في العام الماضي شاهد العلماء انفجاراً ضخماً في الفضاء، فظنوا أنه ناجم عن انفجار «supernova» هائل، أي انفجار نجم كبير بعد استنفاذ مفاعلاته المولدة للطاقة. وهذا كان الانفجار الأكبر والأكثر سطوعاً في تاريخ علم الفضاء إذ بلغت قوة السطوع 20 ضعفاً عن كل كمية الضوء التي ينتجها 100 مليار نجم في مجرتنا، إلا أنهم كانوا على خطأ في استنتاجاتهم

عمر ديب – الاخبار

أجري العديد من الدراسات على الوميض الخيالي من الضوء، الذي تمت مشاهدته في العام الماضي. توصل فريق من العلماء إلى خلاصة نشرت في المجلات العلمية المتخصصة إلى أن هذا الحدث التاريخي نتج عن ابتلاع ثقب أسود عملاق يدور حول نفسه (spinning black hole) لنجمة كانت تمر بقربه.

وقد استمرت هذه الدراسات لمدة عشرة أشهر واستبعد فيها احتمال حصول “سوبرنوفا” شديد السطوع بمعايير غير مسبوقة.
يقع هذا الثقب الأسود بالقرب من مركز إحدى المجرات الكبيرة على مسافة حوالى 3.8 مليار سنة ضوئية من كوكبنا ويبلغ وزنه بحسب الدراسات والملاحظات حوالى 200 مليون ضعف وزن الشمس بالحد الأدنى. وهذا الرقم بحد ذاته صعب على التخيل والاستيعاب، إلا أن الكون الفسيح يحتوي أعداد هائلة من هذه الأجسام الغريبة عن عقلنا ومعرفتنا العادية، ويوجد الكثير منها في مجرتنا نفسها. ويمكن تفسير كمية السطوع التي شوهدت العام الماضي من خلال تيليسكوبات المسبار الفضائي “هابل”، والتي توازي 570 مليار ضعف سطوع الشمس، كنتيجة لانفجار النجم وتبعثره إلى ملايين الأجزاء تحت قوة الجاذبية المفرطة للثقب الأسود، فتسقط هذه الأجزاء إليه مطلقةً كميات من الحرارة والإشعاعات خلال احتراقها السريع وسقوطها في طريق اللاعودة إلى الثقب الأسود.

تصدر هذه العملية وميضاً شبيهاً بما نعرفه عن ظاهرة supernova الكونية لكن مع قوة مضاعفة، ما جعل العلماء يخطئون في تقييمهم السابق وينزلقون إلى تصنيف مشاهدتهم كأكبر “سوبرنوفا” في تاريخ علم الفلك. من حسن الحظ أن النظرية الجديدة سرعان ما أعادت تصويب التفسير العلمي الفيزيائي لهذه الظاهرة خلال أشهر قليلة ليستمر العلماء في عملهم لاستخلاص المزيد من الاستنتاجات حولها. إلا أن الفريق العلمي الجديد يؤكد أن هذا الاستنتاج ليس محسوماً بعد بشكل مطلق إلا أنه الأكثر علميةً ومنطقيةً مع مشاهداتنا السابقة ويلغي الاحتمال الذي توصل إليه الفريق السابق، ومن الطبيعي أن تحتاج فرق بحثية أخرى إلى بعض الوقت لتثبيت التفسير الجديد بمعطيات أخرى. ومن أهم المحددات العلمية التي جعلت الفريق الثاني يغير خلاصاته عن الاستنتاجات الأولى هو أن مكان حصول هذا الانفجار كان في مجرةٍ لا تحصل فيها السوبرنوفا عادةً حيث لا توجد فيها نجوم “شابة” من النوع الذي يولد هكذا ظواهر، كما أن حرارة الانفجار لم تخبُ كما يحصل عادةً، بل استمرت الحرارة الناجمة عن الانفجار بالازدياد لأكثر من 100 يوم تحت المراقبة وهو أمر لا يحصل في انفجارات السوبرنوفا. وبسبب وقوع هذا الحدث بالقرب من مركز المجرة حيث تتواجد عادة الثقوب السوداء الكبيرة جداً كما في كل المجرات المعروفة، مال الفريق إلى هذه الفرضية ونجح في إثباتها بالمعطيات الرقمية والرياضية التي توافقت مع المشاهدات.


الثقب الأسود

هو عبارة عن أجرام سماوية ذات أوزان هائلة وأحجام صغيرة. ونتيجة لعظمة وزنها، تتمتع هذه الأجرام بقوة جاذبية مخيفة بحيث تستطيع جذب أي نوع من المواد التي تمر بقربها بما فيها الضوء والإشعاعات. ولأنها تجذب الضوء، لا يصدر من هذه الأجسام أي انبعاثات (باستثناء إشعاعات “هوكنغ” التي أثبتها العالم البريطاني الشهير) إلى خارجها لذلك تبدو كمساحات سوداء في الفضاء، ومن هنا جاءت تسميتها. تقع الثقوب السوداء عادة بالقرب من مراكز المجرات، ويمكن رؤيتها بشكل غير مباشر من خلال وجود مساحات كونية مظلمة وسط نجوم أخرى ساطعة. كذلك تسهل ملاحظة تأثيراتها على حركة النجوم الأخرى وعلى مسارات الضوء المنبعث منها بسبب تأثير جاذبيتها على كل شيء محيط بها. كما يمكن مشاهدة الانفجارات الناجمة عن ابتلاعها للنجوم الأخرى، والتي تصدر معها كمية من الانبعاثات الضوئية والمادية قبل ابتلاعها. وكلما ابتلعت هذه الثقوب المزيد من المواد، يكبر وزنها وبالتالي جاذبيتها فتزيد قدرتها على جذب المزيد في وتيرة متزايدة. لذلك يقول البعض، ومنهم العالم “ستيفن هوكنغ” أن مستقبل الكون بعد مليارات السنين ستحكمه ثقوب سوداء شديدة الضخامة وسط فضاء مظلم.


Supernova

هي المرحلة الأخيرة من مراحل حياة النجوم الكبيرة، حيث تنفجر هذه النجوم بعد استنفاذ الجزء الأكبر من وقودها النووي المولد للضوء والحرارة، وتحول معظم كميات الهيدروجين الموجودة إلى هيليوم ومواد أخرى. يحصل الانفجار نتيجة لانهيار النجم على نفسه تحت ضغط الجاذبية بعد توقف التفاعلات النووية داخله، أو نتيجة اصطدام النجم بأجرام سماوية أخرى. يطلق الانفجار بريقاً ضوئياً يفوق سطوعه ملايين النجوم المجاورة لوقت قصير، وقد يعادل الضوء المنبعث ضوء المجرة كلها في بعض الحالات وتتبعثر المواد المكونة للنجمة المنفجرة إلى مسافات كبيرة تقاس بالسنوات الضوئية في المنطقة المحيطة بها. يمكن مشاهدة هذه النجوم المنفجرة في عدة مجرات في الفضاء من خلال التيليسكوبات الضخمة، وهي تحصل أيضاً في مجرتنا درب التبانة. ويقدر العلماء اليوم أن باستطاعتهم مشاهدة أي سوبرنوفا في الفضاء بواسطة التيليسكوبات الحديثة بسبب قوة سطوعها. تعتبر هذه الظاهرة مهمة في حياة النجوم والمجرات خاصة أن انفجارها يؤدي إلى انتقال المواد المشكلة لها، وتحديداً نواة المواد الثقيلة إلى باقي النجوم القريبة منها، والتي قد لا تكون قادرة على إنتاج هذه النواة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This