحة لحماية انتاجنا نحن الان في مواجهة تداعيات الازمة التي نتحمل عواقبها وحدنا”.
كما يشار الى ان عدة اجتماعات نشطت بين المزارعين لمناقشة كيفية التصعيد، لايجاد حلول سريعة مع اقتراب استيفاء قطاف الموسم، مطالبين بخطة سريعة لتصريف انتاجهم، ووجهوا دعوة الى جميع المزارعين من مختلف القطاعات والمناطق الزراعية المتضررة للاستعداد والتهيوء لحملة واسعة وتحرك سلمي بشكل مظاهرة حضارية لايصال صوتهم الى المسؤولين، وذلك في سبيل حماية انتاجهم ولقمة عيشهم.