لم يعد خطر انقراض الأنواع مجرد نظرية علمية وسط ما نشهد من تحديات، بدءا من ظاهرة الاحتباس الحراري مرورا بالتمدد العمراني وتجريف الغابات وفقدان الموائل وصولا إلى غيرها من الأسباب الناجمة عن ممارسات وأنشطة واستنزاف موارد الأرض، إذ يواجه أكثر من نصف الرئيسيات (رتبة من طائفة الثدييات)، وتعد من أقرب الكائنات الى البشر في عالم الحيوان، خطر الانقراض بسبب الاضرار الناجمة عن الأنشطة البشرية غير المستدامة، والتي باتت السبب الرئيسي المهدد لكثير من أنواع الرئيسيات للانقراض، بحسب ما أظهرت نتائج دراسة حديثة، وصفت بـ “المقلقة”، نشرت نتائجها في الثامن عشر من كانون الثاني (يناير) الجاري.

فقد أظهرت دراسة أعدها واحد وثلاثون خبيرا في مجال الرئيسيات، ونشرت كاملة في مجلة “ساينس ادفانسز” Science Advances الاميركية في عددها الاخير أن “ما يثير القلق هو أن ما يقرب من 60 بالمئة من أجناس الرئيسات تواجه تهديدا بالزوال، فضلا عن أن نحو 75 بالمئة من هذه الأنواع والأجناس تواجه تراجعا كبيرا ومضطردا في أعدادها”.

 

مرحلة دقيقة

 

وقال أستاذ علم الإنثرولوجيا (الإناسة) في “جامعة إيلينوي” University of Illinois  الأميركية بول غاربر Paul Garber، وهو المشرف الرئيسي على الدراسة مع الأستاذ في “الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك” National Autonomous University of Mexico اليخاندرو إسترادا Alejandro Estrada “في الحقيقة، نحن نمر في مرحلة دقيقة بالنسبة لعدد كبير من هذه الكائنات”.

وسجلت أجناس عدة من الليموريات (نسبة إلى حيوان الليمور) والقردة تراجعا كبيرا في أعدادها إذ لم يعد هناك سوى بضعة آلاف منها. ومهد العلماء لدراستهم بمقدمة تصدرت البحث، أشاروا فيها إلى “اننا نقيم المستوى الحالي والمعرفة العلمية المتاحة لأصناف الرئيسيات، ونسلط الضوء على أهميتها الإيكولوجية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية، خصوصا بالنسبة للقرود، وكذلك العواقب الناتجة عن انخفاض أعدادها، ونرى أيضا الحاجة إلى المزيد من الأبحاث المستقبلية لرصد التغيرات البيئية التي يسببها الإنسان، والتي تؤثر على الرئيسيات”.

واقترح العلماء تطوير المناهج العالمية والإقليمية والمحلية لتشجيع الحفاظ على الرئيسيات، وأكدوا أن الهدف من الدراسة ليس إصدار قائمة بالتهديدات الماثلة، وإنما للفت الانتباه إلى عوامل عدة من صنع الإنسان التي تهدد الرئيسيات في كافة أنحاء العالم، وتشجيع تطوير حلول مستدامة وفعالة تعزز بقاء الحيوانات الراقية في المدى المتوسط والطويل.

ومن الأجناس المهددة، بحسب “ميدل إيست أون لاين”، أورانغ اوتان سومطرة الذي يواجه خطرا كبيرا بالانقراض، بعدما خسر 60 بالمئة من رقعة انتشاره الطبيعية بين العامين 1985 و 2007، بحسب البروفسور غاربر.

وتواجه هذه الاجناس تحديات عدة، من بينها الصيد والتجارة غير القانونية بالحيوانات المنزلية وفقدان مواقع انتشارها الطبيعية، في ظل استمرار البشر في قطع الاشجار في الغابات الاستوائية وبناء طرقات واستغلال المناجم.

وأشار غاربر الى ان “كل هذه الأنشطة تقام بطريقة مدمرة من دون اي جدوى، وغير مستدامة”، موضحا أن “هذه الرئيسيات تصمد في غابات بلدان مثل الصين ومدغشقر واندونيسيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية”.

 

فقدان مواقع الانتشار الطبيعي

 

وأضاف غاربر، وهو خبير في الرئيسيات “خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، سيزول عدد كبير من أجناس الرئيسيات هذه، الا اذا ما جعلنا من حفظها اولوية عالمية”.

وتضم اربعة بلدان هي البرازيل واندونيسيا ومدغشقر وجمهورية الكونغو الديموقراطية، ثلثي اجناس الرئيسات الموجودة في العالم، وتمثل هذه البلدان أهدافا بديهية لتنفيذ تدابير لوقف ظاهرة انقراض الرئيسيات وحتى عكس مسارها.

ويرتبط فقدان مواقع الانتشار الطبيعي لهذه الحيوانات في كثير من الاحيان بمستويات مرتفعة من النمو السكاني، وبالفقر لدى السكان المقيمين على مقربة من القردة، وفق معدي الدراسة. وقال البروفسور غاربر “التصدي للفقر المحلي وتقليص النمو السكاني مكونان ضروريان لحفظ الرئيسيات”، بحسب “ميدل إيست أون لاين” Middle East Online.

واعتبر أن “تنمية الاقتصادات القائمة على حفظ الغابات والرئيسات التي تعيش فيها مع زيادة فرص التعليم للنساء والسكان المحليين ستكون تدابير من شأنها التصدي لبعض من اكبر التهديدات امام بقاء الرئيسيات”.

وتمثل الزراعة اكبر تهديد بشري على مناطق عيش الرئيسيات وفق هؤلاء الباحثين، وأوضح البروفسور غاربر أن “الممارسات الزراعية تخريبية وتؤدي الى تدمير مناطق العيش الحيوية لـ 76 بالمئة من كل اجناس الرئيسيات على الارض”.

وتطرق على نحو خاص الى زراعة النخيل والصويا والمطاط، اضافة الى استغلال الغابات وتربية المواشي، ما أدى الى تدمير ملايين الهكتارات من الغابات، فضلا عن استغلال المناجم وعمليات التنقيب عن النفط، يضاف إليها قائمة طويلة من الانشطة المدمرة للغابات في العالم والرئيسيات التي تعيش فيها.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This