تواجه الدول تبعات تغير المناخ بصور وأنماط مختلفة، فبينما تفتك الفيضانات في بلدان معينة، تعاني أخرى من حالات من الجفاف والمجاعات، وثمة دول تعاني اقتصاديا من تغير المناخ، نتيجة تأثر قطاعي السياحة والخدمات، على نحو ما هو قائم في جبال الألب الأعلى والممتدة على مسافة 1200 كيلومتر بين دول ثمانٍ وهي النمسا Austria، فرنسا France، سويسرا Switzerland، ألمانيا Germany، إيطاليا Italy، ليشتنستاينLiechtenstein ، موناكو Monaco وسلوفينيا Slovenia، ويعتبر جبل مون بلان  Mont Blanc أعلى قمة في جبال الألب والثاني في أوروبا بعد قمم القوقاز ويقع بين إيطاليا وفرنسا، يتبعه جبل Matterhorn الواقع بين إيطاليا وسويسرا، كما تحتوي سلسلة الجبال هذه على حوالي   100 قمة أعلى من 4 آلاف متر، وتعاني الدول الواقعة في الألب نتيجة تأخر موسم الثلوج، خصوصا وأن تلك المناطق تعتبر قِبلة السياحة العالمية الشتوية خصوصا في سويسرا.

 

تحديات كبيرة

 

بعد أن كان التحدي بين زوار هذه المرافق السياحية في التسابق على مدارج التزلج، أصبح الحصول على هذه المدارج تحديا كبيرا للقيمين عليها، ووفقا لـ “المعهد السويسري الفيدرالي لأبحاث الثلج والإنهيارات الثلجية”Swiss Federal Institute for Snow and Avalanche Research، فقد كان شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي الأكثر جفافا منذ أكثر من مئة وخمسين عام، وبالتحديد منذ العام  1864، حيث وصلت نسبة الأمطار وفقا للأرصاد الجوية السويسرية MeteoSwiss إلى 0.07 بوصة، وهو أقل بكثير من المعدل العام في هذا الشهر والبالغ 3.5 بوصة.

وقال الخبير في شؤون التزلج ومالك موقع أخبار الطقس المتخصص بالتزلج http://weathertoski.co.uk فريزر ويلكين Fraser Wilkin: “نشهد تأخرا في مواسم الثلوج في بعض الأحيان، ولكن عندما يتكرر هذا الأمر، فإننا نصاب بالدهشة”، وأضاف: “هناك ثلوج أقل في جبال الألب للسنة الرابعة على التوالي”.

 

انخفاض في المداخيل

 

فعدم وجود الثلوج يعني أن بعض الفنادق في جبال الالب أغلقت مؤقتا أو افتتحت أبوابها في وقت لاحق، وعادة، فإن ثلث أعمال المنتجعات الجبلية بين عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، ولكن، وفقا لوكالة الإذاعة البريطانية BBC، فمن المتوقع أن تصل خسائر كانون الاول (ديسمبر) إلى 56 بالمئة على الرغم من عاصفة مفاجئة مبكرة في تشرين الثاني (نوفمبر) بعثت الآمال في قلوب مستثمري المنتجعات، فضلا عن أن شهر كانون الثاني (يناير) البارد ساهم في تحسين الظروف، ولكن تأخر فصل الشتاء تسبب في انخفاض مبيعات التذاكر، وأربك مخططات العطل لكثير من الأشخاص.

وشهدت منطقة Jungfrau للتزلج، وحول قرى “فنغن” Wengen و”غرينديلفالد” Grindelwald، انخفاضا في مدخولها وصل إلى 25 بالمئة منذ بداية الموسم الى 2  كانون الثاني (يناير)، وفقا لمالك أحد هذه المنتجعات  Jungfraubahn Holding AG.

وفي فرنسا، فإن الطقس الأكثر دفئا وجفافا، يعني أن العديد من المنحدرات أصبحت خضراء بدلا من تزينها ببساط أبيض، وقالت منظمة “متشردي التزلج” Ski Bums لوكالات الأنباء المحلية، أنهم قضوا إجازاتهم بالمشي أو ركوب الدراجات، بدلا من التزلج على منحدرات الجبال. ووفقا لموقع الأخبار المحلية والفرنسية، فإن بعض المنتجعات “تحولت إلى الأنشطة الصيفية، من تسلق الجبال على عجلات Mountainboarding والمشي لمسافات طويلة Hiking والتزلج على مزلقات Toboggan لا تتطلب ثلوجا سميكة، في منتجع Les 7 Laux بدلا من التزلج”.

وليس نقص الثلوج مخيبا للآمال فحسب، بل يمكن أن يكون خطرا، فهذا الأمر يفرض على المتزلجين أشواطا أقصر، ما يؤدي إلى وقوع الحوادث، كما يساهم ارتفاع درجات الحرارة في حدوث انهيارات ثلجية، وفي العام 2015، لقي أكثر من 100 متزلج حتفهم في جبال الألب.

 

مدافع الثلج وزراعته!

 

وقال عالم الطقس في “المعهد السويسري الفيدرالي لأبحاث الثلج والإنهيارات الثلجية” كريستوف مارتي Christoph Marty أن “هذا الأمر يؤثر على الأعمال”، وأضاف “فقد شهدت الأعياد الأخيرة انخفاضا فاق 55 بالمئة، فالسنوات الثلاث الأخيرة  أتت دون ثلوج في كانون الأول (ديسمبر)”، لذلك وبسبب نقص الثلوج، فإن معظم المنتجعات عبر جبال الألب يتحولون الى الثلج الصناعي، وقد استخدمت “مدافع الثلج” لسنوات عديدة لرأب الصدع في مناطق ضعيفة من المنحدرات، ولكن في العقد الأخير ازداد استخدامها بشكل ملحوظ.

وشهد خمسون بالمئة من المنحدرات السويسرية استعمال الثلج الصناعي، بينما في النمسا المجاورة بلغت هذه النسبة 70 بالمئة، وأشار مارتي إلى أن “هذه العملية مكلفة للغاية”، وقال: “نحن بحاجة الى الكثير من الماء لتصنيع الثلج الصناعي، كما أن هناك الكثير من استهلاك الطاقة”، ولفت مارتي إلى أن “هذا من بين الأسباب التي تجعل تذاكر المنحدرات ليست رخيصة”.

إلا أن المنظمة أشارت إلى تحد كبير لجيش مدافع الثلج العاملة ليلا، وهو أنها لا يمكن أن تستخدم إلا إذا كانت درجة الحرارة دون الصفر، وهذا يعني أن المنتجعات، حتى إذا لم يتساقط الثلج الطبيعي، يجب أن يكون الطقس باردا بما فيه الكفاية في تشرين الثاني (نوفمبر) للحصول على منحدرات ثلجية جاهزة لعيد الميلاد.

أما بالنسبة للمنتجعات المنخفضة، والوديان، فإن هذا الأمر يمثل إشكالية كبيرة، لذا تحولت إلى طريقة جديدة وهي “زراعة الثلوج”.

وهذا الأمر ينطوي على تصنيع أطنان من الثلوج خلال الأشهر الأبرد، خصوصا كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير)، وتكون مدافع الثلج جاهزة بجانب الأنهر في الوديان، ليتم ضخ المياه للخروج منها وتحويلها إلى أكوام هائلة من الثلوج، وتطمر بعد ذلك في نشارة الخشب وتخزن خلال فصل الصيف، لحين الحاجة إليها في الموسم التالي.

 

قلق بيئي

 

أما البيئيون، فقد لاحظوا بقلق متزايد زيادة استعمال الثلج الصناعي في المنحدرات، وتقول منظمة “برو ناتورا” Pro Natura البيئية السويسرية إن إنشاء الخزانات لتوفير المياه لمدافع الثلج، تضر المناظر الطبيعية الجبلية، في حين أن الطاقة اللازمة لتشغيل كافة مدافع الثلج على مدى الموسم كافيا لتغذية مدينة صغيرة بالكهرباء.

ووجدت دراسة حديثة أن الظروف المناخية ستكون أسوأ للمتزلجين، فإن تغير المناخ سيكون له تأثير كبير على جبال الألب، ووجد الباحثون في الفترة بين 1970 و2015 ومن بيانات من 11 محطة للطقس، أن موسم الثلوج أصبح يبدأ متأخرا بعد 12 يوما في المتوسط مما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي، وينتهي تقريبا متقدما بـ 26 يوما، فضلا عن أن تغطية المنطقة بالثلوج انخفضت بنسبة 8،9 يوما لكل عقد (10 سنوات)، وهذا القصر في الموسم نتيجة لذوبات الثلوج (بمعدل 5،8 أيام في العقد) وتأخر موسم الثلوج (في 30 بالمئة من المحطات)، كما انخفض متوسط عمق الثلوج بنسبة 25 بالمئة، واقترحت إحدى المشاركات في الدراسة مارتين ريبيتيز Martine Rebetez أن “هذه النتائج سوف يكون لها تأثير على كل من الأنشطة الرياضة في فصل الشتاء والموارد المائية المتاحة للمجتمعات والنظم الإيكولوجية في الصيف”.

وقال علماء مناخ أن أنماط الطقس المتقلبة، مثل استمرار ارتفاع الضغط الجوي المسؤول عن ظروف الجفاف عبر جبال الألب في كانون الأول (ديسمبر)، قد يكون مجرد دلالة على أشياء تترسخ نتيجة آثار تغير المناخ.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This