لا زال مرض “ألزهايمر” يحير العلماء، وما يزال العلم عاجزا عن تحديد مسبباته وسبل الوقاية، فمعظم الأدوية المعروفة حاليا تساعد في منع تطوره وتدهور ذاكرة المريض بسرعة، خصوصا وأن هذا الـ “ألزهايمر” يشكل النسبة الأكبر من أمراض الخرف (بين 70 و80 بالمئة من الحالات)، فضلا عما يشكله من عبء على العائلة والمجتمع والرعاية الصحية.

وفي دراسىة حديثة نشرت في مجلة “لانسيت” The Lancet العلمية، تمت متابعة 6،6 مليون حالة “ألزهايمر”، ووجدت أن حالة من أصل 10 تتواجد قرب الطرق المزدحمة، وقد يكون لها علاقة بالتلوث الهوائي والسمعي! على الرغم من أن الدراسة لم تستفض في البحث في مساهمة أبخرة عوادم السيارات في التنكس العصبي.

وقال البروفسور المختص في علم الوبائيات في “منظمة أونتاريو للصحة العامة” Public Health Ontario والباحث الرئيسي في الدراسة هونغ تشن Hong Chen أن “زيادة النمو السكاني والتوسع الحضري قد جعلا العديد من الأشخاص معرضين على نطاق واسع لحركة المرور ولو بصورة قليلة، ما يمكن أن يشكل عبئا كبيرا على الصحة العامة”.

وقد ربط العلماء سابقا بين تلوث الهواء والضوضاء نتيجة حركة المرور، بانخفاض كثافة المادة البيضاء White matter (أي النسيج الضام في الدماغ) وانخفاض الإدراك، كما قد ذكرنا في مقال سابق في موقعنا Greenarea.me في دراسة حديثة وجدت أن جزيئات نانوية من مادة أوكسيد الحديد الأسود، أو المغنيتايت magnetite المغناطيسية الناتجة عن تلوث الهواء يمكن أن تشق طريقها لتصل إلى أنسجة المخ.

ووجدت هذه الدراسة التي نشرت في مجلة “لانسيت”، أن أولئك الأشخاص الذين يعيشون قرب الطرق المزدحمة بحركة السير الرئيسية، كانوا أكثر عرضة للتشخيص بمرض الخرف بنسبة وصلت إلى 12 بالمئة، وعلى الرغم من أن هذه الزيادة تعتبر صغيرة، ولكنها مهمة كخطر إصابة محتمل بهذه الأمراض الإنتكاسية.

 

الدراسة

 

وعلى الرغم من أن الدراسة تابعت نحو 6.6 مليون شخصا لأكثر من عقد من الزمن، إلا أنه لم تتمكن من تحديد ما إذا كان التلوث ضارا بشكل مباشر للدماغ، أو أن تكون هذه الزيادة بسبب تأثير مشاكل الجهاز التنفسي والقلب الناجمة عن التأثر بعوادم السيارات أو بسبب عوامل غير صحية كنمط الحياة الأخرى المرتبطة بالحياة في البيئات الحضرية.

وقال المختص في علم نفس الشيخوخة Old age psychiatry من “جامعة الكلية” في لندن University College London البروفسور روب هوارد Prof Rob Howard والذي لم يشارك في هذه الدراسة: “نحن نعلم أن تلوث الهواء الكبير في الطرق سيء للصحة العامة، وهذه الدراسة الأخيرة لا تظهر لنا ما إذا كانت زيادة الخرف الطفيفة ناتجة عن الآثار غير المباشرة، أو ما إذا كان القرب من حركة المرور يؤثر بشكل مباشر على مرض الخرف وتطوره، بغض النظر عن المسار السببي، تقدم هذه الدراسة أحد الأسباب الأهم لضرورة تنظيف الهواء في مدننا”.

 

آراء وتحذيرات

 

ومع ذلك، فقد حذر آخرون أنه لا ينبغي لأولئك الذين يعيشون بالقرب من الطرق الرئيسية من “قلق لا مبرر له نتيجة هذه النتائج.”

وقال البروفسور في علم الأعصاب جون هاردي Prof John Hardy من الجامعة عينها: “إن التحليلات معقدة للغاية، وهذا يؤدي دائما إلى مخاوف من أن تعقيد التحليلات يخبئ عوامل خارجية، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل أي شخص لا يرغب في العيش بالقرب من الطرق الرئيسية، ولكن هذه الدراسة ليست إحداها”.

تتبعت الدراسة جميع البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 85 ويعيشون في أونتاريو، كندا في الفترة بين الأعوام 2001 و2012، وذلك باستخدام الرموز البريدية لتحديد قرب الشخص من الطرق الرئيسية بالأمتار، وتم فحص السجلات الطبية خلال هذه الفترة، لمعرفة أولئك الذين تطورت أعراض أمراضهم إلى الخرف Dementia، مرض باركنسون Parkinson’s disease أو التصلب المتعدد Multiple Sclerosis، وخلال فترة الدراسة، فإن  أكثر من 243،000 شخصا أصيبوا بالخرف، 31،500 شخصا بمرض باركنسون و9،250 شخصا بالتصلب المتعدد.

ولم يجد العلماء صلة بين العيش بالقرب من الطرق المزدحمة ومرضي باركنسون أو التصلب المتعدد، ولكن كان الخرف أكثر شيوعا في الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الطرق المزدحمة، وانخفضت المخاطر تدريجيا في المناطق الأقل عمرانا واكتظاظا، أما أولئك الذين يعيشون على بعد 50 مترا من طريق مزدحم فلديهم خطر أعلى بنسبة 7 بالمئة بالإصابة بالخرف، ووصل الخطر إلى نسبة 4 بالمئة على بعد بين 50 و100 مترا، بينما وصلت النسبة 2 بالمئة على بعد بين 101 و200 مترا، ولم يكن هناك أي زيادة لمن يعيش على بعد أكثر من 200 متر، أما الأشخاص الذين يعيشون على بعد أقل من 50 مترا فقد وجدت الدراسة أن النسبة تصل إلى 12 بالمئة خلال هذه الفترة.

وقال رئيس الصحة البيئية والمهنية في منظمة أونتاريو للصحة العامة Public Health Ontario راي كوبس  Ray Copes، والمشارك في تأليف الدراسة أن “أولئك الذين يعيشون في المدن عليهم السير وممارسة رياضة المشي على طول الشوارع الجانبية، والركض في الحدائق العامة، وأن يقوموا بالتخطيط في سيرهم وقيادتهم بشكل دائري، بحيث يمرون بطرق أكثر هدوءا كلما كان ذلك ممكنا”، وأضاف أن “الآثار الحقيقية ليست للخيار الفردي فحسب، ولكن على المستوى المجتمعي والسياسة”، مشيرا إلى أن “تلوث الهواء يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في التخطيط الحضري وتصميم المباني للحد من التعرض للملوثات”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This