كشفت أبحاث أجرتها “جامعة إكستر” University of Exeter البريطانية، وجامعة كيب تاون University of Cape Town في جنوب افريقيا، أن طيور البطريق المهددة بالانقراض تبحث عن الطعام في الأماكن الخطأ، بسبب الصيد البحري الجائر وتغير المناخ، ما يؤدي إلى نفوقها جوعا.
وتستخدم البطاريق الأفريقية الصغيرة في مناطق واسعة من المحيطات بعض الإشارات لتستدل على وجود الطعام، لكن هذه الإشارات، ونتيجة التحولات السريعة الناجمة عن تغير المناخ والصيد تدلها الآن إلى الأماكن التي يندر الطعام، أو ما يسمى بـ “الفخ البيئي”Ecological trap .
الفخ البيئي
عرّف الأستاذ المساعد في علم الأحياء Assistant Professor of Biology في “معهد بارد” Bard College في ولاية نيويورك والمدير الإداري لـ “مركز بارد البيئي الميداني” Bard Ecology Field station، بروس روبرتسون Bruce Robertson الفخ البيئي بأنه “السيناريو الذي يؤدي بالكائنات الحية إلى تفضيل العيش في موائل ذات نوعيات دنيا ومنخفضة، وينطلق هذا المفهوم من فكرة أن الكائنات الحية تقوم بتحديد نشاط الموائل ذات الجودة العالية بالإعتماد على الاشارات البيئية، وبشكل أكثر تحديدا، يعتقد أن الشراك تحدث بسبب جاذبية الموائل مقارنة مع قيمتها النوعية للبقاء والتكاثر، والنتيجة هي تفضيل الموائل الجذابة غير المناسبة وتجنب الموائل العادية ذات الجودة العالية، ولكنها الأقل جاذبية، ولكن قد تحدث في أي سياق سلوكي (مثل تجنب الحيوانات المفترسة، اختيار الشريك، والملاحة البحرية والجوية، واستخدام مواقع الرعي وغيرها.. الخ)، وتسمى بشكل أوسع الشراك التطورية“، وأكد روبرتسون أن “هذه الظاهرة جديدة لا زالت غير مفهومة إلى حد كبير”.
البحث
للمرة الأولى كشف البحث المنشور في مجلة Current Biology تحت عنوان “متابعة فراخ البطريق في المستعمرات المتعددة عن فخ بيئي واسع”Metapopulation tracking juvenile penguins reveals an ecosystem-wide ecological trap تأثير “الفخ البيئي البحري”، مع انخفاض كبير في معدلات الحياة بين فراخ طيور البطريق، كما أشارت النماذج إلى أن التكاثر كان بنسب أقل بحوالي 50 بالمئة بالمقارنة مع الطيور القادرة على الهروب من هذا الفخ.
وفي هذا السياق، قال مؤلف البحث الأول الدكتور ريتشارد شيرلي Richard Sherley من “معهد البيئة والإستدامة” Environment and Sustainability Institute في “جامعة إكستر”ان “التدهور البيئي يمكن أن يتسبب بسوء التأقلم، لا سيما باختيار الموطن، وهذا يعني أن الإشارات والعلامات البيئية التي كانت تساعد هذا النوع على إختيار الموطن المناسب، أصبحت تضعه في خطر”، وأضاف شيرلي “تبحث صغار البطريق عن درجات الحرارة المنخفضة ومعدلات الكلوروفيل (أ) Chlorophyll a (كدلالة على وجود العوالق البحرية Plankton والطحالب Algae)، وكانت تعتبر كإشارات على وجود الأسماك والطعام، ولكن تغير المناخ climate change والصيد الصناعي (التجاري) Industrial Fishing، استنزفا المخزون السمكي في مناطق صيد هذه البطارق”.
وقال شيرلي: “لا زالت صغار البطريق تتجه نحو المناطق الغنية بالعوالق البحرية، إلا أن الأسماك غير متوفرة”، وأضاف أن “هذه الصغار عند وصولها إلى تلك المنطقة، تموت من الجوع”، وأكدت الدراسة أن ” أرقام تكاثرها أقل بنحو 50 بالمئة مما لو وجدت طريقها إلى مياه أخرى، حيث تأثير الإنسان قد يكون أقل حدة”.
واشترك الباحثون من “جامعة إكستر” مع باحثين حكوميين من جنوب أفريقيا وناميبيا Namibia، واستخدمت آلات تعقب لمتابعة 54 من فراخ طيور البطريق من ثماني مستعمرات مختلفة لتكاثر البطارق، وأكد شيرلي أن “الصيد الجائر في ناميبيا والتأثير المشترك من الصيد التجاري والتغيرات البيئية قبالة جنوب غرب أفريقيا قد خفضت بشكل كبير كميات هائلة من الأسماك التي تتغذى عليها طيور البطريق”.
نظام بنغويلا البيئي
وأضاف: “تسببت التغييرات الطفيفة في درجات الحرارة وزيادة ملوحة المياه في المنطقة (المعروفة بالنظام البيئي بنغويلا Benguela ecosystem) حيث كانت الأسماك تتجمع ومنها السردين والأنشوفة بانتقالها مئات كيلومترا نحو الشرق، وساهم تغير المناخ ومصائد الأسماك والتغيرات في المحيطات في كل هذا، ولكن ليس لدينا فهم كامل لتأثيرها الكامل”.
ووجد الباحثون العديد من طيور البطريق وقد تمت محاصرتها في نظام بنغويلا الإيكولوجي الحالي البحري الكبير The Benguela Current Large Marine Ecosystem (BCLME)، وهي منطقة تمتد من جنوب أنغولا إلى كيب بوينت في غرب مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا.
وأشار شيريل إلى أن “نتائجنا تدعم تعليق الصيد في أوقات معينة، خصوصا عندما تنخفض الكتلة الحيوية للفرائس أقل من بعض المستويات، كما تشير أيضا إلى أن التخفيف من الشراك الايكولوجية البحرية سوف يتطلب جهودا كبرى للمحافظة على البيئة.”
وقال الباحث في علم الطيور من المعهد أيضا الدكتور ستيفن فوتيي Stephen Votier أن “هذا الفخ البيئي قد اكتشف عندما تم تعقب فراخ البطريق من مستعمرات متعددة”، وأضاف: “هذا الأمر يسلط الضوء على أهمية دراسة حركة الحيوانات، خصوصا بالنسبة للأنواع البحرية طويلة العمر مثل طيور البطريق”، وأكد “في الواقع، فإن تتبع الكائنات تعد حاليا أداة حاسمة في حماية الكائنات الحية”.
وكان البطريق الأفريقي، يعرف سابقا بـ “البطريق الحمار” Jackass Penguin، مهددا بالانقراض من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة IUCN: International Union for Conservation of Nature، والذي يؤكد أن “هذا النوع يتعرض لانخفاض سريع في أعداده”، ما يدل على “أن هذا الأمر يبدو وكأن قد يصعب إصلاحه”، مع بقاء 50 ألف طائر بطريق متبقٍ في ناميبيا وجنوب أفريقيا، ويبحث العلماء في إمكانية نقل فراخ البطريق إلى مناطق تكون فيها كميات الغذاء أكثر وفرة.