لسنا في وارد التنغيص على المحبين والعشاق في يوم “الفالنتين”، ولا التنكيد على التجار فيما تشهد الأسواق ركودا لا تلغي بعض تبعاته سوى الأعياد والمناسبات الموسمية، بالرغم من اقتناعنا أن الكثير من المناسبات هي نتاج اقتصاد السوق، بهدف زيادة الاستهلاك وتأمين ديمومة أرباح الشركات العالمية الكبرى، وسعيها الدائم للهيمنة على الأسواق وتعظيم مكاسبها وأرباحها، وهي في سياق تحقيق أهدافها لا تتوانى عن نشر مجموعة كبيرة من المصطلحات والمفاهيم النظرية الدعائية الموجهة تحديداً إلى بلدان الجنوب.
هذا الأمر لا يقتصر على مناسبة بعينها فحسب، لكن من المؤكد أن الترويج للاستهلاك في أي مناسبة وذكرى، يكون محركه التسويق لأفكار تصبح نتيجة مراكمتها في الإعلام والإعلان، جزءا من حياتنا العامة، و”ضرورة” لا يمكن الاستغناء عنها كونها ارتبطت بـ “المنظومة القِيمِيَّة” للمجتمعات، لا بل نجد أن ثمة توظيفا للدين والأفكار “الثيوقراطية”، أي ربط مناسبةٍ ما بما يعززها كمفهوم إيماني، وهذا التنميط يفرغ أي مناسبة من محتواها الحقيقي، رغم تزيينها بأفكار ترويجية عنوانها التسويق لمنتج أو أكثر، فتصبح جميعها مرتبطة بقيم تغدو مع الوقت معتقدات راسخة لا يمكن لأي كان أن يشذّ عنها، وإلا يصبح خارج منظومة الأفكار التي تتحكم بمجتمع بعينه.
الحفاظ على البيئة
وإذا ما نظرنا إلى “عيد العشاق” بعيدا عن رمزيته الإنسانية، نجد أن عنوانه الاستهلاك، فعلى سبيل المثال، ذكرت منظمة “إيكو واي” Echo Way المعنية بحماية البيئة استنادا إلى نتائج إحدى الدراسات أن عمليات نقل ملايين الورود التي يتبادلها العشاق في هذا اليوم تسببت في انبعاث أكثر من أربعة ملايين طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون الملوث للبيئة في إيطاليا وحدها.
ويعود السبب في ذلك إلى خروج نحو 17 مليون وردة من مدينة سان ريمو بحلول يوم عيد الحب الذي يوافق الرابع عشر من شباط (فبراير). ويتم نقل الزهور التي تقوم بدور “رسول الحب” من سان ريمو إلى مختلف المدن الإيطالية مما يعني استهلاك نحو 1600 ليتر من البنزين.
ونصحت المنظمة “العشاق” باختيار الزهور التي تتم زراعتها في أقرب مكان لهم بهدف الحفاظ على البيئة في أيام الاحتفال بعيد الحب.
زهرة من الطبيعة
وإذا ما نظرنا إلى حجم الاستهلاك على مستوى العالم لصالح هذه المناسبة، نجد أن ما ينتج من مواد لتغليف وتزيين الورود والهدايا، من ورق ونايلون وشرائط ملونة و”أيقونات” ترمز للمناسبة، يتسبب بانبعاث أطنان من غازات الاحتباس الحراري، وهي تسبب هدرا في الموارد، وتراكم حجم النفايات، فضلا عن ما تسببه مزارع إنتاج الزهور من تلوث بالمبيدات الحشرية التي تؤثر على البيئة وتقضي على الملقحات وأهمها النحل. ودون أن ننسى حجم الانبعاثات الناجمة عن قطاع الزراعة.
يمكن أن نختفل بعيد الحب، من خلال اعتماد أفكار خلاقة عبر إعادة استخدام المخلفات في صناعة الهدايا، وثمة أمثلة كثيرة في هذا المجال، تروج لها منظمات وجمعيات بيئية، ومن ثم فإن قطف زهرة طبيعية بدلا من باقة من زهور مستوردة، تجعل من عيد العشاق مناسبة نابضة فعلا بالحب، وأكثر صدقا وجمالا!