في بلدة خربة قنفار في البقاع الاوسط، يلتقي Jesús Garzón مع مجموعة من نشطاء البيئة الذي يعملون في مختلف دول حوض المتوسط، ضمن اتحاد اهلي أُنشىء قبل ثلاث سنوات ويعنى بقضايا الطبيعة والثقافة، ويضم الى جانب الجمعية التي اسسها Garzón في اسبانيا وتدعى “رعيان بلا حدود”، منظمات شبيهة من تركيا واليونان والمغرب العربي ولبنان.
يؤكد Garzón في حديث لموقع greenarea.info على اهمية تطوير قطاع الرعي في مختلف دول حوض البحر المتوسط، وربطه بالسياحة البيئية وتعزيز المجتمع المحلي المعتمد على الرعي.
تأسست “جمعية رعيان بلا حدود” في اسبانيا عام ١٩٩٧، وتعمل على تطوير قطاع تربية الماشية وتشجيع الرعي والانتجاع، بالشراكة مع المجتمعات المحلية لتعزيز التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
ويؤكد Garzón ان التجربة الاسبانية نجحت في ربط الانتجاع بالسياحة البيئية والاجراءات المتعلقة بحماية الطبيعة. وتشارك الجمعية في حفل الانتجاع السنوي، الذي يقام في وسط العاصمة الاسبانية مدريد التي تغص بقطعان الماشية، وهي تظاهرة تقليدية تعود للقرن الخامس عشر، يُسمح خلالها لمختلف حيوانات المزرعة بعبور وسط العاصمة مدريد.
يسأل مدير جمعية حماية الطبيعة في لبنان، أسعد سرحال، عن الاسباب التي تحول دون نقل هذه التجربة الى لبنان، خصوصاً في المناطق المعلنة حمى طبيعية. ويردف: “نحن نعمل الى ان تكون هذه التجربة حافزاً لاعادة النظر في طريقة تعاطي الدولة اللبنانية مع قطاع الرعي، خصوصاً انه شبه معزول حالياً عن المشهد الميداني الثقافي والاجتماعي. ومن كفرزبد الى خربة قنفار وعين زبدة وصولاً ترشيش، لا يكف الرعيان عن رسم الحدود الطبيعية لمسيرة قطعانهم الذين ينقلون معهم ملايين الحبوب، ويعيدون بذرها في الطبيعة بطريقة تكفل التنوع البيولوجي الفريد والمتوازن.
ويعني الانتجاع ترحال السكان من منطقة إلى منطقة أخرى لأكثر من مرة خلال السنة الواحدة، وهي ظاهرة تم توارثها منذ قديم الزمن من أناس كانو يرتحلون من وسط بيئي إلى وسط بيئي أكثر ملاءمة. وبصفة عامة كان السكان القدامى ينتجعون للبحث عن الأوساط البيئية الأكثر ملاءمة لكي يبقوا على قيد الحياة. وأبرز المناطق التي ينتجع فيها هؤلاء السكان هي الجبال والسهول.
ويقول Garzón ان “جمعية رعيان بلا حدود” استطاعت ان تعيد احياء نظام الانتجاع، من خلال عمل السكان المحليين على طول مسار الرعيان الذين ينتقلون من شمال البلاد الى الجنوب وبالعكس، في رحلة سنوية بحثاً عن المناطق الدافئة.
وتنشر قطعان الماشية في رحلتها عبر الاودية والجبال ما يقارب ٥٠ الف نوع من البذور، واكثر من ٣٠ مليون طن من السماد، الامر الذي يساهم في اغناء التربة والحفاظ على التنوع البيولوجي. وتضم مسارات الرعي مناطق عشبية تصل مساحتها الى ١٢٤ الف كيلومتر. كما اعادت الجمعية احياء هذه الطرق عام ١٩٩٢ بعد ان توقفت لما يزيد على ٢٠ عاماً واستغني عنها بنقل الماشية عبر الشاحنات.
اكتشف الاسبان ان اعادة احياء نظام الرعي وتعزيزه لا يساعد فقط على تنمية هذا القطاع الهام والاستراتيجي من الناحية الاقتصادية، بل انه يساعد على تعزيز التنوع البيولوجي. ومن الامثلة التي يقدمها Garzón ان هناك نوعاً من النسور يتغذى على عظام الماشية التي تموت من خلال رحلة الرعي، ويقوم النسر بنقل هذه العظام الى المناطق الجبلية المرتفعة ويرميها على الصخور لتتفتت، ثم يأكل جوف النقي، وهي مصدر الغذاء الاساسي له. وتبين ان تراجع هذا النوع من النسور مرتبط بتراجع مسارات الرعي، والامر ينسحب ايضاً على الذئاب وغيرها من الثدييات المفترسة، ما ادى الى خلل واضح في التنوع البيولوجي.
وتعمل جمعية حماية الطبيعة في لبنان على مسح مناطق الرعي ومساراتها، والتعاون مع المجتمعات المحلية التي تعتاش منها. والاهم على المدى الطويل تشجيع استبدال الماعز بالغنم بشرط ضمان تشجيع صناعات الصوف وتشجيع توريدها.
وكانت الجمعية قد اعلنت بالتعاون مع بلدية الفاكهة حمى للصيد والرعي المستدام في العام 2013 في المنطقة التي يتواجد فيها عدد كبير من قطعان الماشية. كما تعمل الجمعية على تشجيع صناعة السجاد في الفاكهة وزيادة عدد المشاغل، وتدريب النساء على الحياكة التي تعتمد بشكل اساسي على الصوف الطبيعي، وانتاج الاصباغ من الاعشاب الطبيعية.
تجدر الاشارة الى أن سلسلة الجبال الشرقية في البقاع قد انهكها الرّعي منذ سنوات، والموائل لم تعد قادرة على تلبية حاجات الرّعاة، أكثر من 3 أشهر بحدها الأقصى، ما يدفع بهم إلى زراعة الشعير ومن ثم شراء العلف، وهذا مكلف ويسبّب أمراضاً.
ويعزّز اعادة احياء مسارات الرعي التقليدية في لبنان السياحة البيئيّة التي تشمل زيارة السياح الى مناطق الرعي واقامة الاحتفالات الشعبية في القرى ومراقبة الماشية والطيور، اضافة الى الاستفادة من مسارات الرعي لرحلات المشي في الطبيعة وقيادة الدراجات الهوائية.
وتقدر اعداد الماشية في لبنان بحسب احصاء رسمي لوزارة الزراعة عام ٢٠٠٩ بحوالي ٧٤ الف رأس بقر، واكثر من ٣٧٢ الف رأس غنم بينها ٢٧٨ الف رأس في منطقة البقاع، و٤٣٠ الف رأس ماعز تتوزع بين ٢٠٤ آلاف رأس في البقاع، و١١٧ الف رأس في منطقة الجنوب.
وتقول منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) التابعة للامم المتحدة ان آلاف قطعان الماشية ادخلت من قبل اللاجئين السوريين الى لبنان هرباً من النزاع المسلح، وفاقمت هذه الاعداد الضغط على قطاع الرعي لجهة التنافس على المراعي، اضافة الى نقل الامراض.
وتعمل المنظمة على تطعيم القطعان ضد الأمراض الحيوانية الرئيسية العابرة للحدود في لبنان، وهي مرض الحمى القلاعية (FMD)، وطاعون المجترات الصغيرة (PPR) ومرض الجلد العقدي (LSD).

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This