فيما أغدق البحر خيراته وانتشرت الأخبار السارة خلال الأشهر الماضية، مع تأكيد رئيس محمية صور البحرية الطبيعية ومرتادي البحر والصيادين والمهتمين أن البيئة البحرية في مدينة صور تجدد نفسها وتستعيد عافيتها، مع ظهور كائنات بحرية كانت حتى الأمس القريب مختفية تماما، ومنها على سبيل المثال الإسفنج وبعض أنواع المرجان، رصدت القيمون على المحمية نفوق ثلاث سلاحف من نوع Caretta caretta الضخمة الرأس خلال الأيام العشرة الماضية، ولم تعرف حتى الآن أسباب نفوقها.
ما يثير الاستغراب أن شاطىء صور يعتبر بعيدا عن أسباب التلوث، ويصنف واحدا من بين الشواطىء الأنظف على امتداد الساحل اللبناني، في ظل إجراءات الحماية والمراقبة من قبل المجلس البلدي بالتنسيق مع وزارة الزراعة والجيش اللبناني، مع التشدد في مراعاة المعايير الصحية ومنع استخدام الديناميت في عمليات الصيد وحماية الثروة السمكية، فضلا عن أن عمليات تنظيف الشاطىء من مخلفات مرتادي البحر لا تقتصر على اليابسة فحسب، وإنما تطاول أيضا عمق البحر بالتعاون مع غواصين محترفين وهواة.
وفي هذا المجال، رصد المرصد الأخضر التابع لـ “الجنوبيون الخضر” إحدى السلاحف الثلاث المعمرة من فصيلة السلاحف ذات الرأس الضخم المهددة بالإنقراض على شاطئ محمية صور الطبيعية على بعد أمتار من البحر، عصر يوم الخميس الماضي 2 شباط (فبراير)، ووثقها بالصور.
وذكر “الجنوبيون الخضر” أنه تم إبلاغ بلدية صور والزملاء في إدارة المحمية بالأمر، وستجري المحمية تحقيقا في الأمر للوقوف على أسباب نفوقها، وسيتابع المرصد نتيجة التحقيق مع البلدية وإدارة المحمية.
دبوق: ندرس الاسباب مع معهد ايطالي وخبراء أجانب
رئيس بلدية صور ورئيس محمية صور الطبيعية المهندس حسن دبوق قال لـ greenarea.info : “لقد تعاملنا مع هذه الحالة كما هي العادة في مثل هذه الحالات، فتمت معاينة السلحفاة وتبين انها لم تتعرض لضربات ظاهرة، ولكن لم يكن بإمكاننا تشريحها بسبب انقضاء فترة على نفوقها، مما أدى الى إنبعاث رائحة كريهة منها فاضطررنا لدفنها”.
وكشف دبوق أنه “قبل حوالي عشرة ايام كنا قد عثرنا على سلحفاة نافقة ايضا وتمكننا من تشريحها، الا انه لم يتبين لنا احتواء جهازها الهضمي على أي نوع من انواع البلاستيك، ما يبعد احتمال تعرضها للاختناق بالبلاستيك، كما لم يظهر عليها اي رضوض ظاهرة ولم تنفق نتيجة نزيف”.
وتابع: “نحن كمحمية نقوم بعمليات مراقبة للسلاحف ونرصد ونوثق حالات النفوق على اختلافها، ومن المؤكد أن هناك عدة أسباب بعضها يبدو واضحا والبعض الآخر ما زال مجهولا بالنسبة لنا، لذلك نحن وبحدود امكانياتنا نتابع في هذا السياق وندرس الاسباب بالتعاون مع معهد ايطالي مع أحد المعاهد الايطالية من خلال خبيرتهم التي زارتنا، ونحاول ان نصل من خلال دراسات علمية الى اجابات منطقية عن اسباب نفوق بعض الحالات، بالاضافة الى اننا بالتعاون مع الخبراء الاجانب نقوم بتبادل المعلومات والاستفسار والتقصي عن حالات مشابهة في البحر المتوسط، وربما يكون هناك احتمال أو فرضية وجود مرض ما يصيب السلاحف في هذه المنطقة”.
وفي هذا السياق، عاود دبوق الاتصال بـ greenarea.info بعد العثور على سلحفاة نافقة أمس في منطقة الجمل (صور)، وقال: “بدت بحالة يرثى لها، فقوقعتها مهشمة ورائحتها كريهة جدا، مما يؤكد نفوقها قبل مدة وربما تكون قد تحطمت نتيجة الارتطام بالصخور”، ولفت الى انه “عثر عليها وهي تطفو على سطح الماء وبجانبها مجموعة من قناديل البحر النافقة”.
يونس: تدهور الموائل والتلوث
ومن جانبه أكد رئيس جمعية “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس لـ greenarea.info أن “نفوق السلاحف بهذا المعدل، ثلاثة في موقع واحد في فترة قصيرة يعد كبيرا وكارثيا لمحدودية العدد وخصوصية الدور”، ورأى أن “هذا الأمر يستوجب الدراسة والتحقق وهناك عوامل عدة محتملة يحسم بعضها التشريح”.
وقال يونس: “الا ان عاملين رئيسيين لطالما لعبا دوراً بنفوق وتراجع أعداد السلاحف، تدهور الموائل نتيجة التعديات على الشواطئ وفي البحر وكذلك التلوث، وكانت النسبة الأكبر من السلاحف التي وثقها المرصد الأخضر العام الماضي ومن بينها سلحفاة معمرة نجح (الخضر) بإنقاذها وإعادتها الى البحر في الناقورة 22/9/2016 تعود للتلوث نتيجة تناول السلاحف لمخلفات بلاستيكية او وقوعها في شباك الصيادين واختناقها، وهناك عامل التغير المناخي الذي أثر على إرتفاع حرارة سطح الماء وسطح الشاطئ وهو ما خلف، بحسب الدراسات، آثاراً على سلوك السلاحف ونشاطها ومواعيد تعشيشها، كما اسهم في تفاقم بعض الأمراض التي تصيبها”.
وأضاف: “يضع هذا الحادث مسؤوليات إضافية على الحكومة والوزارات المختصة كما على البلديات، لجهة إيلاء موضوع حماية الشواطئ والبحر جهودا أكبر”، داعياً الى “رفع كامل التعديات والإنشاءات عنه والتي هي مخالفة للقوانين وتلحق ابلغ الضرر بالنظم البحرية والشاطئية وبالتنوع البيولوجي، وتأتي السلاحف البحرية في مقدمة قائمة ضحايا هذه الفوضى والتلوث”، وطالب بـ “الاسراع بوضع المخطط التوجيهي للساحل اللبناني الذي يجب ان يعنى بتدارك هذا الوضع الخطير الذي الى تعديه على الممتلكات العامة يلحق اضرارا كارثية بالتنوع البيولوجي البحري وبالصحة العامة”.
واشاد يونس “بتعاون وإهتمام بلدية صور وإدارة المحمية بالموضوع وبالإجراءات التي اتخذتها في منع الصيد بالديناميت وملاحقة حالات التعرض للسلاحف البحرية”.