لا تزال جميع المقاربات المتعلقة بمخاطر الطيور على السلامة العامة في مطار بيروت الدولي، بما فيها المسار القانوني امام قضاء العجلة، لا ترقى الى المعايير المطلوبة في معالجة هذا النوع من الأزمات، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، حتى لو تم إقفال المطمر الصحي المؤقت قرب مصب نهر الغدير.
لنبدأ من قاضي العجلة في بعبدا حسن حمدان، الذي سيعقد الثلاثاء المقبل جلسة للمرافعة النهائية في الدعوى المقدمة ضد اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت و”شركة الجهاد للمقأولات”.
يقول القاضي انه لم يتلق اجوبة من وزارتي الزراعة والصحة، وان التقرير المقدم من المديرية العامة للطيران المدني غير معزز بأي دراسة علمية أو معاينة فعلية على الارض، في حين اعتبر ان تقرير وزارة البيئة ينطوي على “جدية تقنية”.
يحق للمحامين الذي رفعوا الدعوى ان يحددوا الجهة التي يرونها مناسبة للادعاء عليها، لكن ايضاً يحق للخصوم ان يساجلوا في المسؤولية وان يطالبوا بإدخال اطراف اخرى في الدعوى، خصوصاً وأن الجهة التعاقدية التي تتحمل كامل المسؤولية عن مطمر الكوستابرافا هي “مجلس الانماء والاعمار”، وفق المنطوق الصريح والذي لا لبس فيه لقرار مجلس الوزراء، وللمناقصة التي تمت على اساسها عملية التلزيم التي فازت بها “شركة الجهاد للمقاولات”. لذلك فإن الحكم النهائي يجب ان يستند الى اجوبة “مجلس الانماء والاعمار” حول المخاطر وكيفية تفاديها والتقليل من أثرها.
وبمعزل عن الحكم النهائي الذي سيصدره القاضي، فإن الأكيد ان قرار اقفال مطمر الكوستابرافا لن يزيل بشكل نهائي المخاطر عن مطار بيروت الدولي، الأمر الذي يستدعي مقاربة مختلفة تماماً عن تلك التي يجري التداول بها، وعن التدابير الارتجالية المتخذة، وابرزها تكليف مجموعة من المدنيين اطلاق النار العشوائي على طيور النورس في محيط المطمر.
تعتبر المحكمة انها وازنت بين “الحماية العامة والمصلحة العامة” عندما اتخذت قراراً بإعادة الادخال المؤقت للنفايات ولفترة اسبوع واحد الى مطمر الكوستابرافا. لكن المؤقت في لبنان هو تلقائياً بحكم الدائم، هذا على الاقل ما عودتنا عليه الحكومة، التي لم تترك للقضاء ولا للمواطنين ترف المفاضلة بين السيء والاسوأ، بل دائماً تجعلنا امام الخيار القهري بالقبول بالاسوأ.
بناء عليه ينبغي التأكيد على مجموعة من الحقائق التي يفترض ان تستند مقاربة الازمة عليها:
تصرفت الحكومة اللبنانية في ملف ادارة النفايات على قاعدة تثبيت مطمري الكسوتابرافا وبرج حمود، وعدم انشاء مطمر اضافي وفق ما نص قرار مجلس الوزراء في آذار (مارس) ٢٠١٦، وهي بصدد مناقشة زيادة الكمية التي تطمر في الكوستابرافا عبر نقل نفايات الشوف وعاليه المكدسة في الطرقات الى المطمر، مقابل نقل ٢٥٠ طن من نفايات بيروت الى معمل المعالجة في صيدا. إن اي قرار قضائي بإقفال نهائي لمطمر الكوستابرافا يعني بقاء ما يزيد عن ١٥٠٠ طن من النفايات يومياً في الطرقات. ولا يبدو ان المقاربة الحكومية سوف تنتقل، حتى في حال صدور حكم بالاقفال النهائي، الى طرح بديل جدي وقابل للتطبيق عن مطمر الكوستابرافا، كما تبقى معضلة وجود قرابة نصف مليون طن من النفايات في الموقع وفي المكب العشوائي المجاور له، ومعضلة الصرف الصحي في الغدير، والرمي العشوائي للنفايات في مجرى المياه الشتوي لجهة الشويفات، والمعضلات المتعلقة ببرك المياه في المدرجات وغيرها من إجراءات السلامة العامة داخل حرم المطار، بمثابة خطر جدي وعامل استقطاب للطيور يجب ان لا يُقلَّل من خطورته.
بمعزل عن الملاحظات والتعليقات التي اعلنت حول التقرير الأولي للخبير الفرنسي Henri MILLET الذي يعمل لصالح مكتب Socotec الاستشاري، فإن ما ورد في التقرير لا يقلل على الاطلاق من خطر مطمر الكوستابرافا كعنصر اساسي لجذب الطيور. ويقدم التقرير مجموعة من الاقتراحات التي تنفذ في مختلف المطارات حول العالم لتفادي هذا النوع من الهجمات التي تواجه الملاحة الجوية. واضافة الى التقرير الفرنسي تقدم “المجلس العالمي لحماية الطيور”، باقتراحات الى المديرية العامة للطيران المدني وشركة طيران الشرق الأوسط، تمثل خارطة طريق لادارة المخاطر بالمتعلقة بالطيور، تبدأ بدراسة انواع هذه الطيور واماكن تواجدها وسجل الاحداث المسجلة في السابق والتي تشمل اصطدام طيور بالطائرات في مطار بيروت، وتتضمن الاقتراحات مجموعة من الإجراءات المطلوب تنفيذها في محيط المطار وحرمه، تقوم على مبدأ ابعاد الطيور وليس قتلها، وذلك ضمن رزمة من الاجراءات التقنية المتطورة، مع الاخذ بعين الاعتبار ان الاستثمار في العنصر البشري هو الاساس في نجاح اي عملية وقائية، وهذا يشمل دوريات الاستطلاع وتوظيف اشخاص مدربين لابعاد الطيور، خصوصاً عن طريق اطلاق الصقور المدربة التي أثبت نجاعة استخدامها في ابعاد طيور النورس، بالاستناد الى تجربة المطارات في كندا والولايات المتحدة الاميركية. (راجع https://greenarea.com.lb/ar/198015).
تسلم المتعهد الجديد (شركة العرب للمقاولات، وشركة سوريكو البلغارية) اعمال الفرز والمعالجة في مركزي الكرنتينا والعمروسية مطلع العام الجاري، بالتزامن مع اغلاق وبدء اعمال توسيع الطاقة الاستيعابية لمركز التسبيخ في الكورال، والتي ستستمر لفترة تسعة اشهر، ما يعني عملياً ان النفايات المغلفة الصادرة عن الكرنتينا والعمروسية، سوف تكون مثقلة بالنفايات العضوية بنسبة اعلى من السابق، وهي حكماً ستذهب الى الطمر، سواء في الكوستابرافا أو في أي موقع آخر. وبناء عليه يكون تقرير وزارة البيئة حول ان النفايات التي تدخل الى الكوستابرافا غير معالجة توصيف يعرف من كتبه في وزارة البيئة انه يستند الى الصيغة التعاقدية الحالية التي لم تراعي رفع القدرة الاستيعابية لمعالجة النفايات العضوية في بيروت وجبل لبنان من خلال بناء معامل جديدة، وبالتالي فإن ما تم التحذير منه سابقاً لا يزال قائماً وبحكم الامر الواقع، ويفضي الى معادلة كارثية في ادارة النفايات، تقوم على طمر ما يقارب ٨٠ بالمئة من النفايات واسترداد ٢٠ بالمئة، سواء عن طريق فرز المواد القابلة لاعادة التدوير أو تسبيخ اقل من ٢٠ بالمئة من النفايات العضوية، عن طريق تقنية التخمير الهوائي في مركز الكورال والتي تشوبها الكثير من المشاكل والتعقيدات، وما يزيد الطين بلة انها متوقفه حالياً.
وبناء عليه، فإن اي مقاربة لادرة النفايات لا تستند الى اعادة النظر بالمناقصات المبتورة التي اجراها “مجلس الانماء والاعمار”، بما يضمن استرداد ٧٥ بالمئة من النفايات وطمر ٢٥ بالمئة من النفايات الخامدة والعادمة، والى حين الوصول الى هذه المعادلة، فإن الازمة ستتفاقم، خصوصاً وأن المطامر الحالية لا تكفي لاكثر من منتصف العام ٢٠١٨.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This