من يستبيح عاصمة الشمال؟ ومن يريد تحويلها مكبا متواريا للنفايات الخطرة المهربة؟ وأين من ائتمنهم الناس عليها؟
أسئلة متلاحقة تؤكد أن طرابلس المدينة العريقة الرازحة تحت عبء الإهمال الرسمي، تتعرض في الوقت عينه لشتى أنواع الانتهاكات في غياب فاضح وواضح لمسؤوليها وبعض فاعلياتها، فالمدينة الأعرق تاريخا وحضارة وثقافة هي اليوم ضحية ممارسات ليس ثمة من يلقي عليها الضوء، وكأن هناك من يريدها أن تبقى نسيا منسيا.
لسنا في وارد إخافة أبنائها وسكانها، لكن من هو قائم في طرابلس يرقى إلى جريمة بيئية وصحية، مع طمر مواد شديد السمية في بعض مواقعها، بينها أكياس تضم مادة PVS Suspension Resin، فضلا عن مادة حمراء ملقاة على جانب طريق “زيتون ابو سمرا”، أثارت ذعر المواطنين، إذ أن لونها يتسم بشدة الإشعاع، والغريب في الأمر، أنه وبحسب الكثيرين من أهالي المنطقة وشهود عيان صرحوا لـgreenarea.info مؤكدين أن أيا من الاجهزة الأمنية والوزارات المسؤولة والبلدية لم تتحرك إلا بعد ايام عدة، أي عندما رفعت المواد الملقاة جانبا بدون معرفة المصدر، وبطريقة غير احترافية، اي انها نقلت الى مكان آخر وألقي بعض التراب فوق ما تبقى منها، أما الأكياس فاختفت بدون اي شرح أو إجابات عن طبيعة المواد التي تحتويها ومصدرها، الأمر الذي أثار ذعر الاهالي، وطرح تساؤلات من قبل المجتمع المدني حول من رمى هذه المواد؟ ومن ازالها؟ واين هي؟ وما هي؟ واين من يفترض بهم أن يكونوا والعين الساهرة على هذه المدينة؟
محاولة تضليل
كثرت التحليلات والافتراضات، البعض شبهها بالمادة التي هي بحوزة وزارة الطاقة والتي استعملتها في تلوين مياه نهر أبو علي، والبعض الآخر اعتبر انها ربما مجرد صباغ، إلا أن الجميع بضرورة فحصها مخبريا ومعرفة الفاعلين ومعاقبتهم، فضلا عن تحمل البلدية مسؤوليتها في منع هذه التجاوزات، وضرورة أن يكون هناك تحرك سريع لوزارتي البيئة والصحة، وتحرك من قبل المدعي العام البيئي والقوى الامنية لجهة تسيير دوريات في المنطقة.
وفي سياق متابعتنا كان هناك محاولة تضليل بادئ الامر، بحيث أبلغنا ان الصور قديمة، وأن الموضوع تمت معالجته منذ أشهر.
وفي نفس السياق علمنا أن طرابلس ومنذ مدة ليست بالقصيرة تتعرض لتهريب نفايات اليها من بيروت، ويتم طمرها ليلا في مناطق لا يؤمها كثير من المواطنين، وفي مواضع مختلفة، ما أدى الى تحويل بعض الاراضي الى مطامر ومكبات بفعل مجهولين، ولا سيما على طريق “زيتون” ابي سمرة التي لا يسلكها المواطنون بشكل دائم، الأمر الذي يرتقي الى فضيحة بيئية غير بعيدة عن الفساد المستشري في كافة المناطق اللبنانية.
المهندس ناغي
وفيما أشار مصدر في بلدية طرابلس إلى أن الصور قديمة، أشار المهندس وسيم ناغي لـ greenarea.info إلى أن “هذه الصور التقطتها منذ أربعة أيام وتحديدا يوم الاثنين 16 كانون الثاني (يناير) الجاري، ويوم الأربعاء، أي بعد يومين هناك من قام بتغطية المواد بالرمل، فضلا عن إزالة بعضها”، ولفت ناغي إلى أنه مهندس معماري “والكيميائيات ليست من اختصاصي، ولكنني أتابع وأقرأ”.
وقال: “المواد ليست نوعا من الصباغ، وهناك شيء غريب لأن من يريد تهريب وإخفاء مواد مشبوهة يرميها في هذه البقعة، وهو ليس مكبا شرعيا لأنه قائم على طريق بعيدة وهو مكب عشوائي على أراض خاصة، وكل شاحنة يمكنها رمي حمولتها وتكمل طريقها ولا أحد يراها، وهذه المنطقة تقع بين منطقة أبي سمرا وضهر العين”.
وأضاف ناغي: “أثق برأي الدكتور جلال حلواني، وهو مسؤول في الجامعة اللبنانية – كلية الصحة، وقال أن هذه المادة بحاجة لفحصها، والأمر يتطلب تحرك النيابة العامة ومختبرات علمية معترف بها، ولا أحد يمكنه الارتجال، وإذا كانت مغرة (ماد يستخرج منها صبغ أحمر) صالحة تستعمل ولا ترمى، ولكن عندما تنتهي مدة صلاحيتها تصبح سامة، وعندما تهطل الأمطار تتسرب إلى واد عميق وتلوث المياه الجوفية، وهي بكميات كبيرة وهي مادة مركزة على نحو كبير”.
وختم ناغي: “عندما وقفت أتأمل المشهد لم أتمكن من النظر إليها كون لونها يبهر العينين، ولا نعرف إن كانت قريبة من المادة الفوسفورية المشعة ولونها غريب، ولم أتمكن من الاقتراب منها كثيرا”.
بلدية طرابلس
رئيس بلدية طرابلس أحمد قمرالدين في حديث مقتضب أكد لـ greenarea.info أن “البلدية هي من قامت بإزالة هذه المواد وتم حفظها في مستودعات قيد الطلب لأخذ العينات منها”، وأشار إلى انه “لم يتم استدعاء خبير من طرف البلدية”، قائلا أن “هذا الأمر سيقوم به المدعي العام البيئي، نحن فقط احتفظنا بالمواد لحين طلبها، وقمنا برفع شكوى”.
وعن الجهة التي رمت المواد في هذه المنطقة، قال ان “الموضوع في عهدة الاجهزة الأمنية، وهي من تحقق بألامر، وهي التي تعلم الجهات المستوردة لهذه المواد”.
وعندما عاودنا الاتصال به مرة ثانية لمزيد من الاستفسارات لم يرد قمرالدين على الاتصال.
الطوارئ لإنقاذ مدينة طرابلس
رئيس “هيئة الطوارئ لإنقاذ مدينة طرابلس” الدكتور المهندس جمال بدوي قال لـ greenarea.info أن “طرابلس تتعرض ومنذ مدة لتهريب نفايات اليها من بيروت حتى تحولت بعض المناطق الى مكبات عشوائية، كمنطقة زيتون أبي سمرا وغيرها، وهذه المسألة كشفناها قبل نحو سنة خلال حملة حراس المدينة التي استمرت لشهرين ونصف الشهر، وقد تبين ان هذه المناطق تتعرض لطمر النفايات ليلا، وهي للاسف ما تزال مستمرة”.
وأضاف: “في آذار (مارس) الماضي عاودنا المراقبة في عملية استمرت أياما عدة، اسفرت عن تسليمنا عصابة ضبطت بالجرم المشهود ليلا، وبعد ايام عدة وتحت الضغط السياسي أخلي سبيلهم بسند اقامة”.
وشرح بدوي أن “عمليات طمر النفايات كانت تنفذ من قبل شاحنات تقوم بتفريغ جمولتها ليلا، وعند الفجر يجري الردم بالجرافة، وفي الصباح تكون العملية قد تمت”، كما أكد على “احتواء المواد المطمورة والملقاة على مواد سامة، ومواد طبية وكيميائية تابعة لمصانع، فضلا عن نفايات منزلية غير مفروزة”، وأشار بدوي الى أن “البلدية اكتفت بعد الحاح وجولة ميدانية برفع دعوى ضد مجهول، بحيث لم يرتدع الجناة وتمادوا أكثر حتى رميت هذه المادة الحمراء الملفتة والمادة الثانية بهذه الطريقة الفاضحة”.
وختم انه من المفترض أن يتم التعامل مع المدينة والمواطنين على انهم ذو كيان وحقوق لتستقيم الاحوال، وعلى البلدية ان تتحمل مسؤولياتها وتفي بالتزاماتها، فهي كانت قد وعدت بوضع كاميرات مراقبة لهذه المنطقة ولم تفِ بوعدها.
قديح: إحراق الـ PVC يكون الديوكسين المسبب للسرطان
وأشار الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم والمستشار في موقع greenarea.info الدكتور ناجي قديح إلى أن مادة الـ Poly vinyl Chloride PVC تعتبر من المواد البلاستيكية التي تستعمل بصورتها المرنة أو الصلبة في صناعات عدة، وتستخدم الصورة الصلبة منها في صناعة الادوات البلاستيكية.
ولفت إلى أنها “تعد مصدرا من مصادر تلوث الهواء عند حرقها، وتعتبر الـ PVC من أكثر المواد البلاستيكية خطورة على صحة الانسان وسلامة البيئة حيث يتعرض لها العمال في المصانع عن طريق الاستنشاق أو ملامسة الجلد، ويؤدي حرق المخلفات التي تحتوي على مادة PVC إلى تكوين مادة الـ (ديوكسين) Dioxin المسببة للسرطان”.
وأشار قديح إلى أن “التخلص من مخلفات الـ PVC عن طريق الطمر يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية بهذه المادة”، ولفت إلى أن مادة الـ “ديوكسين” Dioxin الناتجة عن حرق الـ PVC من المواد المسببة للسرطان وتؤثر على جهاز التناسلي وجهاز المناعة”.