يقول المستشار الدولي في مجالي الطاقة والمناخ الباحث الفرنسي جان مارك جانكوفيتشي Jean-Marc Jancovici: “تخيلوا عالما يموت فيه 30 بالمئة من سكان الأرض بحلول سنة 2089 بسبب الأمراض، ويصبح نصف اليابسة صحراء مع حلول سنة 2080، وتختفي فيه التيارات المائية الدافئة من المحيط الأطلسي”، ويضيف أن “كل هذه الفرضيات المرعبة أصبحت واردة جدا بسبب تزايد نسق ارتفاع حرارة الأرض، ولكن رغم وضوح هذه الظاهرة، فإن علماء الاقتصاد ليس بإمكانهم في الوقت الحاضر حصر التكلفة المادية لهذه المشكلة”.
استشرف جانكوفيتشي كما الكثير من خبراء البيئة والمناخ، وفي سيناريوهات أولية، ما ينتظر العالم من كوارث اقتصادية بسبب تغير المناخ، إلا أن أحدا لم يتمكن من تقديم أرقام واضحة ومحددة، وبحسب الباحث الفرنسي باسكال كونفان Pascal Canfin، مؤلف كتاب “ثلاثون سؤالا لفهم قمة المناخ في باريس” 30 questions pour comprendre la conférence de Paris، بالاشتراك مع الكاتب والصحافي بيتر ستيم Peter Staime، فإن احتساب التأثير الاقتصادي للاحتباس الحراري بشكل دقيق يبقى مستحيلا، حيث أن الحوادث الخطيرة والكوارث الطبيعية التي ستحدث بسبب هذه الظاهرة في المستقبل لا يمكن من الآن توقع حجم الضرر الناجم عنها، ولكن الشيء المؤكد هو أنه عندما تنعقد أي قمة للمناخ لبحث هذه المسألة، فإن الجميع سيتفقون على أن حجم الضرر في ارتفاع مستمر”.
ازدياد نسبة الفقراء
وبدأ العالم يشهد، وسط الظواهر المناخية المتطرفة، آثارا مدمرة تطاول المحاصيل الزراعية، وما ينجم عن ذلك من تدهور في دورة الإنتاج، وهذا بدوره يلقي بأعباء كبيرة على الواقع الإقتصادي للدول المتضررة، يضاف إلى ذلك خسارة المزارعين لمصادر عيشهم، ولذلك بدأت هذه المشكلة تثير القلق حيال إمدادات الغذاء عالميا.
ومن المتوقع أن يقل متوسط الدخل العالمي بنسبة 23 بالمئة بحلول نهاية القرن بسبب تغير المناخ، كما أن تأثر دول العالم بارتفاع درجات الحرارة سيتفاوت بدرجة واضحة بين روسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويقول البروفسور سولمون هسيانغ Solomon Hsiang، الأستاذ بـ “كلية غولدمان للسياسة العامة” Goldman School of Public Policy في بيركلي بولاية كاليفورنيا، وأحد الباحثين الذين وثقوا الأثر التاريخي للاحترار العالمي حتى العام 2050، إن التأثير المتفاوت لارتفاع درجات الحرارة يعني إعادة هيكلة واسعة النطاق للاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الاختلاف اللافت للانتباه في ما يتعلق بالمصائر الاقتصادية للدول، بحسب “الوطن” القطرية.
ولأن الدول الفقيرة، ولا سيما في أميركا الجنوبية والقارة الأفريقية، سوف تشهد ارتفاعا أكبر في درجات الحرارة، فإن التأثير السلبي سيكون طاغيا، كما أنه من المتوقع أن تزداد نسبة الفقراء في العالم من 60 إلى 70 بالمئة بحلول نهاية هذا القرن، وأيضا بحسب ما اشارت أمنية الصناديلي في المصدر عينه.
البنك الدولي
وفي هذا السياق، أعدت “جامعة إيست أنجليا” University of East Anglia في بريطانيا دراسة هي الأولى من نوعها، تناولت العلاقة بين تراكم انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، وزيادة عدد الأيام الحارة، وأشار الدكتور مانوج جوشي Manoj Joshi، وهو من الفريق الذي أعد الدراسة، إلى أن الأناس الأشد والأكثر فقرا يعيشون في مناطق خطوط العرض الاستوائية، في حين أن من هم أكثر غنىً يعيشون في مناخات خطوط العرض المعتدلة.
هذا يعني أن العالم سيكون إزاء تحديات كبيرة، ولئن تحملت الدول الفقيرة نتائج أكثر وأكبر، فالدول الغنية لن تكون في منأى عن ما هو متوقع لجهة تراجع إمدادات الغذاء، وما قد يفرض ذلك من إرباك في الأسواق العالمية مع ارتفاع الأسعار.
كما أن تقارير البنك الدولي حول الخسائر السنوية الناجمة عن الكوارث الطبيعية بسبب ظاهرة الاحترار العالمي، أظهرت أن “هذه الخسائر ارتفعت من 50 مليار دولار خلال الثمانينيات من القرن الماضي، إلى نحو 200 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، فضلا عن أن ذلك سيؤثر حكما على حياة ملايين الناس، نتيجة غرق بعض مناطقهم، وفقدان المحاصيل.
ولا تقتصر الأزمات على قطاع الزراعة فحسب، وإنما ستطاول أيضا قطاعات عدة لن تكون في مأمن، وأبرز القطاعات المهددة بسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ، هي: الصناعات الطاقوية، المياه، البنية التحتية المخصصة للنقل، السياحة، الصحة وقطاع التأمين.