فيما تتفاقم أزمة النفايات في لبنان وسط غياب خطة حكومية مركزية واضحة لإدارة هذه الازمة، بعيدا من سياسة الارتجال (الكوستبرافا نموذجا)، تطالعنا مشكلات متمثلة بالمكبات العشوائية في مختلف المناطق، وسط غياب المراقبة المساءلة والمحاسبة، الأمر الذي فتح شهية المستثمرين في هذه الازمة إلى استئجار أراض وتحويلها إلى مكبات بطريقة غير شرعية، ودون تراخيص من وزارة البيئة، ودون أي دراسة للأثر البيئي، وهي بالتالي تطاول السلامة العامة وتلحق ضررا بالمياه الجوفية، وخطرا يستهدف صحة المواطنين، فضلا عن التشويه والتدمير الممنهج للمساحات الخضراء والبيئة الطبيعية.
كل ذلك يختصره مكب نفايات البرج الشمالي في قضاء صور المتاخم لبلدتي طيردبا وشارنيه الغنيتين ببساتين الحمضيات، الذي سمي زورا بــ “مطمر”، وهو أشبه ما يكون بمكب عشوائي يردم النفايات بالاتربة دون معالجة (يمكن مراجعةgreenarea.info ” مكب نفايات البرج الشمالي – صور… تجارة الموت برعاية نافذين”) في قطعة أرض استثمرها أحد النافذين، وعلمنا انه بعد الاحتجاجات الاخيرة التي نظمها أهالي طيردبا لإزالة هذا المكب قام بالضغط على بعض المعترضين لاسكاتهم.
اتحاد بلديات صور: لا حل بديل
رئيس القسم الفني في اتحاد بلديات صور والمسؤول عن ملف النفايات المهندس جلال عبد علي، قال لـgreenarea.info : “إن معمل الفرز في عين بعال هو نسخة عن احد معامل الفرز في الولايات المتحدة الاميركية، وبحسب تصميمه، فإن قدرته الاستيعابية تصل إلى 150 طنا من نفايات الولايات المتحدة التي تختلف حتما عن نوعية نفاياتنا غير المفرزة، وقد تم تطويره من قبل الاتحاد مرات عدة، ويستقبل المعمل اليوم 100 طن يوميا من أصل حوالي 300 طن نفايات لـ 63 بلدة تابعة لاتحاد بلديات صور، بالاضافة إلى المخيمات الفلسطينية، وهناك مشروع لتطوير المعمل عبر تمويل من البنك الدولي لتصل قدرته الاستيعابية إلى 150 طن يوميا”.
وأضاف: “هنا تكمن المشكلة، فالمعمل لا يكفي حاجة الاتحاد، وحاليا يتم طمر نفايات بلديات عدة في مطامر عشوائية، إذ انه لا حل بديل، وقد القي على عاتق الاتحاد والبلديات ملف النفايات الذي هو مسؤولية الدولة، بالاضافة إلى انه مسؤولية كل مواطن أيضا”.
وقال عبد علي: “إن الطمر هو حتما حل سيء لكن الاسوأ أن تملأ النفايات الطرقات ويتم حرقها، وبالنسبة لمطمر البرج الشمالي الواقع عند حدود بلدة طي دبا شارنيه فهو لأحد المستثمرين، وهو الارض الوحيدة التي توفرت لاستقبال عوادم عين بعال، ولا حل آخر لدينا للتخلص من هذه العوادم حاليا”.
أما عن التغليف قبل الطمر، فأشار إلى أن “التغليف يحتاج إلى معمل تغليف ولا طاقة للاتحاد لتحمل تكاليفه”.
د. قديح: تدابير قانونية رادعة
بدايةً، شدد الخبير في مجال علوم الكيمياء والسموم ومستشار greenarea.info الدكتور ناجي قديح على أنه “يجب أن نميز بين المكب والمطمر”، لافتا إلى أن “هناك من يعتمد مصطلح مطمر للتورية على أساس أن المطمر له شروط صحية وبيئية، فيما نجده في مختلف المناطق هو ليس إلا مكبات عشوائية ومزابل تؤثر على صحة المواطنين وتلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية”.
وأشار قديح إلى أن المكب قرب موقع الكتيبة الكورية لا نعرف أضراره بالنسبة للروائح المنبعثة قبل أن نحدد اتجاه الريح وما إذا كانت الروائح تطاول المناطق السكنية، فضلا عن أن هذا الأمر مهم جدا لمعرفة مدى تأثر المناطق السكنية بالحرائق تبعا لاتجاه الريح”.
واستغرب أن “تستحدث مواقع لمكبات نفايات دون ترخيص من وزارة البيئة، ودون تقييم للموقع”، وقال: “هذا أمر غير مقبول، ويجب أن تكون هناك تدابير قانونية رادعة، لأن هناك سلطة في البلد ووزارات معنية، وهناك جهات مسؤولة من محافظ وقائمقام وبلديات، هؤلاء جميعهم معنيون بموضوع استحداث مزبلة جديدة من دون دراسة مواصفات الموقع، ودون معرفة شروط تشغيل هذه المزبلة”، ورأى قديح أن “هذا الأمر لم يعد مقبولا كأن يؤجر مواطن أرضه لتكون مكبا”.
وقال قديح: “تجمع النفايات وتتكدس في هذه المنطقة، وهناك آبار ارتوازية ومياه جوفية، وهذا يعني أن العصارة ستتسرب، ومع الوقت ستصل إلى المياه الجوفية وإلى الآبار الموجودة وتلوثها”.
وأضاف: “عادة، بالنسبة إلى المزابل والمكبات العشوائية، وبعد أن تتراكم فيها النفايات، وبعد مرور أسابيع تبدأ النفايات العضوية بالتخمر لاهوائيا وتولد غاز الميثان وتتسبب بحرائق تلقائية وليس بالضرورة ان يكون هناك حرق متعمد، لانه عمليا هناك نوعان من الحرق، الأول الحرائق التلقائية الناتجة عن غاز الميثان، والثاني الحرائق المفتعلة، وهذا ما يلجأ إليه عادة مشغلو هذا المكب للتخفيف من كمية النفايات”، وأكد أن “الانبعاثات الناجمة عن هذه الحرائق عالية الخطورة وهي غنية بالمواد السامة والغازات الشديدة السمية، وتتسبب بأمراض سرطانية ومزمنة وأمراض الجهاز التنفسي والقلب”.
وختم قديح قائلا أن “غازات الاحتراق العشوائي عالية التلوث جدا، وهي من أكثر الأسباب للملوثات الخطيرة”.
زعاطيطي: خطر على المياه الجوفية
وفي هذا السياق أكد الخبير الهيدروجيولوجي، الاستاذ والباحث في حقل المياه الجوفية الدكتور سمير زعاطيطي لـ greenarea.info أن “المكب في مكانه الحالي يشكل خطرا على المياه الجوفية ومياه الآبار من التلوث (أحدها البئر الذي تستفيد من مياهه الكتيبة الكورية العاملة في جنوب لبنان)”.
وجاء تأكيده للأمر استنادا الى طبيعة تكوين الارض العالية النفاذية، بالاضافة الى وجود العديد من التصدعات فيها، وبالتالي يتسرب كل ما يتلقاه السطح الى الجوف بسهولة.
وأضاف زعاطيطي أن ما “بينته هو بالاستناد الى دراسة أجريتها ميدانيا بحيث تُظهر المنطقة المجاورة لمدينة صور باتجاه الشرق أنواعا من التربة العائدة الى العصر الرباعي الحديث، وهي عبارة عن جرفيات وردميات، وتغطي الصخور المارلية والكلسية لعصر (الايوسين البحري الاوسط) والاسفل يليه في العمق سقف صخور (العصر الطبشوري) المارلية العائدة لحين السينونيان (Senonien C6) التي تغطي الصخور الدولوميتية والكلسية لحين (الطورونيان C5) وتحته السينومنيان (Senonien C4) بسماكة 600 متر تشكل المخزن الجوفي الاساسي لجنوب لبنان، وهو ذو نفاذية الكسور والشقوق وفراغات ناتجة عن تذويب المادة الكلسية بمياه الامطار ويسمى علميا بالمخزن (الكارستي)”.