أدرج على جدول اعمال مجلس الوزراء في جلسته التي ستعقد الاربعاء في القصر الجمهوري في بعبدا، بند يتعلق بالموافقة على سبيل التسوية، على قبول هبة مقدمة من شركة “المقدم هولدينغ” المملوكة من عبد الهادي مايز مقدم، لصالح المديرية العامة للطيران المدني في “مطار رفيق الحريري الدولي”، على ان يتم اعفاؤها من الرسوم الجمركية. وتقدر قيمة هذه المعدات بحسب الفاتورة التجارية الصادرة عن الجهة الموردة ٣٩٧ ألف دولار اميركي.
ومعلوم أن قضية هذه الهبة قد بدأت مع تصاعد الحديث عن مخاطر تعرض مطار بيروت لهجمات طيور النورس وغيرها من الطيور البحرية، بالقرب من المدرجات، ما يعرض الملاحة الجوية للخطر. وكان الرئيس سعد الحريري قد قبل هذه الهبة بقرار حمل الرقم ٦/٢٠١٧ تاريخ ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧، ولقد اودع اللواء الركن محمد خير المكلف بتأمين اعمال الامانة العامة للهيئة العليا للاغاثة، نسخة عن هذا الملف لدى الامانة العامة لمجلس الوزراء، وتبين ان مجموعة هذه الهبة ١٦ جهازاً يصل وزنها الاجمالي ١٧٦٤ كلغ. وهي عبارة عن ستة أجهزة لطرد الطيور من ماركة LRAD طراز 1000X وعشرة أجهزة من نفس الماركة طراز 500X.
أثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذه الهبة، واسباب تقديمها بهذه الطريقة العاجلة، وليس معلوماً بعد مدى صحة المعطيات، حول ما اذا كانت عبارة عن طلبية قديمة مستوردة من قبل الشركة المذكورة لصالح احد الزبائن، وتم رفضها لعدم مطابقتها المواصفات المطلوبة.
وبحسب تقرير إدارة الطيران الفدرالية الاميركية ازدادات نسبة حوادث الاصطدام المتعلقة بالطائرات والناتجة عن الحياة البرية بنسبة 42 بالمئة ما بين الاعوام 2009 و 2013، ولم يتم التقليل من مخاطر هذه الحوادث إلا من خلال استخدام صقور مدربة (راجع https://greenarea.com.lb/ar/198015) تقوم بصيد هذه الطيور وبالتالي تفادي اجبار الطائرات على القيام بعمليات هبوط اضطرارية. ويقول انصار استخدام هذا النوع من التقنيات ان لا حل لمشكلة طبيعية إلا من خلال اللجوء الى حلول طبيعية، بالاستناد الى حلقة الغذاء التي تشكل نظاماً بيئياً يحافظ على توازن الانواع.
وكان “مجلس الانماء والاعمار” قد كلف الخبير الفرنسي Henri MILLET الذي يعمل لصالح مكتب Socotec الاستشاري، اجراء معاينة ميدانية لموقع مطمر الكوستابرافا ومنشآت المطار والمناطق المحيطة. وقدم الخبير الفرنسي مجموعة من الاقتراحات لطرد الطيور، ابرزها تجهيز المطار بمعدات صوتية وضوئية مخصصة لهذا الغرض، واستخدام أشخاص بدوام كامل، في المطار، يكونون مدربين ومجهزين بما يلزم لطرد الطيور، خصوصا عند إقلاع وهبوط الطائرات، اسوة بالمطارات المعرضة لخطر الطيور.
بدوره ارسل وزير البيئة طارق الخطيب الى وزارة الاشغال والنقل – المديرية العامة للطيران المدني و”مجلس الإنماء والإعمار” الدراسة التي أعدّها البروفسور في علم الطيور البرية وبيئتها الدكتور غسان جرادي، حول الطيور في محيط مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وتأثيرها على الطيران وسبل إبعادها عن حركته، والتي يستعرض فيها أنواع الطيور، اضافة إلى الحلول الممكنة والوسائل الاسلم بيئياً لمكافحة هذه الطيور في محيط المطار وفي منطقة نهر الغدير، وذلك بالاستناد الى عدد من المراجع عن الطيور في لبنان.
ولفت الدكتور جرادي في دراسته حول الوسائل الاسلم بيئياً لمكافحة الطيور الى “وجود إجراءات عملية آنية تتناسب مع واقع الطيور في محيط المطار وتبعدها عنه وإجراءات لاحقة ولكن مستمرة للحفاظ على سلامة الطيران على المدى الطويل”. ودعا “لوضع الأصوات المنفرة للأنواع الموجودة فعلياً على الأرض”، وحدّد الفترة التي تكون فيها هذه الطيور في لبنان كما حدّد أعدادها في المواقع المطلوب طردها منها. كذلك حدد السبل السهلة لإبعادها ناصحاً بالابتعاد عن الوسائل التي لم يثبت بعد نجاحها بالمطلق. وطلب أن يكون لسلطات المطار برنامج للتحكم بالطيور ومراقبتها أسوة ببقية المطارات. وعلى هذا البرنامج أن يتضمن كيفية العمل على تجنب الطيور المهاجرة الليلية من غير الطيور البحرية والنوارس والتي تمر فوق البحر ضمن مجال خطوط الطيران وعلى ارتفاعات محددة”.
الانطلاق من الخلاصة التي قدمها الدكتور جرادي مفيد جداً لطرح مجموعة من التساؤلات حول مدى فعالية الهبة المقدمة من شركة “المقدم هولدينغ” لصالح المديرية العامة للطيران المدني، اذ ان اي جهاز مهما حمل من مواصفات تقنية، لن يكون مجدياً ما لم يتم وصله ببرنامج للتحكم بالطيور ومراقبتها كما يحصل في جميع المطارات حول العالم. وهنا يطرح السؤال الابرز: هل تتمتع الاجهزة المذكورة بمواصفات تجعلها قابلة للتكيف مع انظمة التحكم بالطيور ومراقبتها؟
يتبين من الجهة المصنعة لهذه الاجهزة، وهي شركة LRAD المتخصصة بأجهزة الهتاف الصوتي الطويلة المدى، ومقرها الولايات المتحدة، ان هناك عشرات الاجهزة المتخصصة بعدة جوانب وعدة مجالات، وكل طراز من هذه الاجهزة ينفع في قطاع معين ولا ينفع في قطاع آخر.
ومن ابرز هذه القطاعات التي تستخدم أجهزة الهتاف الصوتي الطويلة المدى: مؤسسات انفاذ القانون (الشرطة، قوى مكافحة الشغب)، الجيش، الدفاع المدني ومؤسسات ودوائر ادارة الكوارث الطبيعة، اجهزة مراقبة وضبط الحدود، واجهزة حراسة المرافق البرية والحرية.
وبحسب المواصفات الفنية لجهاز LRAD 500X والتي تتضمن الهبة عشرة اجهزة من طرازها، فانه يستخدم بشكل متنقل أو ثابت من قبل الاجهزة الامنية المولجة مكافحة الشغب، ولقد ذاع صيته في العام ٢٠٠٩ عندما استخدم من قبل قوى مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين المحتجين على انعقاد قمة مجموعة العشرين 2009 الثالثة في بيتسبرغ، حيث يظهر شريط فيديو جهاز LRAD مركبا على عربة لنقل الجنود يصدر اصواتاً مزعجة تجعل كل من هو على مسافة قريبة من مصدرها غير قادر على الوقوف، وإلا اصيب جهازه السمعي بضرر بالغ.
كما يستخدم هذا الجهاز من قبل الجيش الاميركي سواء في قواعد هبوط الطائرات او في القواعد البحرية، وذلك لتمرير نداءات الى الجنود في اماكن الضوضاء الشديدة.
ولا تذكر شركة LRAD اي استخدام لجهازها من طراز LRAD 500X في عملية ابعاد الطيور عن المطارات، على الاطلاق، لذلك فإن الاجهزة العشرة المقدمة كهبة فيما لو جرى تركيبها في مطار بيروت الدولي، فانها ستكون على اقل تقدير لزوم ما لا يلزم، وعلى العكس، قد تسبب ضرراً كبيراً للسكان المحيطين بالمطار والذين يعانون اصلاً من ضوضاء شديد جراء حركة الاقلاع والهبوط.
ماذا عن الأجهزة من طراز 1000X؟ يتبين بحسب المواصفات المنشورة على موقع الشركة، وبحسب الفاتورة المرفقة بملف الهبة، ان الاجهزة الستة التي تضمنتها هذه الهبة هي من طراز 1000XI وان هذا النوع من الاجهزة يستخدم في العديد من المواقع بينها الموانئ، لاطلاق النداءات، وهو يحتوي على قسم تحكم الكتروني موصول بجهاز MP3 لبث النغمات والاصوات، اضافة الى ميكروفون للبث الحي، لكن الشركة لا تذكر اي معلومات تتعلق بفعالية هذا الجهاز في ما يتعلق بسلامة الملاحة الجوية في المطارات، رغم انها ارفقت الصفحة التي تعرف بمواصفاته بصورة لاستخدامه في محطة لتوليد الطاقة من الرياح، وذلك لضمان ابعاد الطيور المحلقة المهاجرة مخافة اصطدامها بالمراوح.
ماذا عن اجهزة سلامة الملاحة الجوية؟ يتبين ان قائمة الاجهزة المخصصة لهذا النوع من الاستخدامات لا تقع في خانة أجهزة الهتاف الصوتي الطويلة المدى العادية، بل في خانة أجهزة الهتاف الصوتي الطويلة المدى التي يتم التحكم فيها عن بعد. وان الطراز المستخدم في تأمين سلامة الملاحة الجوية والذي تبيعه الشركة هو من طراز LRAD 1000RX ويختلف بشكل كامل عن طراز LRAD 1000XI الذي قدمت شركة “المقدم هولدينغ” ستة اجهزة منه ضمن الهبة المقدمة الى الدولة اللبنانية! وبالتأكيد فإن سعره اعلى من الجهاز المقدم هبة، بفارق كبير.
وتقول الشركة أن طراز LRAD 1000RX مصمم لكي يتم التحكم به عن بعد، وذلك عن طريق شبكة IP تعمل بشكل تلقائي، وتستجيب للمخاطر فور وقوعها ودون اي تدخل بشري.
وتقول الشركة ان هذا الطراز يقبل اوامر من برنامج مصمم من قبل الشركة لتحديد ورصد الهدف، وبمجرد ان يتم تحديد الهدف، فإن الجهاز يصوب الهتاف الطويل الامد باتجاه الهدف المحدد. وانه يمكن تحديد مجموعة اهداف متنقلة وثابته وبرمجتها على الجهاز للاستهداف اليومي.
وتضيف الشركة ان جميع اجهزتها التي تتمتع بنظام الرصد عن بعد تكون متصلة بكاميرات مراقبة، وانظمة رصد الحركة، والمناظير الليلية والردارات، وبالتالي فهي الاكثر مأمونية للتحكم والسيطرة على المخاطر المتأتية من الحياة البرية، وتحديداً من الطيور التي تهدد الملاحة الجوية، لان اجهزة المناداة التقليدية (المقدمة كهبة الى لبنان) لم تثبت نجاعتها في السيطرة الكاملة على الطيور وغيرها من الحيوانات، لان الاخيرة تعتاد اصواتها وبالتالي تصبح غير منفرة وغير فعالة.
في الخلاصة مبروك للبنان الهبة الجديدة! التي يفترض ان ينتهي بها المطاف لدى وزارة الداخلية والبلديات وليس لدى وزارة الاشغال، علنا نراها في العام ٢٠١٧ مستخدمة من قبل فرقة مكافحة الشغب، التي عملت جاهدة طيلة العامين الماضين لتفريق المحتجين على ازمة النفايات في لبنان، واستخدمت في الكثير من الاحيان القوة المفرطة ضدهم.