في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين الاولى والثانية، حيث كانت ثمة حاجة عالمية الى بعض المواد الاولية، التي لم تكن متوفرة نتيجة الحروب وتوقف المصانع عن الانتاج، ولدت فكرة اعادة تدوير النفايات.

ومؤخراً، أظهرت البحوث والتجارب الحديثة، التي أجرتها بلدان العالم المهتمة بقضية النفايات وإعادة تدويرها، الفوائد الجمة (اقتصادية وبيئية) التي تعود على كل العالم من جراء اعادة التدوير، فمثلاً كل طن من البلاستيك المدوّر يمكنّنا من اقتصاد 700 كلغ من البترول الخام، وأن تدوير واحد كيلوغرام من الألمنيوم يوفر لنا حوالي 8 كلغ من مادة “البوكسيت” Bauxite (الخام الطبيعي الذي يصنع منه معظم معدن الألمنيوم)، و4 كلغ من المواد الكيماوية و14 كيلووات/ساعة من الطاقة الكهربائية. في حين أن كل طن من الكرتون المدوّر يساعدنا على توفير ما يقارب ثلاثة أطنان من خشب الغابات، منقذاً 17 شجرة تساهم في الحفاظ على مناخ الطبيعة وهوائها النقي، وأن إعادة تصنيع زجاجة واحدة تقلل تلوث المياه بنسبة 50 بالمئة وتلوث الهواء بنسبة 20 بالمئة سنعرف عندها مدى اهمية هذه التقنية التي تعيد الى الحياة العملية مواداً كانت بحكم الميتة.

عندما نعلم أن معظم النفايات الناتجة عن الحروب مكونة من بقايا مواد البناء مثل مواد العزل، الانابيب المعدنية والمسامير، الأسلاك النحاسية، حديد التسليح، الخشب، الالمنيوم وغيرها. كذلك يمكن أن تحتوي هذه المخلفات على مادة الرصاص، الأسبستوس (الأمينت Asbestos) ومواد خطرة أخرى، وأن النفايات الصلبة (الحديد، الالمنيوم، الزجاج والنحاس…إلخ) الناتجة عن تدمير البنى التحتية في البلدان التي تتعرض للحروب، كما هو الحال في سوريا الآن، من المخلفات يمكن تدويرها بنسبة 100 بالمئة، ولعدد لا نهائي من المرات، سنعرف تمام المعرفة لماذا يجب على بلد مثل سوريا التي يلقي عليها الارهاب آلاف القذائف يومياً، وضع خطط تقضي باعادة تدوير ملايين الاطنان من مخلفات الحرب، تتراكم لتخنق البيئة السورية، وتقتل التنوع الحيوي، كم هائل من شتى أنواع النفايات، تتراوحُ بين الصلبة والسائلة، نفايات ناتجة عن دمار الاف مؤلفة من المباني في كل المدن السورية، وأخرى ناتجة عن مختلف انواع الاسلحة المستخدمة هناك، من بقايا القذائف وفوارغ الطلقات من اصغرها الى اكبر أجزاء كاملة من صواريخ، مدافع، طائرات وحتى الدبابات، نفايات ملأت الأراضي والأجواء السورية، ملايين الأطنان من الحديد والنحاس والالمنيوم وملايين أخرى من الزجاج، الورق، الخشب والبلاستيك.

هذا عدا عن المخلفات الخطرة الناتجة عن استخدام السلاح الكيماوي (تم تدمير نحو 1300 طن مترياً من الأسلحة الكيماوية في سوريا معظمها من غازَيِ الخردل والسارين). ونفايات أخرى ناتجة من الاسلحة الخطرة (آلاف من براميل الكلور)، وغيرها من النفايات  الناتجة عن سرقة وتفجير معامل الغاز السائل ومحطات الوقود، وأخيراً النفايات التي نتجت عن حرق معامل الادوية (معامل أوبري ومعامل تاميكو)، عدا عن النفايات اليومية التي لا تزال تنتجها المشافي (تنتج مستشفيات وعيادات دمشق وحدها ما يزيد على 5 أطنان يومياً).

نعم، لقد أصبح ملحاً اليوم أن تبدأ عملية تدوير هذه الكميات الهائلة من النفايات، سواء كانت صلبة، سائلة وغازية، أو كيماوية ومشعة.

وأصبح هناك ضرورة لتدوير ما يمكن تدويره، والاستفادة القصوى من مصادر كانت تذهب سدى بغير فائدة. وعلى الرغم من أنه يجري العمل حالياً على إعداد مشروع لإعادة تدوير النفايات الورقية في محافظتي دمشق وريف دمشق، وذلك بمبادرة من الجمعيات الأهلية البيئية وبدعم من الدولة السورية (محافظتي دمشق وريف دمشق وغرف الصناعة)، وذلك انطلاقا من أن النفايات الورقية تعتبر ثروة وطنية تستفيد منها الشعوب المتطورة من خلال فرزها من المصدر عن غيرها من النفايات، ثم جمعها وإرسالها لمصانع الورق لإعادة تصنيعها من جديد، إلا أن هذا لا يكفي ولا يشفي غليل المهتمين بالشأن البيئي والذين يرون أن ملايين الاطنان من النفايات ستتركها الحرب في سوريا تؤدي حتماً الى كارثة بيئية، ستنعكس تبعاتها سلباً على البيئة في العديد من البلدان المجاورة.

والسؤال هنا: من سيدور كل مخلفات الحرب على سوريا؟ ربما صناع الحروب أنفسهم… من يعش يرَ.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This